"معلومات الوزراء": الطباعة ثلاثية الأبعاد تقنية صناعية سريعة النمو
كتب ؛ امين قدري
أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، الإصدارة الرابعة من تقرير "مدن المستقبل"، بعنوان "المدن المطبوعة ثلاثية الأبعاد" والذي يتناول مفهوم المدن الذكية المستدامة والأدوات المستخدمة من جانب المؤسسات المعنية لتقييم مستوى ذكاء المدينة واستدامتها، ويتناول الأطر العالمية ومؤشرات القياس المعتمدة دوليًا بشأن المدن الذكية المستدامة، إلى جانب إلقاء الضوء على تطبيقات وممارسات تلك المعايير والمؤشرات على أرض الواقع، في محاولة تستهدف فهم عملية بناء المرونة والاستدامة الحضرية من خلال دمج تطبيقات وشبكات تكنولوجيا المعلومات في واقع الحياة اليومية الحضرية، الأمر الذي يسمح بالسيطرة على الموارد وتقليل الهدر ورفع أداء المدينة في القيام بوظائفها.
وأوضح مركز المعلومات من خلال هذا العدد أن الطباعة ثلاثية الأبعاد حظيت باهتمام كبير في السنوات القليلة الماضية وأصبح لها استخدامات في مجالات عدة، كالزراعة والرعاية الصحية وصناعة السيارات والقطارات والطائرات؛ حيث تسهم في بناء النماذج والهياكل المعقدة بكفاءة وفي أقصر وقت ممكن، وفي مجال الإنشاءات تطورت تطبيقات الطباعة ثلاثية الأبعاد بسرعة فائقة بصفتها طريقة أكثر دقة وأسرع وأقل تكلفة في بناء وتشييد المساكن ومدن بأكملها، الأمر الذي أدى إلى تزايد الاستثمارات في هذه التقنية على مستوى العالم وبلغت القيمة السوقية لإنشاءات الطباعة ثلاثية الأبعاد العالمية نحو 3.42 مليار دولار أمريكي في عام 2022 ومن المتوقع بحلول عام 2032 أن تصل القيمة إلى نحو 519.49 مليار دولار أمريكي بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 65.25%.
اهتم التقرير في القسم الأول بتعريف الطباعة ثلاثية الأبعاد وتطبيقاتها في مجال الإنشاءات وسوق البناء العالمية للطباعة ثلاثية الأبعاد، حيث يُقصد بـ "الطباعة ثلاثية الأبعاد" مسميات عدة أبرزها مسمى "التصنيع بالإضافة" أو "التصنيع الرقمي المباشر" وتعمل هذه التقنية على تجميع ودمج وتصنيع المواد ببعضها البعض طبقة فوق أخرى لتكوين النموذج أو الشكل النهائي المراد طباعته من المنتجات باستخدام نموذج مجسم البيانات ثلاثي الأبعاد "CAD Model"، أي تحويل الشكل ثلاثي الأبعاد على الكمبيوتر إلى نموذج مجسم، ومن أبرز التقنيات في مجال البناء اثنتان هما "تقنية الأذرع المثبتة على السكة الطابعة"، و"الطباعة باستخدام تقنية الرمل".
وبالنظر إلى حجم القيمة السوقية للطباعة ثلاثية الأبعاد نجدها سريعة النمو، وقد قُدر حجمها في عام 2022 بنحو 16.75 مليار دولار أمريكي ومن المتوقع أن ينمو بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 23.3% من عام 2023 إلى عام 2030، وتجدر الإشارة إلى أن أمريكا الشمالية قد استحوذت على أكثر من 33.34% من الإيرادات العالمية لسوق الطباعة ثلاثية الأبعاد في عام 2022، كما برزت السوق الأوروبية كثاني أكبر سوق إقليمية في عام 2021.
وفي مجال الإنشاءات تشير الإحصاءات إلى أن حجم سوق البناء والتشييد باستخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد بلغ 18.2 مليون دولار في عام 2022، ومن المتوقع أن يسجل معدل نمو سنوي مركب يبلغ 101.9% في الفترة من 2023 إلى 2030، وتهيمن منطقة آسيا والمحيط الهادي على سوق البناء والتشييد باستخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد، ومن المتوقع أن تكتسب هذه التكنولوجيا زخمًا كبيرًا في ظل ما تقوم به الصين واليابان من جهود بارزة في توسيع استخدامات تلك التكنولوجيا.
وفيما يتعلق بفرص وتحديات الطباعة ثلاثية الأبعاد في مجال البناء والإنشاءات، تتمثل أبرز الفرص في "تحسين الإنتاجية، وتقليص سلاسل التوريد، والإبداع الهندسي، وانخفاض التكلفة، وسرعة البناء، بالإضافة إلى التأثيرات الاجتماعية حيث يحمل استخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد عددًا من الفرص الاجتماعية والتي تعكسها أساليب تنفيذ أعمال البناء نتيجة تغيير هياكل أعمال البناء والمساواة بين الجنسين في هذا المجال بما ينعكس على تحولات نحو المزيد من سلاسل التوريد الرقمية والمحلية"، فيما تمثلت أبرز التحديات في، ارتفاع كلٍ من "معدلات البطالة وبالأخص في مجال الانشاءات كثيف العمالة -حيث تقلل الطباعة ثلاثية الأبعاد من كثافة القوى العاملة في مجال الانشاءات-، فضلاً عن ارتفاع تكاليف معدات الطباعة ثلاثية الأبعاد، وتكاليف النقل والمواد المستخدمة".
وألقى التقرير في قسمه الثاني الضوء على أبرز الخبرات الدولية في تشييد وتطوير عدد من النماذج الأولية لمدن مطبوعة بتقنية الطباعة ثلاثية بالكامل، مثل مدينة "سوتشو" الصينية التي استطاعت إنشاء أول مبنى سكني مكون من 5 طوابق في العام باستخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد بتمويل حكومي، وتشييد أكبر مبنى في أوروبا بمدينة "هايدلبرغ" باستخدام طابعة ثلاثية الأبعاد، بالإضافة إلى سعي عدد من المدن الأوروبية الاعتماد على هذه التقنية في قطاع البناء والتشييد لتتمكن من خفض الانبعاثات وتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050.
وعلى مستوى الدول العربية تستثمر دولة الإمارات العربية المتحدة في تطوير مدن بالكامل باستخدام هذه التكنولوجيا الحديثة بحيث ستتم طباعة 25% من المباني في إمارة "دبي" من خلال تلك التقنية بحلول عام 2030، كما سيتم بناء أول مسجد في العالم مطبوع بالكامل ثلاثي الأبعاد بحلول عام 2025، بالإضافة إلى مبنى مؤسسة دبي للمستقبل الحاصل على لقب جينيس للأرقام القاسية كأول مبنى تجاري مطبوع بتقنية ثلاثية الأبعاد في العام، وكذلك مدينة مصدر التي تم بناؤها بمواد معاد تدويرها باستخدام تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، وعليه جاءت دولة الإمارات العربية المتحدة واحدة من أفضل 10% من الدول من حيث انبعاثات الكربون من أنشطة البناء والتصنيع وفقًا لتصنيف البنك الدولي.
كذلك قامت المملكة العربية السعودية بإنشاء مبني مطبوعاً ثلاثي الأبعاد وهو عبارة عن فيلا مصنوعة من طابعة إنشاءات ثلاثية الأبعاد، وبلغت مساحته نحو 345 متراً مربعاً وارتفاعه 9.9 أمتار وتم فيه استخدام مواد محلية منخفضة التكلفة لإنشاء الخرسانة ثلاثية الأبعاد القابلة للطباعة والتي تمت طباعة جميع جدران المبني البالغة مساحته 345 متراً مربعاً.
وفي ضوء ما سبق تشير خبرات عدد من المدن حول العالم إلى إمكانات الطباعة ثلاثية الأبعاد في تحقيق معايير الاستدامة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والبيئي خاصًة وأن قطاع البناء والتشييد هو القطاع المسؤول عن 38% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية وذلك وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة للبيئة والوكالة الدولية للطاقة في عام 2020، وهنا يمكن القول إن الاعتماد على الطباعة ثلاثية الأبعاد في تشييد المباني قد يسهم في، "توفير مساكن لمحدودي الدخل ومن لا مأوى لهم"، "وتوفير الهياكل المستدامة الصديقة للبيئة"، "وتعزيز الحماية والأمان للعمالة"، بالإضافة إلى "تقليل النفايات".
وركزَّ التقرير في قسمه الثالث على انعكاسات استخدام الطابعة ثلاثية الأبعاد على قطاع البناء والتشييد المصري، حيث تشير الإحصاءات إلى أن صناعة التشييد والبناء تعد واحدة من أهم الصناعات نموًا على مستوى العالم، فقد بلغ حجم سوق البناء نحو 6.4 تريليون دولار من الناتج المحلي الإجمالي العالم عام 2020، ومن المتوقع أن يصل إلى 14.4 تريليون دولار في عام 2030، ومحليًا بلغ نمو قطاع التشييد والبناء المصري بين عامي (2021- 2022) نحو 11% وساهم بنسبة 18.7% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، وتشير التوقعات إلى التوسع المحتمل في صناعة البناء في مصر لتصل إلى متوسط نمو سنوي يبلغ 6.8% و7.4% بحلول عامي (2024- 2027)، الأمر الذي يرشح مصر أن تستحوذ على نحو 30% من قيمة صناعة البناء والتشييد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وبالنظر فيما تم تنفيذه من عمليات في قطاع التشييد والبناء عام 2020/ 2021، نجد أن نشاط البنايات يمثل نحو 67.4% من إجمالي الأنشطة الاقتصادية الخاصة بالقطاع، وقد يكون من المفيد استخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد على نطاق محدود في تشييد البنايات كنماذج أولية لمشروعات التشييد وتحسين التصميم وتحديد أي مشاكل محتملة قبل بدء البناء وإنشاء مكونات البناء المخصصة وتلبية الاحتياجات المحدودة للمشروع داخل السوق المحلية، هذا إلى جانب التأثيرات التي قد تسهم بها هذه التقنية الحديثة في تحسين صناعة البناء والتشييد وتقليل الأضرار البيئية المرتبطة بهذه الصناعة وترشيد استهلاك الطاقة لمشروعات البناء وخفض معدلات إصابة العمالة داخل موقع البناء.
يمكن القول إن تكنولوجيا الطباعة ثلاثية الأبعاد تمنح كثيرًا من الفرص لعملية البناء من تسريع وتبسيط وتحسين الكفاءة والإنتاجية؛ حيث إنها أقل تكلفة مقارنة بالمباني المصممة بالمواد التقليدية، كما تسهم في خفض فواتير الطاقة للمالكين وتحسين مرونة قطاع البناء والتشييد وإنشاء هياكل مخصصة أو قابلة للتخصيص بسهولة مما يلبي احتياجات العملاء وإنشاء هياكل تمكن إعادة تدويرها أو تفكيكها بسهولة مما قد يحسن الاستدامة، هذا إلى جانب إنشاء هياكل في المناطق النائية أو المهمشة بهياكل مخفضة التكلفة.
وأشار التقرير في ختامه، أنه يمكن القول إنه على الرغم من التحديات التي قد تمنع تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد من أن تصبح جزءًا رئيسًا من قطاع التشييد المصري على المديين القريب والمتوسط في ظل ارتفاع تكلفة هذه التكنولوجيا ومحدودية التطبيقات المستخدمة لبناء جميع أنواع الهياكل، إلى جانب الحاجة لتدريب العمال في قطاع التشييد على كيفية استخدام تكنولوجيا الطباعة ثلاثية الأبعاد الجديدة، فإنه قد يكون من المفيد استخدام هذه التقنية على نطاق محدود في إنشاء نماذج أولية لمشروعات التشييد وتحسين التصميم وتحديد أي مشاكل محتملة قبل بدء البناء وإنشاء مكونات البناء المخصصة وتلبية الاحتياجات المحدودة للمشروع، الأمر الذي تبنته بعض الشركات كشركة "أوراسكوم للإنشاءات" والتي أعلنت عن شراكة مع شركة "كوبود" الدنماركية عام 2022 لتقديم أحدث تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد لخدمة قطاع الإنشاءات وذلك لأول مرة في مصر.