بقلم: توماس بلاك
شاهد معظم الناس روبوتات على شكل بشر، ولعبت نسخة هوليوود من هذه الروبوتات دور البطولة في الأفلام لعقود، وتوجد الآن مقاطع مصورة على الإنترنت لروبوتات حقيقية مزودة بقدمين، سواء كان ذلك الروبوت "أوبتيموس" (Optimus) من إنتاج شركة "تسلا" المملوكة لإيلون ماسك، أو الروبوت ذو القدمين من "بوسطن ديناميكس" (Boston Dynamics) الذي يتميز بمرونة لا تصدق. أما شركة "أجيليتي روبوتيكس" (Agility Robotics) فلديها روبوت بأرجل تنثني للخلف عند الركبتين مثل طائر الفلامينغو.
هذه الروبوتات مخيفة بالنسبة للبعض، ورائعة بالنسبة للبعض الآخر. فرد الفعل الأول التلقائي على الاختلاف بين هذه الأجهزة الآلية سيجعل الروبوتات على هيئة بشر أكثر إثارة للجدل قليلاً من جهاز "رومبا" (Roomba) الذي يتنقل متثاقلاً في جميع أنحاء المنزل، أو ذراع ذات ستة محاور مثبتة على أرضية مصنع سيارات، والتي يمكنها قلب جسم السيارة بسهولة.
شئنا أم أبينا، ستصبح الروبوتات ذات القدمين شائعة بمرور الوقت. والشكل هنا ليس مجرد محاولة يائسة لتقليد البشر، فوجود قدمين يساعد هذه الروبوتات على العمل في الأماكن التي يعمل فيها البشر، وتسمح لها الأذرع بالتقاط الأشياء وحملها أثناء التنقل، وتقوم العديد من الشركات وشركات المرآب الناشئة بصنعها واختبارها الآن. وفي حالات محدودة، مثل الروبوت "ديجيت" (Digit) من "أجيليتي روبوتيكس"، تخضع هذه الروبوتات لاختبارات تجريبية أولية على أرضيات المستودعات.
ورغم ما سبق، فلم تصل الروبوتات بعد إلى أوج انتشارها ونجاحها، فهي لا تزال خطرةً ولديها قيود على الطاقة والحمولة. فبداية من عام 1961 مع "يونيميت" (Unimate)، أول روبوت مستخدم في الصناعة، استغرقت الصناعة نحو عقدين للتحول من مجرد التوافر الأولي إلى الانتشار على نطاق واسع. وربما تتسارع هذه الدورة مع إدخال ما يسمى بالروبوتات التعاونية والروبوتات المتنقلة المستقلة، والمعروفة بالاختصار "آرمز" (ARMs)، في الآونة الأخيرة. ويمهد هذان النوعان الأخيران الطريق أمام الروبوتات ذات الشكل البشري.
ومثلت الروبوتات التعاونية، الذي يعرف الواحد منها باسم "كوبوت"، إنجازاً كبيراً لأنها تحتوي على أجهزة استشعار تعمل على إبطاء أو إيقاف الحركة عندما يقترب الإنسان أو أي شيء آخر. وهذا يمنعها من إيذاء أي شخص، ويسمح للروبوتات بالعمل جنباً إلى جنب مع البشر. واخترع العلماء هذه التكنولوجيا في عام 1996 ودخلت السوق منذ أقل من عقد، وهي الآن القطاع الأسرع نمواً في سوق الروبوتات المستخدمة في الصناعة حيث نُشر 225 ألف روبوت تعاوني بالفعل.
ثم جاء انتشار الروبوتات المتنقلة المستقلة، والتي عادة ما تكون مزودة بأربع عجلات وسطح مستو يسمح لها بحمل الأشياء. وقد أحدثت هذه "البغال" المتنقلة ثورة في كيفية تصميم المستودعات. إذ باتت الآلات هي من تقوم بإحضار الأشياء إلى البشر بدلاً من أن يضطر العمال إلى تحريكها في أنحاء مستودع ضخم.
عج معرض "أوتوميت" (Automate) في شيكاغو الأسبوع الماضي بالروبوتات التعاونية والمتنقلة. ومع ذلك، كان الاهتمام منصباً على الروبوتات ذات الشكل البشري، والتقدم نحو جعلها أدوات عمليةً. وأكبر عقبة في هذا الإطار هي تحسين السلامة. ففي الوقت الحالي، يحتاج الروبوت ذو القدمين إلى مصدر طاقة ثابت ليظل واقفاً. وإذا انقطع التيار الكهربائي، فسرعان ما تنهار هذه الآلات الثقيلة على الأرض. وتتفاقم المشكلة إذا كان الروبوت يحمل شيئاً ما. وقد حاول الباحثون تثبيت الروبوت عند انقطاع التيار الكهربائي، لكنه يصبح غير مستقر على قدمين وينقلب. ولحين حل هذه المشكلة، سيتعين على هذه الآلات أن تعمل بمعزل عن البشر.
هذه النسخ المبكرة من الروبوتات ذات القدمين بطيئة ولا يستمر شحنها إلا بضع ساعات، كما أنها باهظة الثمن. ولتوسيع اعتمادها على نطاق واسع، يجب خفض أسعارها كثيراً وسيحدث ذلك مع توسيع نطاق إنتاجها، إضافة إلى ضرورة أن توفر حالات الاستخدام الأولى هذه عائداً على الاستثمار مثل الــ18 شهراً إلى عام لمعظم مشاريع الأتمتة.
واحدة من إحدى المهام المبكرة الموكلة إلى هذه الروبوتات تتمثل في تحميل الصناديق ذات الأحجام والأشكال والأوزان المختلفة على مقطورة قياسية طولها 53 قدماً. وقال جويل ستينسون، نائب الرئيس الأول لتكنولوجيا العمليات العالمية في شركة "يونايتد بارسيل سيرفيس" (United Parcel Service)، إن هذه بمثابة "الكأس المقدسة" (أمر مطلوب بشدة لكن يصعب للغاية تحقيقه) للخدمات اللوجستية. وأضاف أن الشركة تبدي اهتماماً بالروبوتات ذات الشكل البشري، لكن لا يهم إذا كان الروبوت لديه قدمين أو يتحرك على عجلات. كل ما تريده شركة توصيل الطرود آلة يمكنها مطابقة قدرة العامل على تحميل الطرود وتفريغها على المقطورات بسعر أقل.
تقدم شركات مثل "تيرادين"، التي تمتلك "مير" (MiR) و"يونيفرسال روبوتس" (Universal Robots)، و"نيورا روبوتيكس" (Neura Robotics) الألمانية الناشئة، بالفعل روبوتات على عجلات ذات أذرع متحركة. وهذه الآلات عبارة عن مزيج من التقنيات بما في ذلك الكاميرات التي تمنح الآلات الرؤية، وتسمح لها بالتنقل حول العوائق، والروبوتات التعاونية التي تبطئ أو تتوقف عندما تقترب من البشر. ويعد الذكاء الاصطناعي بجعل هذه الروبوتات أسهل في البرمجة، وبأن تعمل في المستقبل على تنفيذ الأوامر المنطوقة. وستؤدي هذه الروبوتات ذات العجلات بعض المهام نفسها التي تؤديها الآلة ذات القدمين.
تعتمد فكرة انتشار الروبوتات ذات الشكل البشري على حقيقة أن العالم يتمحور حول البشر. وسوف تتناسب هذه الروبوتات ذات القدمين مع هذا الهيكل المجتمعي بدلاً من مجتمع يعاد تصميمه ليدور في فلك الروبوتات.
وهذا يعني أن الروبوتات ذات الشكل البشري لن تقتصر على أرضية المصنع أو المستودع، وستكون ميزتها على الآلات الأخرى هي وجودها في بيئات عمل سلسة وغير منظمة، مثل موقع البناء، حيث قد تضطر إلى تخطي الأشياء أو صعود السلالم. كما ستكون قادرة على القيام بمهام في مبان ومنازل، لأنها تناسب المكان الذي يعمل فيه البشر. ويعمل الباحثون على ابتكار جلد مستشعر لجعل الروبوتات حساسة للمس أو ربما لدرجة الحرارة. وهذا من شأنه أن يسمح لها بالعمل مع الناس بشكل وثيق، مثل رعاية المسنين. ومن المرجح أن يتم تبني "روبوتات الخدمة" أولاً في البلدان التي تواجه تحديات سكانية أكثر حدة مثل اليابان والصين والدول الأخرى التي لديها شيخوخة سكانية وسياسات هجرة تقييدية.
وعلى مر الزمن، خففت الآلات العبء عن العمال من خلال القيام بالأعمال الجسدية المتكررة. وقد سمح هذا للبشر بأن يكونوا أكثر إنتاجية ويكسبوا المزيد. وسوف تكرر هذه الفئة الجديدة من الروبوتات هذا النمط. الفرق هو أن الروبوتات ذات الشكل البشري ستعمل بشكل وثيق مع الناس، مع إعطاء الأولوية للسلامة. ويجب تحديد القواعد المتعلقة بكيفية تطبيق الذكاء الاصطناعي عليها بوضوح. ومع ذلك، يجب دائماً النظر إلى هذه الروبوتات على أنها مجرد أدوات تساعد البشر على أن يكونوا أكثر إنتاجية، واعتبارها دائماً مجرد أشياء جامدة يمكن إغلاقها في أي وقت أو إعادة تدويرها عند عدم الحاجة إليها.