بقلم : د / غادة عامر
خرج علينا هذة الايام جهات و هيئات كثيرو أفراد تدعي انها لها خبرة في مجال دعم ريادة الاعمال و الابتكار الوطني، و تحول الامر الي مصدر للحصول علي الاموال "سبوبة" او لاكتساب هذة الهيئات او الافراد الشهرة الزائفة، فتجدهم يأخذون لانفسهم اسماء رانانه و كبيرة ، او يدعون ان له صلة بجهات دولية او عالمية في هذا المجال، بل و يحاولون ان يخدعوا بعض الهيئات و المنظمات التي تعمل بصدق و منذ فتره في هذا المجال بطلب توقيع اتفاقيات معهم بحجة دعمهم ، و للاسف؛ لان معظم افراد المجتمع يبحثون عمن يدعم افكارهم او شركاتهم الناشئة ، و لان ايضا معظم من نصبتهم الجهات الحكومية لدعم هذا الملف الحساس (ريادة الاعمال و الابتكار الوطني) لا يعلمون عن ريادة الاعمال الا المصطلح، فيكون نتيجة ذلك أن تجد هؤلاء المدعين ينتشرون بشكل مخيف، و بالرغم انك لو عملت بحث علي شبكة الانترنت عن هذة الهيئات و هؤلاء الافراد القائمين عليها لن تجد لهم وجود و لا خبرة اطلاقا!
و انا اري ان سبب ظهور هذة الهيئات و الافراد هو غياب الدور الحقيقي الذي يجب ان تنتهجه الحكومات لضمان خلق منظومة حقيقية و فعالة لدعم ريادة الاعمال و الابتكار الوطني، منظومة تكون قوية و شفافة و خالية من المجاملات و من تصفيف الملفات ، منظومه تعرض بصدق للقيادة السياسة و ضع هذا الملف و العوائق التي تواجه نجاحه، و ليس منظومة تظهر الامر انه باحسن حال و ان الامر يسير طبقا للتوجيهات.
لقد دعت معظم الحكومات العربية منذ فترة ليست بالقليلة إلى تعزيز النمو الاقتصادي من خلال تشجيع المنافسة وريادة الأعمال والابتكار، و ذلك ضمن استراتيجيات للحد من البطالة، ولا سيما بين الشباب، من خلال "تشجيع روح المبادرة". و بعد الثورات العربية ازداد مستوى اهتمام الحكومات بتنظيم المشاريع وتنمية الأعمال التجارية الصغيرة كحلول ممكنة لتدهور النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة، و بالرغم ان هذا الحراك ساعد على توليد حقل جديد من الدراسة الأكاديمية والبحوث، الا انه الي يومنا هذا لم نلمس مخرجات حقيقية له. فما هو الواجب علي الحكومات عملة للدفع بعجلة ريادة الاعمال و الابتكار الوطني ليكون لهما تأثير حقيقي علي الاقتصاد الوطني و علي خلق فرص عمل نوعية؟
ان اول ما يجب علي الحكومة عملة هو خلق "النظم الإيكولوجية الريادية"، مثل ما خلقتة الحكومة الامريكية في وادي السيليكون في كاليفورنيا -أحد أشهر مراكز الأنشطة الريادية ذات التقنية العالية- وعلى الرغم من أنه ليس المكان الوحيد الذي ازدهر فيه الابتكار والمشاريع الريادية، لكنه كان بمثابة نموذج يحتذى لكثير من الحكومات التي تسعى إلى تحفيز النمو الاقتصادي.ان المكونات الازم التي يجب توافرها لخلق نظام ايكولوجي يدعم ريادة الاعمال هي : وجود ثقافة تفضي إلى ريادية الاعمال، و وجود سياسات التمكين والقيادة للمبادرين،وتوافر التمويل المناسب و الميسر (وهذا اصبح موجود نوعا ما الان)، وجودة رأس المال البشري المدرب، و وجود أسواق صديقة للمخاطرة و تقبل ما هو جديد و محلي،و تكاتف جميع الوزارات، بعمل خطة واضحة الادوارلدعم تفعيل البئية المبتكرة الريادية.مع الاخذ في الاعتبار ان لكل نظام إيكولوجي تفرده النابع من كونه نتاج مئات من العناصر التي تتفاعل فيما بنيها على نحو معقد، تلك العناصر تضرب بجذورها في مؤسسات تشكلت عبر التاريخ، فمنحت لكل بلد ميزاته التنافسية الفريدة، وكذلك تحدياته الخاصة التي يتعين التغلب عليها حتى يصبح أكثر ملائمة لخلق ريادة الاعمال الوطنية، اي لن يكون من الجدي نقل اي تجربة تمت خارج الوطن الا بعد تعديلها لتناسب طبيعة المجتمع.
و لكي تبدأ الحكومات عليها بالبناء علي ما تم و علي الظروف المحلية، و بالتالي تنمية الصناعات المحلية القائمة والبناء على أسسها ومهاراتها وقدراتها بدلا من محاولة إطلاق صناعات التكنولوجيا الفائقة من الصفر.كذلك الافضل الاهتمام بدعم الشركات ذات أمكانية النمو و النجاح السريع، حتي تخلق قصص نجاح محلية حقيقية لتكون نموذج يحتذى به، و تكون مثال حي لريادة الاعمال الوطنية. وينبغي أن ينصب التركيز على تشجيع الشركات المستدامة والموجهة نحو النمو والابتكار، لا على مجرد تشجيع المزيد من المشاريع المبتدئة او التجارية الاعتيادية التي لا نملك فيها اي معرفة. أيضا التأكد من أن يكون هناك اهتمامبجميع قطاعات الصناعة ليس فقط التكنولوجيا الفائقة –أي تشجيع النمو في جميع قطاعات الصناعة بما في ذلك شركات منخفضة ومتوسطة وعالية التكنولوجيا.
و الاهم التأكد من حسن الادارة الحكومية باختيار وزراء لديهم وعي حقيقي (و ليس مسميات) بأهمية تعزيز المشاريع الريادية والابتكار، حتي يكون لهم دور في توجيه الإدارات والقطاعاتالحكومية إلى التركيز على المشاكل و اعلانها بكل شفافيةحتي تحفز البيئة الابتكارية في المجتمع لحل تلك المشاكل التي تعاني منها الحكومة.فكما قال الشيخ محمد بن راشد "لو كانت الإدارة العربية جيدة لكانت السياسة العربية جيدة والاقتصاد العربي جيداً والإعلام العربي جيداً ".