بقلم : محمد حنفى
التلاعب بالعقول بواسطة التسويق الإلكترونى ...لا يستخدم التسويق فقط لتسويق المنتجات والخدمات بل لتسويق الأفكار والآراء والمعتقدات والأشخاص والأحزاب والمرشحين السياسيين والأنظمة السياسية وغير ذلك، وكجبل الجليد الذى يظهر جزء صغير منه فوق سطح الماء كذلك التسويق الرقمي، حيث السواد الأعظم منه غير ظاهر للعيان، فقط نشاهد المقالات والمنشورات أو الإعلانات على شبكات التواصل الاجتماعى والمواقع الإلكترونية سواء على أجهزة الكمبيوتر او الموبايل ولكن غير الظاهر من استراتيجيات وأدوات ومبادئ التسويق الرقمي هو الأخطر والأقوى تاثيراً لذا ستتحدث تلك المقالة على الجانب المظلم لاستخدام التسويق الرقمى فى السياسة.
وفى كتاب أساسيات التحليل السياسى لفيليب بولوك وهو أحسن كتاب فى أبحاث العلوم السياسية، تم تغطية اساسيات وطرق الأبحاث السياسية التي تقيس الرأي العام وتحدد الحجم الحقيقي للمؤيدين والمعارضين لكيان أو شخصية أو معتقد أو نظام سياسى في شريحة معينة في المجتمع.
ومع وجود تمثيل لأجزاء كبيرة من شرائح المجتمع على شبكات التواصل الاجتماعى، أصبحت المنصات الإلكترونية أداة قوية للدراسة السياسية ووسيلة لقياس الرأي العام، فكل تفاعل من إعجاب أو مشاركة أو تعليق سلبى أو إيجابى تقوم به مسجل. كل كلمة بحث أو زيارة لموقع الكترونى أو وقت تقضيه على صفحة أو مشاهدة فيديو مسجل. وبذلك يمكن عمل تشريح دقيق لكل شريحة فى المجتمع الالكترونى لمعرفة اهتمامتهم ومخاوفهم وسلوكهم ومن ثم القدرة على التلاعب بآرائهم واتجاهتهم.
وخير مثال على هذا التلاعب، إذا أنتج المجتمع هاشتاج معين، وأصبح ذا تفاعل عالٍ على شبكة اجتماعية مثل تويتر، قد يظهر هاشتاج مضاد له مما يوهم الفرد وحتى الجهات البحثية غير المحترفة بوجود اتجاه واتجاه مضاد له بنفس القوة، على غير الحقيقة.
وهذا ما أثبتته العديد من الدراسات، ومنها مشروع بحوث الدعاية الحاسوبية في معهد أكسفورد للإنترنت فى جامعة أكسفوردعلى تسع دول هى الولايات المتحدة وروسيا والصين وألمانيا وبولندا وتايوان وأوكرانيا، حيث قام الفريق بدراسة استخدام شبكات التواصل الاجتماعى للتلاعب بالرأى العام وذلك من خلال دراسة عشرات الملايين من المنشورات على سبعة من شبكات التواصل الاجتماعى من سنة 2015 الى سنة 2017 خلال عشرات من الانتخابات والأزمات السياسية وحوادث الأمن القومي.
توصلت الدراسة إلى أن هناك استخدام واسع النطاق لوسائل التواصل الاجتماعي لتعزيز الأكاذيب والمعلومات المضللة والدعاية من جانب أحزاب وحكومات للتلاعب بالرأى العام من خلال حسابات وهمية وروبوت أى برامج للنشر الآلى تقوم بالنشر والإعجاب والمشاركة على شبكات التواصل الاجتماعى.
حيث وجدت الدراسة أن 45% من أكثر الحسابات الأعلى نشاطاً على تويتر فى روسيا هى حسابات وهمية لبرامج آلية. أيضاً التقرير الخاص بالولايات المتحدة يقول إن الداعمين الوهميين على شبكات التواصل الاجتماعى للمرشح السياسى كان حافزاً للداعمين الحقيقيين لاختيار ذلك المرشح ذا الداعمين الوهميين، وتؤكد نتائج التحليل الكمي أن البرامج الالية كانت ذات تأثير خلال الانتخابات الأمريكية لعام 2016.
كذلك قال سمول وولي مدير المشروع البحثى إنه يتم استخدام الوسائل نفسها لخلق شعبية وهمية للمرشح السياسى ليكون فى النهاية عنده القابلية للانتشار والنجاح التى لم تكن موجودة من قبل.
وفى النهاية تؤكد الدراسة أن وسائل الإعلام الاجتماعية هي ساحة معركة دولية للسياسة القذرة.
كما يجمع كتاب "وسائل الإعلام الاجتماعى فى السياسة" لدكتور بوجدان العديد من البحوث حول استخدام وسائل الإعلام الاجتماعية في الحملات السياسية والتسويق الانتخابي وأعمال الشغب والثورات الاجتماعية، ويقدم مجموعة من دراسات الحالة من جميع أنحاء العالم، فضلا عن المساهمات النظرية والمنهجية.
فانتبه عزيزي القارئ، إذا وجدت العابدين للحمار أوالمؤيدين للشيطان فلا تضل وتتوهم أنهم أغلبية لأنهم حاصروك بمنشوراتهم وهاشتاجاتهم وتفاعلهم، انتبه أنه يتم التلاعب بك بأفراد ومنظمات وحكومات لتخلق أو تضخم الشاذ من الأفكار، وتقزم وتتفه النير منها.
كذلك هناك نوع جديد من الإرهابيين الجدد مهمتهم مهاجمة أي اتجاه أو فكرة مضادة لما يؤيدونه، وأسلحتهم التخوين والألفاظ النابية حتى تتوهم وجود اتجاه مضاد قوى لما تعتقد أو لآرائك.
أيضاً هناك العديد من المشاهير والمؤثرين على شبكات التواصل الاجتماعى يتم استخدامهم بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال ما يسمى بالتسويق بالمؤثرين، فيمكن استخدامهم بطريقه مباشرة من خلال الطلب منهم لتبنى رأى أو الدفاع عن مرشح أو نظام، أو بشكل غير مباشر بمحاصرة هذا المؤثر بالمنشورات والفيديوهات ووسائل الإقناع المختلفة وذلك بعد دراسته ومن ثم التأثير عليه بشكل ممنهج حتى يتبنى وجهة النظر المطلوبة.
ويمكن لك عزيزي القارئ أن تكشف بعض الأساليب بنفسك من خلال بعض الأدوات البسيطة فمثلاً إذا وجدت هاشتاج أخذ فى الانتشار على تويتر غير متسق مع الرأى العام من وجهة نظرك فاستخدم تلك الأداة ctrlq.org/first لمعرفة أول من أطلق هذاالهاشتاج، ومن خلال أدوات التحليل مثلkeyhole.co و socialbearing.com و twitonomy.com تستطيع معرفة الحسابات الأكثر استخداماً لهذا الهاشتاج وتحليل تلك الحسابات وحسابات أصدقائه، لتعرف فى النهاية إذا كانت شعبية الهاشتاج حقيقية أم وهمية، وسوف تفاجئك النتائج ، لأنك ستجد العديد من الهاشتجات التى انتشرت ورائها حسابات وهمية وبرامج آلية.
وأختم بتجربة قام بها باحثون من جامعة كورنيل وجامعة كاليفورنيا بالتعاون مع الفيسبوك، للتلاعب بالحالة المزاجية للجمهور فكانت التجربة على 689ألف مستخدم للفيسبوك، من خلال إعادة ترتيب المنشورات على تلك الحسابات، نعم إعادة ترتيب وليس اختلاق منشورات جديدة، فبعرض المنشورات الإيجابيةل قطاع من الجمهور والسلبية لقطاع آخر استطاع الفيسبوك من خلال ما يسمى بالعدوى العاطفية أن يغير بالفعل من الحالة المزاجية للمستخدمين. نعم يستطيع الفيسبوك ان يجعلك سعيد أو حزيناً فقط باختياره ما يعرضه لك من منشورات أصدقائك.
فكن واعياً جداً لما يحيط بك على شبكات التواصل الاجتماعى من التهويل والتطبيل والقمع والتضليل الرقمى للتلاعب بآرائك واتجاهاتك السياسية. وأؤكد فى النهاية أن التسويق الرقمى المحترف والناضج هو جزء مهم جدا من حلول الإصلاح الاقتصادى والسياسي.