يعانى بعضنا من صعوبات فى تناول جرعات القطرة عند حدوث مشاكل فى العين وعدم استفادة العين بنسبة كبيرة من الدواء مما يدفعنا الى ضخ مزيد من الجرعات .
وفى محاولة جادة للقضاء على هذه المشكلة ابتكر العالم المصري الدكتور إبراهيم الشربيني وفريقه لاصقةً مطورةً مصنوعة من جزيئات نانونية مدمجة ضمن ألياف نانو مترية، تُحمّل بالدواء لتنقله بكفاءةٍ عاليةٍ إلى داخل العين، وهي الأولى من نوعها.
تمنح الجزيئات النانونية اللاصقة قدرة عالية على تحرير الدواء بفاعلية تصل إلى 100% بالإضافة إلى إمكانية التحكم في الوقت اللازم لتحرير الدواء، إذ توجد حالات مرضية تحتاج إلى فترات علاج طويلة وحالات أخرى تُعالج في أيام قليلة كالحساسية والرمد الربيعي، ولهذا تُصمم اللاصقة لتبقى في العين المدة اللازمة لعلاج المريض.
وقال الشربيني مؤسس برامج علوم النانو، ومدير مركز أبحاث علوم المواد في مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا، في حوار خاص لمرصد المستقبل «تتحلل اللاصقة بعد تحرر الدواء منها، لأنها مصنعة من مواد آمنة قابلة للتحلل والامتصاص، ومصرح بها من إدارة الغذاء والدواء في الولايات المتحدة الأمريكية، فضلًا عن تميزها بالتوافقية الحيوية العالية، وتتمتع الألياف النانونية المصمم منها اللاصقة بقدرةٍ عالية على الالتصاق بمخاط العين، ما يزيد مدة تعرض أنسجة ملتحمة العين للعقار، فتزداد فاعليته.»
أضاف الشربيني «تُوصِل اللاصقة الدواء داخل العين بلا جراحة، ومقاسها صغير جدًا، يبلغ نحو ملليمترين وسمكها نحو 100 ميكرون أي أرق عشرين مرة من سمك ورقة التصوير، ولن يشعر المريض بوجودها بعد أن يلصقها بالجفن السفلي للعين، ثم يُغمض لعشر ثوانٍ بعدها، بالإضافة إلى أنها تُستخدم مرة واحدة فتحمّل بجرعة العقار اللازمة طوال مدة العلاج، ما يغني عن الاستخدام المتكرر للقطرة أو المراهم.»
وأوضح الشربيني «تمتاز اللاصقة بقدرتها على توصيل جرعة الدواء كاملة للعين، خلافًا لقطرات العيون التي تواجه من الحواجز الطبيعية ما يحول دون وصولها بفاعلية إلى أنسجة باطن العين، وتتمثل تلك المعوقات في التركيبة التشريحية والفيسيولوجية للعين، وكذلك الكيمياء الحيوية للعين التي تعمل على حمايتها من أي جسم غريب، بالإضافة إلى آلية الدموع التي تطرد نحو 97% من الجرعة الدوائية، فلا تحتفظ العين إلا بنحو 3-5% من جرعة القطرة.»
وتتفوق اللاصقة أيضًا على المراهم المستخدمة لعلاج العين، فعلى الرغم من تميز المراهم بلزوجةٍ عاليةٍ تبقيها داخل العين فترة طويلة، إلا أن استخدامها في أغلب الأحيان يقتصر على فترة قبل النوم، فيتعرض المريض للعقار بمعدل جرعة واحدة يوميًا، خلافًا للاصقة التي تظل في العين لأيام يتحرر خلالها الدواء.
بينت الدراسة البحثية التي نُشرت في مجلة نانو ميديسين المرموقة علميًا، أن اللاصقة طُبقت عمليًا من خلال تحميل الجزيئات النانونية المدمجة ضمن الألياف النانو مترية بعقار أزيثرومايسين والمعروف بدوره كمضاد بكتيري للعديد من الجراثيم مثل بكتيريا المكورات العنقودية الذهبية وبكتيريا الزائفة الزنجارية، بالإضافة إلى توفره في الأسواق على هيئة قطرات للعين تستخدم لعلاج ملتحمة العين.
بينت نتائج الدراسة البحثية أن الجزيئات النانونية تعمل كمنصة لتحرير الدواء تدريجيًا وبصورة كاملة إلى أن تتحلل اللاصقة تمامًا في نهاية الأمر بتحفيز من الإنزيمات الموجود في العين، وأظهرت النتائج أيضًا أن اللاصقة تبقى ضمن العين مدة تزيد عن عشرة أيام يتحرر خلالها الدواء بصورة متواصلة.
وأوضحت نتائج الدراسة أن علاج التهاب ملتحمة العين استكمل باستخدام جرعة واحدة من اللاصقة النانونية المحملة بعقار أزيثرومايسين، وفي المقابل تطلب علاج تلك الحالة باستخدام قطرات آزاسيت المحتوية على عقار أزيثرومايسين، استخدام قطرة واحدة في العين المصابة بمعدل مرتين في أول يومين، ومرة واحدة لمدة خمسة أيام متتالية، ويعني هذا أن جرعة واحدة من اللاصقة النانومترية المحملة بعقار أزيثرومايسين تعادل 15 جرعة من القطرات المتوفرة تجاريًا.
وكشف الشربيني في حواره للمرصد «انتهينا من اختبار التركيبة النانونية في المختبر، وطبقناها بصورة عملية على عيون الأرانب وفئران التجارب والأبقار، وسجل الابتكار براءة اختراع دولية في مكتب براءات اختراع المملكة المتحدة، ومكتب براءات الاختراع المصرية، وحصد الابتكار ميدالية ذهبية في معرض جينيف الدولي للابتكارات 46 في سويسرا، وكرم من جهات عدة في فرنسا وماليزيا، وتُجرى حاليًا مفاوضات لاختيار شركة مناسبة تتبنى الابتكار وفقًا لشروط مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا.»
يعمل الدكتور الشربيني حاليًا أستاذًا لعلوم النانو والمواد ومديرًا مؤسسًا لبرنامج علوم النانو ومديرًا لمركز أبحاث علوم المواد المتقدمة في مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا. وهو نائب الرئيس للجنة الوطنية لعلوم المواد الجديدة والمتقدمة وعضو باللجنة الوطنية لبحوث الدواء التابعتين لأكاديمية البحث العلمي بالإضافة إلى أنه عضو في مجلس الدراسات العليا والبحوث في الهيئة القومية للرقابة الدوائية التابعة لوزارة الصحة المصرية.
حصل الدكتور إبراهيم الشربيني على درجة الدكتوراه في التوصيل الدوائي الذكي باستخدام الحاملات النانو مترية من جامعة ماسي في نيوزيلاندا، وبنى مسيرته المهنية بنجاح في مجال علوم وتقنيات النانو وأبحاث المواد الذكية النانو مترية في التطبيقات الطبية (طب النانو)، والمستحضرات الصيدلانية النانونية، وكذلك هندسة الأنسجة المعتمدة على تصميم تراكيب نانو مترية واستخدامها، والتوصيل الذكي والموجه للدواء والتطبيقات الحيوية الطبية الأخرى المعتمدة على تقنية النانو.
حصل الشربيني على عدد من الزمالات الدولية ما بعد الدكتوراه منها مثلا بالولايات المتحدة الأمريكية بكليات الصيدلة بكلا من جامعة نيو مكسيكو وجامعة تكساس في أوستن. وحصل كذلك على زمالة هيئة الفولبريت المرموقة للقيام بأبحاث ما بعد الدكتوراه في كلية الهندسة الحيوية الطبية، جامعة ميتشجان، أن أربور، الولايات المتحدة الأمريكية.
في أواخر عام 2011، عاد الشربيني إلى مصر ليكون من مؤسسي مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا (مشروع مصر الوطني للنهضة العلمية) وتأسيس برامج علوم النانو والمواد وللمشاركة في تأسيس مركز أبحاث علوم المواد المتقدمة وتقنية النانو (CMS).
لدى الشربيني، سجل بحثي يشمل أكثر من 120 بحث تطبيقي في العشر سنوات الماضية منشورة بدوريات علمية عالمية ذات تأثير مرتفع في مجال أبحاثه. بالإضافة إلى سجل حافل من المشاركة في المؤتمرات الدولية بأكثر من 110 ورقة بحثية، وبصفته متحدث مدعو ومتحدث رئيس في أهم المؤتمرات الدولية في مجالات تقنية النانو والمواد النانو مترية الذكية وتطبيقاتها في المجالات الحيوية الطبية (طب النانو).
ألف الشربيني كتابين علميين وشارك في تأليف وتحرير كتابه الثالث «أحدث التطورات بالبوليمرات المستخدمة للتوصيل الدوائي عن طريق الرئة» مع كل من الأستاذ الدكتور هيو سميث، جامعة تكساس بأوستن والأستاذ الدكتور ماكون فيل في جامعة نيو مكسيكو بالولايات المتحدة الأمريكية. وشارك الشربيني في تأليف ما يقرب من 23 كتاب آخر نشرتها دور النشر العالمية. وألف كذلك أكثر من 15 مقالة مرجعية منشورة.
سجل الشربيني أكثر من 24 براءة اختراع في مصر، والولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا وأوروبا. وأسس علاقات قوية مع العديد من مراكز الأبحاث والتطوير التابعة للعديد من الشركات العاملة في مجالات تقنية النانو والصناعة الحيوية الطبية والصيدلانية في مصر والشرق الأوسط وأوروبا.