التكامل التكنولوجي العربى ..ضرورة أم خيار

  • بقلم : خالد حسن

    أصبح إدخال عنصر الابتكار والإبداع بشكل علمى سليم على منتجاتنا الصناعية مطلبا ضروريا لزيادة قدراتها التنافسية لجميع المؤسسات الصناعية فى المنطقة العربية فلم يعد الحديث عن تواجد مراكز البحث والتطوير لدى كافة مؤسسات الأعمال الصناعية يدور حول أهمية دور هذه المراكز و إنما يتمحور حول كيفية إقامة هذه المراكز وتوفير التمويل المالى المطلوب وهى بلا شك خطوة مطلوبة فى نظرة متخذى القرار بمؤسساتنا الصناعية لأهمية دور مراكز التطوير باعتباره المرآة التى من خلالها تستطيع المؤسسات قراءة المستقبل والتعرف على احتياجات عملاءها وتطوير منتجاتها .

    ولعل من المهم ان نشير الى عدم وجود صناعة واحدة عربية مميزة " ذات اسم تجارى عالمى " مثلما يحدث فى الدول الأخرى وأن الصناعة العربية تفتقد لآليات التكامل فيما بينها مما أدى إلى تهميش هذا القطاع الحيوى على مستوى العديد من الدول العربية وبعده عن المنافسة فى الأسواق العالمية .

    ونتصور أن الوضع " المهمش " الذى تعيشه الصناعة العربية يرجع بصورة أساسية إلى تغيب عنصر الإبداع فى مجال المنتجات الصناعية والاعتماد فقط على استخدام وتقليد واستهلاك ما يتم إنتاجه فى الأسواق العالمية إذ أن المقصود بمفهوم نقل المعرفة والتكنولوجيا ليس فقط مجرد استيراد احدث الماكينات التى تعمل بالكمبيوتر وإنما تأهيل وإعداد مؤسساتنا الصناعية لاختراع وإيجاد منتجات جديدة تتناسب مع احتياجات السوق المحلى والعربى وقادرة على المنافسة فى الأسواق العالمية مع مراعاة عنصر الجودة والأسعار .

    ولعل زيارة الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد المملكة العربية السعودية ، نائب رئيس مجلس الوزراء، الى مصر ولقائه مع السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية ، اكدت مدى امكانية ان تتكامل امكانيات الدولتين فى تحقيق طفرة نوعية فى صناعة تعد صناعة المستقبل وهى صناعة تكنولوجيا المعلومات حيث تم توقيع العديد من الاتفاقيات التجارية بين الشركات فى البلدين ومنها توقيع شركة "أكواباور" اتفاقية لتوليد ونقل الكهرباء من طاقة الرياح مع الشركة القابضة لكهرباء مصر وحسن علام القابضة، لانتاج وتوليد طاقة نظيفة من تكنولوجيا طاقة الرياح كما قامت شركة "الفنار" العالمية للتطوير بتوقيع اتفاقيتين أولاهما مع الهيئة العربية للتصنيع لإنتاج طاقة الرياح والهيدروجين الأخضر، والاتفاقية الثانية مع مجموعة "بنية" في مجال تقنية المعلومات والحلول الرقمية.

    كذلك شهدت الزيارة توقيع شركة أبحاث وتطوير الأعمال التجارية (T2) اتفاقًا استثماريًا مع شركة "فوري" لتكنولوجيا البنوك والمدفوعات الإلكترونية لتطوير الحلول التقنية المالية لخدمة حركة التبادل التجاري والحوالات المالية بين البلدين وفي نفس المجال وقعت شركة "خوارزمي فنتشرز" وشركة "خزنة" اتفاقية استثمارية بغرض التوسع في السعودية وتقديم الخدمات المالية المتنقلة للقوى العاملة بالمملكة.

    فيما تم توقيع مجموعة "عجلان وإخوانه" القابضة عدة اتفاقيات استثمارية مع الجانب المصري، في مجالات المنتجات البترولية والبنية التحتية والطاقة المتجددة واللوجستيات والصناعات الغذائية والأمن الغذائي وصناعة الأدوية وصناعة السيارات وصناعة الترفيه، ووقع الاتفاقيات من الجانب المصري ممثلو مجموعة "سامي سعد"، و"تريانجل جروب"، وشركة "مغربي الزراعية"، وشركة "فاركو للأدوية"، ومجموعة "حسن علام" و"المجموعة العربية لسلاسل الامداد"، وشركة "أرايز" للموانئ والخدمات اللوجستية، لتطوير وتمويل وتشغيل محطة متعددة الأغراض داخل ميناء دمياط وفيما يخص الصناعات الغذائية وقعت شركة "أقوات" للصناعات الغذائية، وشركة "حلواني مصر" مذكرة تفاهم من أجل منح الشركة المصرية حقوق تصنيع منتجات "أقوات"، "البيك" في مصر وفي القطاع الطبي والدوائي أطلقت شركة "جمجوم فارما" مصنع جمجوم فارما بمصر.

    والشاهد من كافة هذه الاتفاقية " المتنوعة " أن هناك فرص واسعة للتعاون بين القطاع الخاص فى كلا البلدين ، لاسيما فى مجال التكنولوجيا والبحث وتطوير المنتجات ، وأن الاجواء بين القيادات السياسية مشجعة على تعظيم هذه الشراكة لصالح شعوب كلا البلدين وان يسعي كل طرف للاستفادة المثلى من الامكانيات اتلى يمتلكها بما يضمن الاستغلال الافضل لموارد كل طرف .

    فى تصوري ان التكنولوجيا من الممكن ان تكون " المفتح الذهبي " ولها دور جوهرى فى تحقيق التقارب بل والتكامل العربي الذى تنشده الشعوب العربية ليكون لهم دور فى الخريطة العالمية للانتاج التكنولوجي فبعد أن تجاوزتنا الثورة الزراعية ومن بعدها الثورة الصناعية فاننا يجب ان نتمسك بقوة بمواكب الثورة المعلوماتية والتى تعتمد بصورة أساسية على توظيف التقنيات الحديثة لتوطين الابداع التكنولوجيا  من خلال إنشاء ونشر مراكز لتطوير الصناعة العربية يمكن أن تكون بمثابة النواة الأولية لدعم استخدام  هذا القطاع للتكنولوجيا الحديثة وبناء القدرات الإنتاجية الحديثة القادرة على المنافسة ولا نطالب هنا بقيام كل مؤسسة صناعية بإنشاء مركز مستقل للبحث للتطوير " فهذا أمر يحتاج لاستثمارات مالية كبيرة يصعب على كثير من المؤسسات امتلاكها - وإنما نطالب بإطلاق مركزا مجمعا متخصصا فى أعمال البحث والتطوير تكون مهمته الأساسية هى العمل على تحسين وتطوير كافة عمليات فى مجالات الإنتاج " المنسوجات  – التعدين – الأثاث – الصناعات التحويلية .... " بداية من عملية التخطيط وتصميم المنتجات الجديدة مرورا بعملية الإنتاج نفسها والتغليف والتخزين مع العمل التزام المواصفات العالمية فى كافة هذه الخطوات لضمان تسويق هذه المنتجات فى الأسواق العالمية .

    فى اعتقادي أن مثل هذا المراكز التكنولوجية المجمعة لكافة المؤسسات الصناعية -فى قطاع ما – يسمح لهذه المؤسسات بتركيز نشاطها على كيفية تسويق وزيادة مبيعاتها من منتجاتها على أن يتولى مركز التطوير المجمع عملية تطوير وتحسين المنتجات الصناعية خاصة وأننا لن نبدأ من نقطة الصفر بل يمكن إجراء نوع من استكمال البناء والتكامل وتنسيق الجهود بين تلك الوحدات البحثية " على مستوى الدول العربية "ليكون لدينا كيان جديد قادر على منح عنصر التميز لصناعاتنا العربية إذ أن العزف الجماعى يكون فى الغالب أجمل وأفضل من العزف المنفرد وفى صالح المتلقى النهائى " المستهلك " .

    ويجب أن ننوه عملية تنمية وتوطين صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تعتمد بدرجة كبيرة على مدى القدرة على جذب قاعدة كبيرة من الاستثمارات المحلية والأجنبية فى هذا المجال وكذلك القدرة على بناء علاقة شراكة قوية مع الشركات الإقليمية والعالمية  وهو ما يمكنه أن يوفره التكامل "المصرى _ السعودي " لاسيما وأن صناعة تكنولوجيا المعلومات تعد واحدة من الصناعات الجديدة المؤهلة بقوة ليكون للدول العربية دور ايجابى وملموس فى تطويرها وذلك نظرا لتوافر مقومات هذه الصناعة ولعل أهمها الكوادر البشرية – سواء المؤهلة بالفعل أو التى يمكن تدريبها – علاوة على توافر الاستثمارات المالية المطلوبة – وهى عادة استثمارات صغيرة أو متوسطة مقارنة بغيرها من الصناعات الثقيلة كالحديد أو الاسمنت – علاوة على وجود طلب متزايد على الأدوات التكنولوجية وشبكات الاتصالات فى جميع أسواق الدول العربية .

     

    نؤكد أن عملية التنمية المنفردة داخل كل دول عربية لصناعة تكنولوجية المعلومات هو أمر مقبول إذا كنا نتحدث عن منافسة فيما بين الدول العربية أما إذا كنا نتحدث عن الرغبة فى إقامة سوق عربية مشتركة ، على غرار التكتلات الاقتصادية التي يذخر بها العالم حاليا ، فان التكامل ووضع ميثاق عربى لتنمية ودعم صناعة تكنولوجيا المعلومات تتبناه الدول العربية لإحداث توافق فى بيئة الاستثمار والتنمية فيما بينها هو الوضع المطلوب والأنسب وذلك فى أطار ما يطلق عليه إستراتيجية التنمية الصناعية والتكامل الصناعى بين الدول العربية  .

    فى النهاية إذا كنا نعلم جميعا مدى أهمية هذه الاستثمارات فإننا من المهم أن نشيرا إلى أهمية وجود نوع من التخطيط والتكامل المسبق لتوجيه هذه الاستثمارات نحو تطوير  الحلول والمنتجات التكنولوجية ذات القيمة المرتفعة العالية أو التى يمكن إعادة تصديرها للخارج بما يساعد على فتح أسواق جديدة لمنتجاتنا إذ أن جذب هذه الاستثمارات يحتاج إلى تقديم حزمة متكاملة من الحوافز والتى تشكل نوع من الدعم والتشجيع لهذه الاستثمارات وضمانا لتحقيق عائد مادى للمشروعات الاستثمارية ولعل على رأس هذه الحوافز هو وجود الطلب المحلى الفعال على منتجات هذه المشروعات مع تبنبى غالية دول المنطقة لعمليات التحول الرقمي سواء علي المستوى الحكومى او القطاع الخاص .

     

    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن