بقلم : خالد حسن
بعد أن أثبتت تجربة العمل من المنزل نجاحها مع انتشار فيروس كورونا عالميا ، قبل أكثر من أربع أعوام ، وهو ما تزامن معها تضاعف الطلب على البنية التكنولوجية للمؤسسات ، الحكومية والخاصة ، وتسريع عملية التحول الرقمي للحفاظ على مستويات الانتاجية والأداء مما اعطي دفعة نوعية كبيرة لما بات يعرف بالحياة الرقمية والتى تعد أحد أهم سماتها زيادة تعامل واعتماد البشر على الاستفادة من الأدوات والحلول التكنولوجية وثورة الاتصالات والانترنت فى تغير نمط حياتهم بصورة لم تكن متوقعه ولم يخطط لها احد بهذه السرعة .
وبالطبع فان أنظمة العمل وبصورة اساسية التى تتم من داخل المكاتب بمقرات مؤسسات الاعمال كانت اكثر المتأثرين بفيروس" كورونا " فبعد ان كانت هذه المكاتب تعج بالكثير من الموظفين ، ولا ابالغ فى حدوث ازدحام بعدد كبير من المؤسسات ، أصبحت غالبية مؤسسات الاعمال تقدم خدمات بنحو 50 % من القوي العاملة بها خاص مع تفاقم الازمة الاقتصادية وارتفاع تكاليف المعيشة والتنقل وهو ما لم يتواكب معه زيادة فى الأجور .
بل والأعجب ان هناك الكثير من مؤسسات الاعمال التى طبقت مفهوم " العمل من المنزل " بصورة شبه تامه ولم تتاثر انتاجية او كفاءة غالبية موظفيها نجحت فى الاستمرار والبقاء دون ان تتعرض لاى تقلبات كبيرة وهو بالتاكيد ما يدفعنا الى التساؤل ايهمها افضل الاستثمار فى مقرات العمل وانشاء المكاتب والمباني ام الاستثمار فى الموارد البشرية والعمل على تنمية مهارات التكنولوجية وتحسين بنيها التحتية من الحلول التكنولوجية والاتصالات ؟ وهل زمن المكاتب قد ولي ولن يعود ؟
وفي تحول ملحوظ، تعيد شركات التكنولوجيا تقييم سياسات العودة إلى المكتب، إذ يصر الآن 3% فقط من هذه الشركات على الحضور الكامل إلى المكتب، ما يمثل انخفاضاً كبيراً من 8% في العام الماضي اذ كشف ، مؤخرا ، تحليل أجرته شركة "فليكس إندكس"، شمل سياسات العمل المرنة في 2,670 شركة تكنولوجيا توظف أكثر من 11 مليون شخص، أن غالبية شركات التكنولوجيا تتبنى سياسة عمل مرنة طويلة الأجل ووجد التحليل أن 79% من هذه الشركات تقدم الآن خيارات عمل مرنة بالكامل، بزيادة من 75% في عام 2023.
ويبرز هذا الاتجاه نحو المرونة من خلال ارتفاع استخدام نماذج التوظيف التي تتيح للمتقدمين تحديد مكان وتوقيت العمل وفقاً لتفضيلاتهم واحتياجاتهم، ما يعزز التوازن بين العمل والحياة الشخصية. في عام 2023، قدمت 38% من شركات التكنولوجيا هذه النماذج، وارتفع هذا الرقم الآن إلى 56%، مما يجعله سياسة التوظيف الأكثر انتشاراً. وعلى العكس، فإن 18% فقط من الشركات تطبق نموذجاً هجيناً منظماً يحدد أيام الحضور إلى المكتب.
ويعكس هذا التحول نمطاً أوسع بين قادة التكنولوجيا الذين كانوا في السابق يدعمون العمل عن بُعد. ففي عام 2020، احتضنت شركات مثل "ميتا" و"إكس" و"شوبيفاي" العمل عن بُعد كميزة إستراتيجية. وأعلن مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة "ميتا"، عن خطط لجعل نصف قوة العمل في الشركة تعمل عن بُعد في غضون خمس إلى عشر سنوات.
كما أن شركات كبيرة مثل "جوجل" و"سيلزفورس" و"أمازون" تعزز سياسات العودة إلى المكتب، لكنها تواجه مقاومة من الموظفين. فقد واجهت "أمازون" مقاومة كبيرة لسياسة العودة إلى المكتب، إذ وقع حوالي 30 ألف موظف عريضة احتجاجاً على السياسة، وهدد أكثر من 1,800 بالاستقالة.
ولا يقتصر هذا التغير في المواقف على شركات التكنولوجيا، إذ وجدت دراسة استقصائية أجرتها "كيه بي إم جي" لمديري الشركات الأميركية ، التي تتجاوز عائداتها 500 مليون دولار ، أن ثلثهم فقط يتوقعون العودة الكاملة إلى المكتب في السنوات الثلاث المقبلة، وهو انخفاض كبير من 62% الذين توقعوا نهاية العمل عن بُعد بحلول عام 2026.
تشير تقديرات أخرى إلى أن 35% من الموظفين في الولايات المتحدة يفضلون العمل عن بُعد بشكل دائم، بينما يفضل 28% العمل بنموذج هجين. وأفاد تقرير صادر عن شركة "جارتنر" أن 48% من الموظفين يعملون عن بُعد بعد الوباء، مقارنةً بنسبة 30% قبل الجائحة.
وبالطبع فان هذه التغيرات تسلط الضوء على التحديات والمقاومة التي يواجهها المديرون التنفيذيون الذين يفرضون سياسات مكتبية صارمة، وتؤكد أهمية توفير خيارات مرنة لتحسين رضا الموظفين وزيادة إنتاجيتهم.
فى تصورى ان الصورة التقليدية للعمل من المكاتب لن تعود الى ما كانت عليه ، وستصبح هذه الصورة شىء من الماضي وفى مخيلة البعص فقط ، حيث أصبحت الحلول التكنولوجية لمنظومة العمل عن بعد هى مكون رئيسى ومتزايد فى كافة اليات العمل المستقبلية ، سواء للعمالة المنتظمة او العمالة المؤقته ، وعلى المؤسسات الى تبحث عن زيادة قدراتها التنافسية او المؤسسات الحكومية التى تريد توير اليات عملها وتقديمه خدمات للمواطنين ان تعتمد على مزيد من مفهوم " العمل عن بعد " وهو ما يثير فى أذهان هل البنية التحتية للانترنت والاتصالات تتيح لنا تحقيق الطفرة المنشودة والتوسع فى تطبيق منظومة " العمل عم بعد " ، لاسيما مع توقع بعض الدراسات العالمية ان 80 % من مؤسسات الاعمال سوف تعتمد بصور اكبر فى توظيف 50 % من العمالة الجديدة على تطبيق " العمل عن بعد " وبالتالي من المنطق ان يستعد الجميع فالامور لن تعود الى طبيعيها وسابق عدها فى سوق العمل بكثير من القطاعات الاقتصادية وخاصة الخدمية .
فى اعتقادي ان العمل من المكتب لن ينتهي العام الحالى أو المقبل ولا أدعو الى ذلك ، ولا يمكن الجزم بموعد محدد بانتهاء صورة العمل التقليدي ، خاصة وأن البعض سيتشوق للحياة المكتبية باستمرار كما ستظل فى احتياج مستمر الي تواجد جزء من العمالة فى المكاتب للتعلم ونقل الخبرات من الجيل الاكبر الى الجيل الشاب وهنا نؤكد اهمية وجود هيكل العمل بصورة التنظيمية الحالية موظفين ورئيس قسم ومجموعة مدراء ورئيس تنفيذي ، حتي فى العالم الافتراضى ، حيث ان اعتمادنا علي مبدأ أنه إذا منح الأفراد الحرية، فسيبذلون قصارى جهدهم فأن التجارب تعلمنا أن المدراء يضيفون حقاً الكثير من القيمة والتنظيم للعمل حيث ان الموظفون يكونوا فى حجة فعلية أن يكون هناك شخص يخضعون للمساءلة من قبله، شخص يتحدثون إليه بانتظام ويفتح لهم مجالاً لمواجهة التحديات وينقل لهم خبرته .
فى النهاية نؤكد ان مفهوم " العمل من المنزل " ليس وليد فيروس " كورونا " بل مطبق فى العديد من مؤسسات الاعمال منذ أكثر من عقدين من الزمن ولكن تداعيات التباعد الاجتماعي ل"كوفيد -19 " هي ما جعلته يظهر بقوة على السطح ليكون البديل الامثل لاحتفاظ العمالة بوظائفها واستمرار مؤسسات الاعمال فى تقديم خدماتها ولكن علي الجميع الاستعداد بقوة لمتطلبات لتعظيم الاستفادة من اليات " العمل من المنزل " .