الالكترونيات ..بين"استراتيجية التوطين" وبرنامج "تعميق الصناعة"

  •      بقلم / خالد حسن

    فى ديسمبر 2015 ، وتحديدا خلال افتتاح معرض ومؤتمر  كايرو اى سى تى 2015 ، اعلن الرئيس عبد الفتاح السيسى رئيس الجمهورية عن مبادرتين للنهوض بصناعة الإلكترونيات والتعليم التكنولوجى، أولاهما مبادرة "مصر المستقبل" التى تُعنى بتصميم وصناعة الالكترونيات وتشجيع قطاعى شركات النظم الإلكترونية، وخدمات صناعة الالكترونيات كثيفة العمالة، وتستهدف تلك المبادرة زيادة العائد الاقتصادى ليصل إلى ثلاثة مليارات دولار خلال ثلاث سنوات، فضلاً عن توفير فرص العمل وتشغيل الشباب، أما الثانية فهى مبادرة "رواد تكنولوجيا المستقبل" الخاصة بالتعليم التكنولوجى للشباب المصرى، والتى تهدف إلى تدريب وتأهيل الكوادر المصرية الشابة من خريجى الجامعات المصرية، وسيتم تنفيذها بالشراكة مع كبريات المؤسسات والجامعات العالمية لمنح شهادات معتمدة بالتنسيق مع الجامعات المصرية والشركات العالمية العاملة فى مجال تكنولوجيا المعلومات.

    وفى الحقيقة فان المبادرة الثانية تسير بخطى ثابته وفى طريقها لتحقيق اهدافها فى ظل التطور السنوى لعدد الكوادر البشرية ، سزاء من طلاب الجامعات او الخريجين ، الذين يتم تأهيلهم على احدث مجالات تكنولوجيا المعلومات وذلك من خلال جهود مركز الابداع التكنولوجى وربادة الاعمال التابع لهيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات بوزارة الاتصالات .

    ولكن ماذا عن المبادرة الاولى لتوطين " صناعة الالكترونيات " ؟

    ولعل من المهم ان نؤكد ان صناعة " الالكترونيات" تعد واحدة من اكبر الصناعات على مستوى العالم الا لم تكن الاكبر ، اذ تشير الدراسات أن حجمها يتجاوز 1.4 تريليون دولار وانها تمثل 68 % من صناعة خدمات الاتصالات وتكنلولوجيا المعلومات والاجهزة الالكترونية ، حيث باتت صناعة أمن قومى حقيقى ويتطلب الامر سرعة التحرك لتوطين هذه الصناعة محليا والتى يتجاوز حجمه حاليا نحو 16 مليار جنيه ، بجانب قدرتها فى المساعدة في خلق 30 الف فرصة عمل مباشرة و 120 الف فرصة عمل غير مباشرة .

    وهنا ننوه الى أطلاق عمرو نصار وزير التجارة والصناعة ، الاسبوع الماضى ، للبرنامج" القومى لتعميق التصنيع المحلى» الذى يهدف لتقليل بعض الواردات، مقابل زيادة الإنتاج محليا مع تقديم كل الدعم والمساندة للصناعات المحلية، لتتمكن من منافسة مثيلاتها المستوردة موضحا ان الوزارة قامت بإعداد قاعدة بيانات تفصيلية عن أبرز المنتجات المستوردة، ومثيلتها المحلية، ونسبة المكون المحلي بها، وإمكانيات المصانع لتوفيرها محليا حيث تبين ان أن 55% من هذه الواردات تتركز فى 3 قطاعات رئيسية، وهى الهندسية والكيماوية ومواد البناء وجميعها صناعات قابلة للتوطين والتعميق حيث سيتم التركيز على هذه القطاعات بهدف إيجاد منتجات محلية الصنع، كبديل منافس وقوى للمنتجات المستوردة.

    واكد نصار أن مصر تمتلك قاعدة صناعية كبيرة ومتنوعة قادرة على إحلال الكثير من الواردات، مما يسهم بشكل مباشر فى خفض عجز الميزان التجارى وتوفير العملات الأجنبية، لافتا إلى أن الوزارة بصدد تنظيم مؤتمر ومعرض "تعميق التصنيع المحلى" قبل نهاية العام الحالى وأن البرنامج يعتمد فى المقام الأول على تنمية سلاسل الموردين من الصناعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، التى تمثل الشريحة الأكبر فى هيكل الصناعة المصرية.

    وهنا يحضرنى ايضا الاشارة الى الاستراتيجية التى اعلنتها جمعية " اتصال " منذ اكثر من عامين ، المكلفه من جانب وزارة الاتصالات بوضع خطة طويلة الأجل يمكن تنفيذها محليا ، والتى تتضمن ثلاث محاور رئيسية، اولها خدمات تصنيع الإلكترونيات وصناعة النظم وصناعة تصميم وتطوير الدوائر المتكاملة، مع دعم إنشاء 50 شركة في مجال تصميم النظم والنظم الكهروميكانيكية الدقيقة "MEMS" والدوائر المتكاملة، كما تستهدف زيادة مساهمة صناعة الإلكترونيات في الناتج القومي إلى حوالي 70 مليار جنيه فى عام 2020، ومع حلول عام 2030 يمكن توفير 300 ألف فرصة عمل وزيادة نصيب صناعة الإلكترونيات من إجمالى الناتج القومى إلى حوالي 500 مليار جنيه .

    وبالتالى فان هناك برنامج قومى لتعميق الصناعة ،وعلى راسها صناعة الالكترونيات والمنتجات الهندسية ،وايضا استراتيجية قومية لتوطين صناعة الالكترونيات فهل هذا يعنى وجود تنسيق بينهما لضمان عم ازدواجية المجهود وسرعة تحقيق الاهداف المرجوة خاصة واننا نعلم أن صناعة الالكترونيات تحتاج الى استثمارات مالية كبيرة ، ربما لا تسطيع مؤسسة بمفرها توفيرها ، ولذلك يجب ان نفتح الباب أمام اقامة تحالفات بين كافة الاطراف الحكومية المعنية مع عدد من الشركات المحلية ومساعدة هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات " ايتيدا " هذه التحالفات للاستفادة من مبادرة البنك المركزى المصرى ،والتى تتيح 200 مليار جنيه لتمويل الشركات فائدة ميسرة 5 % ، خاصة وان مصر تمتلك سوق محلى كبير وطلب متزايد على كافة الاجهزة الالكترونية ناهيك عن كونها بوابة للسوق الافريقى والعربى واتفاقيات التجارة الحرة التى تربطها مع كل من السوق الاوروبى والامريكى .   

    فى تصورى أن المرحلة القادمة يمكن أن تأخذ أبعاد أكثر من ذلك فى تطور الشراكة الاستراتيجية بين الشركات المحلية والعالمية من خلال قيام الجهات الحكومية المعينة بصناعة الإلكترونيات بدعم هذا التحالف بوسائل مختلفة ستؤدى فى النهاية إلى تعميق مفهوم الشراكة المحلية والعالمية لتحقيق أهدافنا الوطنية من خلال المساهمة فى إنشاء شركات تصميم خاصة فى مجال الدوائر الإلكترونية خاصة انه خلال النصف الاول من العام الحالى قام " يي شين وانج " نائب رئيس شركة "فوكس كون تكنولوجى" بزيارة مصر والتقىمع رئيس الوزراء لبحث سبل التعاون مع الشركة المتخصصة في مجال صناعة الإلكترونيات آخذا في الاعتبار حجم السوق المصري، واتفاقيات التجارة الحرة الموقعة بين مصر وعدد من الدول، وتوافر التسهيلات والبنية التحتية الأساسية اللازمة للتعاون في هذا المجال والبدء فى إقامة مجمع لتصنيع الإلكترونيات في المنطقة التكنولوجية بأسيوط، بالإضافة التوسع في إنشاء مجمعات صناعية أخرى في باقي المناطق التكنولوجية.

    كما اقترح رئيس الوزراء ، أنذاك المهندس شريف اسماعيل، أن تشمل عملية التقييم التي ستقوم بها شركة "فوكس كون تكنولوجى" لفرص دخولها السوق المصرية دراسة إمكانية الشراكة والتعاون مع منشآت التصنيع المحلي للمكونات الإلكترونية، والاعتماد عليها والبناء عليها، بحيث يمكن النهوض بهذه الصناعة في مصر، آخذًا في الاعتبار وجود فرصة كبيرة لتحقيق طفرة في نمو هذه الصناعات بشكل واسع لخدمة الاقتصاد القومي.

    وأخيرا علينا أن نتذكر أن الشراكة بين الشركات المحلية والعالمية كان هو الركيزة الأساسية التى استطاعت عن طريقها بعض الدول النامية بناء نهضتها التكنولوجية والإلكترونية وعلينا دائما أن نستفيد من التجارب الناجحة لاسيما تجربة دولة تونس فى مجال توطين صناعة الإلكترونيات مع الحفاظ دائما على مصرية تلك النماذج دون القيام بمحاولة استنساخ فقط بدون مراعاة مدى ملاءمتها بالنسبة لنا فليس بالضرورة تكرار نجاح النموذج فى جميع البيئات .

    بمعنى أخر فالمطلوب منا هو إيجاد نموذج مصرى لعلاقة الشراكة المحلية والعالمية فى مجال الإلكترونيات تتناسب مع طبيعة احتياجاتنا وإمكانياتنا وظروفنا الاقتصادية فى الوقت الحالى والمستقبل مع العمل على توحيد الجهود فى برنامج واحد او استراتيجية قومية موحدة لدعم وتوطين صناعة الالكترونيات المصرية .

     

     



    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن