بقلم : خالد حسن
كلنا يعلم أهمية مفهوم الحضانات لدعم وتنمية المشروعات الصغيرة لاسيما إذا كان القائمون عليها من الشباب محدودي الخبرة والإمكانيات والمالية إلا أن لديهم إمكانيات فنية عالية وطموحات وأفكار قابلة للتنفيذ .
وكنا طالبنا فى نفس هذا المكان منذ شهرين تقريبا بضرورة ضخ الدماء في عروق مشروع حضانات التكنولوجيا لدورها في استيعاب الكوادر البشرية وشركات التكنولوجيا الناشئة والصغيرة التي يتم تأهيلها بمعرفة وزارة الاتصالات في مجال تكنولوجيا المعلومات ، من خلال الجهود والبرامج التي ينظمها مركز الإبداع التكنولوجي وريادة الأعمال التابع لهيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات ، والتي تمتلك بالفعل القدرة على التفكير المنظم والإبداع وهو ما تشهد عليه مشروعات التخرج لهؤلاء الخريجين إلا أن هذه الأفكار تظل مجرد مشروعات على الأوراق دون أن تتحول الى برامج أو حلول وتطبيقات ملموسة نظرا لغياب عنصر التمويل اللازم .
ويؤكد الحبراء ان " الحضانات " هى بمثابة وعاء للتكوين الرأسمالي من حيث امتصاصها للمدخرات الفائضة والعاطلة فضلاً عن إنها توفر فرصاً استثمارية لأصحاب المدخرات الصغيرة ففي نهاية عصر الاقتصاد الموجَّه والشركات الحكومية الضخمة المملوكة للدول، باتت المشاريع الصغيرة والمتوسطة تمثل أكثر من 98 % من مجموع المؤسسات العاملة في معظم دول العالم، وباتت مسئولة عن نسبة تصل إلى نصف الإنتاج الوطني لهذه الدول، بينما توفر هذه المشروعات نحو 60 في المائة من مجموع فرص العمل.
ومما لا شك فيه أن التقدم التكنولوجي الهائل وتحرير الأسواق من خلال العولمة أديا إلى إيجاد تحديات جديدة أمام هذه المشروعات خاصة في الدول النامية. ومواكبةً لهذه الطفرة التكنولوجية الكبيرة، فقد شهد الاقتصاد العالمي ظهور أجيال جديدة من المؤسسات الصغيرة التي استطاعت الاستفادة من مميزات هذا الوضع الجديد الذي يسمح بالحصول على المعرفة ورؤوس الأموال والدخول إلى الأسواق الكبيرة في آن واحد. وظهر مصطلح جديد يطلق على هذه النوعية من المؤسسات الصغيرة الرائدة المقامة على الإبداع والتكنولوجيات والتي تختلف اختلافاً جوهرياً عن مثيلاتها غير الإبداعية والتقليدية في الدول الصناعية، وهو " start-up" .
من هذا المنطلق وفي هذه الأجواء التنافسية شديدة الصعوبة، وضحت أهمية منظومات العمل المستحدثة التي تعمل على تطوير وتحديث مفهوم دعم ورعاية المؤسسات الصغيرة. وفي هذا المجال تعتبر آلية حاضنات الأعمال المتوسطة من أكثر المنظومات التي تم ابتكارها في الـ 20 سنة الأخيرة فاعلية ونجاحاً في الإسراع في تنفيذ برامج التنمية الاقتصادية والتكنولوجية وإيجاد فرص عمل جديدة، والتي تمت الاستعانة بها في الكثير من دول العالم.
اذ اقيمت حاضنات المشروعات في الأساس لمواجهة الارتفاع الكبير في معدلات فشل وانهيار المشروعات الصغيرة الجديدة في الأعوام الأولى لإقامتها وأوضحت العديد من الدراسات أن 50 % من المشروعات الجديدة في الولايات المتحدة مثلاً تتعرض للتوقف والانهيار خلال عامين من إقامتها، بينما ترتفع هذه النسبة إلى 85 % في غضون خمسة أعوام من إقامتها، ولقد لوحظت هذه النسبة المرتفعة للانهيار أيضاً في الدول الأوروبية .
إلا أن الدراسات الحديثة التي أُجريت لتقييم تجارب الحاضنات في هذه الدول أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك كفاءة ونجاح الحاضنات في رفع مستوى نجاح هذه المشروعات بشكل كبير. وتوضح الدراسات التي تمت مناقشتها خلال عام 2002 والتي أجراها قطاع الأعمال والمقاولات في الاتحاد الأوروبي أن تجربة الـ 16 دولة الأوروبية في الحاضنات منذ نشأت برامج الحاضنات فيها ربما أفرزت نتائج جيدة حيث إن 90 % من جميع الشركات التي تمت إقامتها داخل الحاضنات الأوروبية مازالت تعمل بنجاح بعد مضي أكثر من ثلاثة أعوام على إقامتها.
وحاضنات المشروعات تحتضن المبادرين وأصحاب الأفكار والمشروعات التي تقدم منتجات وخدمات جديدة ومتطورة تؤدي إلى إحداث تنمية متعددة الأهداف، من تكنولوجية واقتصادية واجتماعية في المجتمعات التي تقام بداخلها هذه الحاضنات. وتعمل الحاضنات باختلاف أنواعها وتخصصاتها على إيجاد صور ذهنية للنجاح أمام صاحب المشروع الناشئ، حيث إن الممارسات التي توفرها إدارة الحاضنة تمثل عاملاً جوهرياً في تنمية هذه المشروعات الجديدة بالشكل الذي يجعل بعض الخبراء يطلقون على الحاضنات مسمى "معهد إعداد الشركات".
ومنذ منتصف الثمانينيات من القرن الماضى، وهي الفترة التي تمثل البداية الفعلية لبرامج الحاضنات خاصة في الولايات المتحدة، لم تتوقف منظومة عمل الحاضنات عن التطور والتنوع حتى أصبحت اليوم تمثل صناعة قائمة بذاتها يطلق عليها البعض "صناعة الحاضنات". ومع تطور الحاضنات كأداة للتنمية المتكاملة قام عدد كبير من الدول بوضع برامج وطنية لإقامة عدد من الحاضنات بها. وتذكر الإحصائيات الحديثة أن هناك حالياً نحو 3500 حاضنة أعمال تعمل في مختلف دول العالم منها نحو ألف حاضنة في الولايات المتحدة فقط، وتنتشر نحو 1700 حاضنة في نحو 150 دولة من الدول النامية، تمتلك منها الصين 465 حاضنة وتحقق بذلك المركز الثاني بعد الولايات المتحدة، بينما تمتلك كل من كوريا الجنوبية والبرازيل نحو 200 حاضنة لكل منهما.
إن الفكر الرائد في حاضنات المشروعات بني على أساس تطوير آلية تعمل على احتضان ورعاية أصحاب الأفكار الإبداعية والمشروعات ذات النمو العالي داخل حيز مكاني محدد، صغير نسبياً، يقدم خدمات أساسية مشتركة لدعم المبادرين ورواد الأعمال من أصحاب الأفكار الجديدة والتكنولوجية، وتسهيل فترة البدء في إقامة المشروع وذلك على أسس ومعايير متطورة ومن خلال توفير الموارد المالية المناسبة لطبيعة هذه المشروعات ومواجهة المخاطر العالية المترتبة على إقامتها، بجانب توفير هذه المنظومة للخدمات الإدارية الأساسية، فهي تقدم أيضاً المعونة والاستشارات الفنية المتخصصة والمساعدات التسويقية في بعض الأحيان، وتبعاً لطبيعة المشروعات....
للحديث بقية .....