بقلم : خالد حسن
نتفق أن جوهر مشكلتنا الاقتصادية الرئيسية تتلخص في ضعف قدراتنا ، وبصفه خاصة الإدارية والتكنولوجية ، على توظيف ندرة مواردنا لتلبية احتياجاتنا الأمر الذي ينجم عنها مجموعة من العقبات تأتي على رأسها مشكلة البطالة وانخفاض الإنتاجية وتراجع مستوى الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم.
وبالتأكيد ليس هناك حل سحري يمكنه القضاء على كل هذه المشاكل بصورة فورية وإنما يمكن أن تلعب أدوات التكنولوجيا ووسائل الاتصالات دورا إيجابيا في تنمية إنتاجية كل من المؤسسة والفرد بما يؤدي إلى تعظيم الاستفادة من مواردنا بصورة تكفي احتياجاتنا الحالية والمستقبلية إذ تؤكد الدراسات المتخصصة أن القدرة الإنتاجية للمواطن العربي - بصورة عامة – أقل بكثير مقارنة بالمواطن في الدول المتقدمة وذلك نتيجة آليات العمل التقليدية المطبقة في الدول العربية .
وفي إطار جهود الحكومة لاستيعاب تداعيات فيروس كورونا المستجد " كوفيد _ 19 " وما تتخذه من إجراءات اقتصادية لمواجهة هذه الجائحة فإنه من المهم أن تكون لدينا إجابة واضحة عن سؤال هل التنمية التكنولوجية تشكل عبئا على الاقتصاد ولاسيما التي تواجه تحديات صعبة ، على غرار ما نواجه حاليا ؟
وأعتقد أن الشهرين الماضيين ثبت بما لا يدع مجالا للشك أهمية امتلاك البنية التحتية للتكنولوجيا وللاتصالات وإتاحتها لجميع المؤسسات والأفراد ، على مستوى كل المحافظات ، باعتبارها حجر الأساس الذي سيساعدنا على تجاوز الكثير من الآثار السلبية لأزمة " كورونا " .
ومع إعلان الدكتور مصطفي مدبولي ـ رئيس مجلس الوزراء عن مضاعفة حجم الاستثمارات العامة ، في الموازنة المالية القادمة 2020/2021 ، لتصل إلى 240 مليار جنيه حيث سيتم تخصيصها للاستثمار فص المشروعات القومية التي يمكنها توفير فرص عمل جديدة بجانب دورها في تنمية المجتمع علاوة على إتاحة العائد على هذه الاستثمارات .
ومن ثمة – من واقع التجربة – فإن البنية التحتية لقطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تحتاج إلى ضخ الكثير من الاستثمارات المالية ، والتي كانت تقدر من عدة سنوات بنحو 45 مليار جنيه ، بما يضمن تحقيق قفزة نوعية في مستوى البنية التكنولوجية التحتية لتضاهى مثيلاتها في الدول المتقدمة تكنولوجيا وبالتالي نتطلع ونطالب أن ينال قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بحصته من هذه الاستثمارات العامة الجديدة التي سيتم ضخها خلال الموازنة العامة الجديدة ومن ثمة فإن الفجوة التكنولوجية ستزداد في المستقبل ؟
إذ وفقا للدارسات والأبحاث العالمية في هذا المجال فإن كل زيادة بنسبة 10 % من مستخدمي الإنترنت تؤدي لزيادة بمعدل 1.3 % في التنمية الاقتصادية كما أن التطور التكنولوجي تجعل حياة الأفراد أفضل وتؤكد الدراسات أن أحد أهم مزايا التكنولوجيا أن أسعارها في انخفاض مستمر وعلينا أن ننظر إلى أسعار حلول وأجهزة الكمبيوتر كم كانت منذ 10 سنوات وكيف انخفضت ، مع تزايد قاعدة المستخدمين ، بالإضافة إلى أن التكنولوجيا تعد بمثابة اللاعب الرئيسي لتطوير الكثير من الخدمات مثل الصحة والتعليم ناهيك عن دورها في تطوير جميع القطاعات الاقتصادية علاوة على أن التكنولوجيا تساهم بصورة كبيرة في تحقيق مفهوم التواصل بين الحكومات وشعوبها لتطوير الخدمات الحكومية.
نؤكد أن التكنولوجيا ليست مقتصرة على العالم المتقدم بل نراها الآن في كثير من الدول الناشئة والنامية وهذا يعني أن بمقدور الجميع الحصول على هذه التقنية الأمر الذي يقلل من الفجوة الرقمية بين الدول المتقدمة والنامية فالحاجة إلى الارتقاء بإنتاجية الموظفين هي السبب الأول وراء تبني المزيد من الشركات لحلول التكنولوجيا والاتصالات المتكاملة ، ثم يليه في المرتبة الثانية الحاجة لتعزيز التعاون داخل الشركة أو المؤسسة بالاضافة إلى رغبة المؤسسات في تقليل تكلفة الإنتاج والبحث عن فرص جديدة لتسويق منتجاتها .
ولعله من المهم التأكيد أن نمو وتوسع مؤسسات الأعمال – سواء حكومية أو خاصة - لن يتأتى بدون إدراك متخذي القرار في هذه المؤسسات بأهمية استخدام نظم المعلومات والاتصالات في صلب تطوير العمل وهي رسالة يجب أن تعيها مؤسسات الأعمال المصرية- بشكل عام - التي تبحث عن فرصة للتوسع والانتشار فالاستثمار في التطوير التكنولوجي مهما كانت فاتورته فمردوده سيغطي استثماراته من خلال زيادة الإنتاج وتحسينه بما ينعكس إيجابا على الربحية هذا ناهيك عن دور التكنولوجيا في تطوير وتجديد الدورة الإنتاجية بما يتواكب مع التطور العالمي وبالتالي الحفاظ على حصة الشركة في السوق ، فهو استثمار ضروري وليس اختياري ، والأمر لا يتطلب غير إجراء بعض العمليات الحسابية قبل وبعد تطبيق الحلول التكنولوجية المناسبة للوقوف على الجدوى الاقتصادية لهذه الحلول .
في تصوري أننا الآن في حاجة ماسة إلى نشر ثقافة جديدة تستهدف إعادة تشكيل رؤية مؤسسات الأعمال للحلول التكنولوجيا وكيفية تطبيقها والاستفادة منها وهذا هو الدور الرئيسي لكل جمعيات والكيانات المعنية بالتنمية التكنولوجية بالتعاون مع اتحادات الصناعة والتجارة وجمعيات رجال الأعمال والمستثمرين والإعلام المتخصص في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ، سواء المقروء أو المرئى أو المسموع ، لنشر ثقافة ميكنة دورة العمل أو ما يطلق عليه البعض " رقمنة المؤسسات " .
أما على مستوى إنتاجية الفرد فإن التحدي الجوهري الذي يواجه غالبية الشباب في الوقت الحالي هو اكتساب مهارات وتقنيات العمل الجديدة والمتطورة حتى يكون قادرا علي تلبية احتياجات السوق وبشكل خاص الشركات الكبرى التي تسعي للعمل في مصر إذ نتوقع مع استعادة دوران عجلة الإنتاج بقوة أن تتوافر الآلاف من فرص العمل الجديدة بالسوق المحلية ، والتي تتطلب مهارات تقنية بمستويات مختلفة ، ومن ثمة علينا الاستمرار في عملية التدريب التكنولوجي وإعادة تأهيل مواردنا البشرية المناسبة لهذه الفرصة بما يتواكب مع متطلبات السوق – المحلية والعالمية - .
في اعتقادي أنه في ظل أن الفئة العمرية - تحت سن 16 عاماً والتي تشكل نسبة نحو 60 % من المصريين - فإن المهمة الملقاة على عاتق المؤسسات التعليمية تتلخص في إعداد جيل مؤهل بشكل جيد وقادر على القيام بدور فعال في تطوير ما يعرف باقتصاد المعرفة ، القائم على توظيف البنية المعلوماتية بصورة إيجابية ، والتوسع في تطبيق مفهوم التعليم عن بعد في مجتمع بات متعدد الثقافات خاصة أن القاعدة الكبرى من الشباب هذه الأيام مولعة باستخدام التكنولوجيا حيث يمكن للمؤسسات التعليمية تفعيل دورها وأهدافها من خلال استخدام الوسائل الحديثة في العملية التعليمية وكذلك على الأسرة تشجيع الأبناء على التعامل مع الأدوات التكنولوجية بما يؤدي في النهاية لتحسين إنتاجية الفرد المهم أن نبدأ الآن وليس غدا فالوقت ليس في صالح الجميع ومسيرة التنمية الشاملة ، اقتصادية واجتماعية وتعليمية وثقافية ، لابد تتضاعف عما كانت عليه حتى نستطبع بناء مصر في وجهها الجديد .