بقلم : خالد حسن
بالتأكيد أتاحت جائحة فيروس كورونا المستجد " كوفيد – 19 " دفعة نوعية كبيرة لما بات يعرف بالحياة الرقمية والتي تعد أحد أهم سماتها زيادة تعامل واعتماد البشر على الاستفادة من الأدوات والحلول التكنولوجية وثورة الاتصالات والإنترنت في تغيير نمط حياتهم بصورة لم تكن متوقعة ولم يخطط لها أحد بهذه السرعة .
وبالطبع فإن أنظمة العمل وبصورة أساسية التي تتم من داخل المكاتب بمقار مؤسسات الأعمال ، سواء بالجهات الحكومية أو الخاصة ، كانت أكثر المتأثرين بفيروس" كورونا " فبعد أن كانت هذه المكاتب تعج بالكثير من الموظفين ، ولا أبالغ في حدوث ازدحام المؤسسات الحكومية بعدد كبير ، فإن مع اتخاذ الحكومة قرار تقليل عدد الموظفين الحكوميين في كل جهة حكومية ، وذلك ضمن العديد من الإجراءات الاحترازية ، والتي استهدفت تطبيق مبدأ التباعد الاجتماعي لتقليل فرص انتشار العدوى بالفيروس أصبحت غالبية مؤسسات الأعمال تقدم خدمات بنحو 50 % من القوى العاملة بها .
بل والأعجب أن هناك الكثير من مؤسسات الأعمال التي طبقت مفهوم " العمل من المنزل " بصورة شبه تامة ولم تتأثر إنتاجية أو كفاءة غالبية موظفيها ونجحت في الاستمرار والبقاء دون أن تتعرض لأي تقلبات كبيرة وهو بالتأكيد ما يدفعنا إلى التساؤل أيهما أفضل الاستثمار في مقار العمل وإنشاء المكاتب والمباني أم الاستثمار في الموارد البشرية والعمل على تنمية مهارات التكنولوجيا وتحسين بنيتها التحتية من الحلول التكنولوجية والاتصالات ؟ وهل زمن المكاتب قد ولى ولن يعود ؟
ومؤخرا أكد الدكتور مصطفى مدبولي ـ رئيس مجلس الوزراء ، على الأهمية البالغة لميكنة العمل بالوزارات والجهات الحكومية ومتابعة تنفيذ التطبيقات الإلكترونية لتشغيل الخدمات الحكومية ، وفق التوقيتات الزمنية المحددة، حتى يتسنى إجراء عملية الانتقال إلى العاصمة الإدارية الجديدة وفقاً لميكنة العمل في الوزارات وجميع الجهات الحكومية، مشدداً على أهمية التدريب المستمر لجميع موظفي الوزارات والجهات المختلفة على هذه التطبيقات، بما يُسهم في النهوض بمستوى أداء جميع العاملين بالجهاز الإداري للدولة .. منوها إلى ضرورة إجراء تجارب عملية لعدد من هذه التطبيقات، والتي منها تطبيق إدارة الموارد البشرية، وتطبيق إدارة المشروعات القومية، وتطبيق الأرشيف الإلكتروني والمراسلات، إلى جانب تطبيقات ترتبط بإدارة المحتوى الرقمي، ومنصة العمل الحكومي الموحد، والتخطيط الاستراتيجى.
وفي نفس الاطار أكد أنه من المقرر الشهر المقبل إطلاق 4 حزم من الخدمات الحكومية الرقمية تتضمن 36 خدمة حكومية رقمية في جميع أنحاء الجمهورية، وهى حزم خدمات المرور بالتعاون مع النيابة العامة ووزارة الداخلية، والتوثيق والدعاوى القضائية بالتعاون مع وزارة العدل، والتموين بالتعاون مع وزارة التموين، والاستثمار على أن تتم إتاحة هذه الخدمات للمواطنين من خلال خمسة منافذ وهى تطبيقات المحمول، ومنصة رقمية على الإنترنت، ومراكز خدمات المواطنين، ومراكز الاتصال، والبريد المصري كذلك تم ربط 5300 مبنى حكومي من خلال شبكة الألياف الضوئية في إطار خطة لربط كل المباني الحكومية والتي يبلغ عددها نحو 32 ألف مبنى حكوميا على مستوى الجمهورية بهذه الشبكة خلال 36 شهرا، وبتكلفة تصل إلى 6 مليارات جنيه من أجل ضمان استمرار تقديم خدمات حكومية رقمية متميزة للمواطنين دون الاعتماد على شبكة الإنترنت .
في تصوري أن الصورة التقليدية للعمل من المكاتب لن تعود إلى ما كانت عليه ، وستصبح هذه الصورة شيئا من الماضي وفي مخيلة البعض فقط ، حيث أصبحت الحلول التكنولوجية لمنظومة العمل عن بعد هى مكون رئيسي ومتزايد في كل آليات العمل المستقبلية ، سواء للعمالة المنتظمة أو العمالة المؤقتة ، وعلى المؤسسات أن تبحث عن زيادة قدراتها التنافسية أو المؤسسات الحكومية التي تريد تدوير آليات عملها وتقديمها كخدمات للمواطنين وأن تعتمد على مزيد من مفهوم " العمل عن بعد " وهو ما يثير في الأذهان هل البنية التحتية للإنترنت والاتصالات تتيح لنا تحقيق الطفرة المنشودة والتوسع في تطبيق منظومة " العمل عن بعد " ، لاسيما مع توقع بعض الدراسات العالمية أن 80 % من مؤسسات الأعمال سوف تعتمد بصورة أكبر فى توظيف 50 % من العمالة الجديدة على تطبيق " العمل عن بعد " وبالتالي من المنطق أن يستعد الجميع؛ فالأمور لن تعود إلى طبيعتها وسابق عهدها في سوق العمل بكثير من القطاعات الاقتصادية خاصة الخدمية .
في اعتقادي أن العمل من المكتب لن ينتهي العام الحالي أو المقبل ولا أدعو إلى ذلك ، ولا يمكن الجزم بموعد محدد بانتهاء صورة العمل التقليدي ، خاصة أن البعض سيتشوق للحياة المكتبية باستمرار كما ستظل في احتياج مستمر إلى تواجد جزء من العمالة في المكاتب للتعلم ونقل الخبرات من الجيل الأكبر إلى الجيل الشاب وهنا نؤكد أهمية وجود هيكل العمل بصورته التنظيمية الحالية موظفين ورئيس قسم ومجموعة مدراء ورئيس تنفيذي ، حتى في العالم الافتراضي ، حيث إن اعتمادنا علي مبدأ أنه إذا منح الأفراد الحرية، فسيبذلون قصارى جهدهم، فإن التجارب تعلمنا أن المدراء يضيفون حقاً الكثير من القيمة والتنظيم للعمل حيث إن الموظف يكون في حجة فعلية أن يكون هناك شخص يخضعون للمساءلة من قبله .. شخص يتحدثون إليه بانتظام ويفتح لهم مجالاً لمواجهة التحديات وينقل لهم خبرته .
كذلك فإننا في حاجة إلى التواصل المباشر من أجل تبادل الأفكار واكتساب المهارات والمقترحات الخاصة بتطوير الأعمال وهنا يجب التنويه إلى ما أعلنته شركة " توتير " ، إحدى أهم شبكات التواصل الاجتماعي العالمية ، من خطتها للسماح للموظفين بالعمل من المنزل إلى الأبد، رغم إبقاء أبواب المكاتب مفتوحة أمام من يرغب القدوم إليها .
فى النهاية أؤكد أن مفهوم " العمل عن بعد " ليس وليد فيروس " كورونا " بل مطبق في العديد من مؤسسات الأعمال منذ أكثر من عقدين من الزمن ولكن تداعيات التباعد الاجتماعي لـ "كوفيد -19 " هي ما جعلته يظهر بقوة على السطح ليكون البديل الأمثل لاحتفاظ العمالة بوظائفها واستمرار مؤسسات الأعمال في تقديم خدماتها ولكن علي الجميع الاستعداد بقوة لمتطلبات لتعظيم الاستفادة من آليات " العمل من المنزل ".