بقلم : فريد شوقي
منذ نحو 8 سنوات ونحن نعيش مع مفهوم الرقمنة أو التحول الرقمي كضرورة لمواكبة التطور التكنولوجي الكبير والتغلغل في حياتنا بل والتأثير على سلوكياتنا سواء على مستوى الفرد أو مؤسسات الأعمال .. ناهيك عن التأثير الكبير على هيكل سوق العمل العالمي بل ومن المتعارف عليه أن مفهوم " الرقمنة " سيؤدي لاستحداث الوظائف والنمو الاقتصادي وتطوير الأداء الحكومي والاجتماعي .
ونعلم أن منافع الاستخدام المتزايد للتقنيات والتطبيقات الرقمية ليست اقتصادية فقط، بل تشمل المجالين الاجتماعي والسياسي أيضاً. وتؤدي الرقمنة إلى نمو اقتصادي تراكمي، حيث تحقق البلدان الأكثر تقدماً على صعيد الرقمنة نسبة 20 % من المنافع الاقتصادية أكثر من البلدان التي هي في المرحلة الأولية للرقمنة كما أن لمفهوم الرقمنة وقع مثبت على الحد من البطالة وتحسين نوعية الحياة ودعم وصول المواطنين إلى الخدمات العامة. كما تسمح الرقمنة للحكومات بالعمل بمقدار أكبر من الشفافية والكفاءة.
ومؤخرا كشف معهد الإحصاء الأوروبي "يوروستات" أن أكثر من 8 ملايين شخص من المتخصصين في العمل بمجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الاتحاد الأوروبي، جرى توظيفهم منذ عام 2016، وكان العدد الأكبر منهم من الرجال، خاصة من أصحاب المؤهلات العليا.وهو ما يمثل 3.7 % من إجمالي العمالة في السنوات الأخيرة، في ظل تزايد توظيف أعداد كبيرة من المتخصصين في هذه المجالات لتلبية احتياجات العالم الرقمي.
في حين أشارت المفوضية الأوروبية ببروكسل إلى أن من بين كل عشرة من المتخصصين في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الاتحاد الأوروبي هناك 8 من الرجال، وبالتحديد بنسبة تزيد على 83 %، وأن 62 % منهم من الحاصلين على المؤهلات العليا في هذه التخصصات.
وتشكل الرقمنة، أو ما يعرف بالسوق الرقمية الموحدة، واحدة من الأولويات الرئيسية للرئاسة الجديدة للاتحاد التي بدأتها استونيا مع مطلع الشهر الحالي، وعرضت الرئاسة أولويات عملها خلال مداخلة لرئيس الحكومة في استونيا، يوري راتاس، أمام نواب البرلمان الأوروبي. وحسب ما ذكرت مفوضية بروكسل، فهناك أولويات رئيسية؛ وهي الأمن والهجرة والعدالة والعلاقات الخارجية وسياسة الطاقة والمناخ والنقل والتنمية الريفية والنمو والقدرة التنافسية، إضافة إلى ميزانية الاتحاد والتجارة والاتحاد الاقتصادي والنقدي والسوق الرقمية الموحدة.
ولعلنا نتفق أن لـ " الرقمنة " واقع اقتصادي مادي يساهم في نمو إجمالي الناتج المحلي للفرد ويدفع عملية استحداث الوظائف ويحفز الابتكار ، إذ وفقا لدراسة أجرتها بوز أند كومباني ـ أن ارتفاعاً في الرقمنة بنسبة 10 % يؤدي إلى ارتفاع بنسبة 0.6 % في إجمالي الناتج المحلي للفرد وأن ازدياد الرقمنة يدفع بشكل كبير الرفاه الاجتماعي في بلد متطور معين.
كما تؤثر " الرقمنة " على الحكومة، حيث أظهر تحليل "شركة بوزأند كومباني" أن المزيد من الرقمنة يجعل مجتمعاً معيناً أكثر شفافية ويزيد من المشاركة العامة ومن قدرة الحكومة على نشر المعلومات بطريقة يمكن الوصول إليها. وتتيح التكنولوجيا الرقمية للسكان اطلاعاً أكبر على سياسات الحكومة ووظيفتها ـ وهو اطلاع ربما يؤدي في المقابل إلى مشاركة سياسية أكثر فعالية وإلى دعم تطوير حقوق الإنسان.
في النهاية أود التأكيد أن التحدي الرئيسي بالنسبة للموارد البشرية مع تزايد اعتمادنا على "الرقمنة " هو ضرورة تأهيل نفسها والتدرب على نوعية الوظائف الجديدة التي يتطلبها هذا المفهوم خاصة مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات حيث ستكون المهارات التكنولوجية هو مكون رئيسي لأي وظيفة مستقبلية وبدون تفهم واستيعاب هذا التغير في سوق العمل ، المحلي والعالمي ، سيكون من الصعب أن تجد هذه الموارد فرصة عمل لها في المستقبل.