تعكف عالمة المِكروبيولوجيا المصرية رانيا صيام على أخذ عينات من مياه البحر الأحمر لدراسة جينوم كائناته الدقيقة التي تعيش في بركه شديدة الملوحة لتتعرف على تركيباتها الجينية التي تمكنها من تحمل العيش في تلك البيئة القاسية في خطوة فريدة تهف إلى استكشاف الآليات التي تستخدمها تلك الكائنات لحماية نفسها وكذلك الكائنات المحيطة بها.
وقالت رانيا صيام أستاذة المكروبيولوجيا في كلية العلوم والهندسة في الجامعة الأمريكية في القاهرة في حوار خاص مع مرصد المستقبل «حصلنا على عينات من مناطق عميقة في مياه البحر الأحمر تصل إلى عمق 2300 متر تحت سطح البحر، ثم استخلصنا المادة الوراثية للكائنات الموجودة فيها، وأجرينا تسلسل لحمضها النووي، واستخدمنا تقنيات علم الأحياء الحاسوبي للوصول إلى تحليل شامل للمعلومات الحيوية لتلك الكائنات الدقيقة لتحديد الجينات الموجودة فيها، ثم فصلنا تلك الجينات لاحقًا لاختبار فاعليتها في المعمل.»
وأضافت «بعد فحص جينوم هذه الكائنات اكتشفنا العديد من الإنزيمات التي تصلح لكثير من التطبيقات الحيوية والصناعية، فمثلًا وجدنا نوعًا من الإنزيمات التي تفرزها بعض البكتيريا وتُلغي ضرر المعادن الثقيلة من المياه كالزرنيخ وغيرها من المعادن الضارة، ما يفسر قدرة هذه الكائنات على العيش في تلك البيئات القاسية وفائدتها في حماية الكائنات الأخرى الموجودة في البحر عن طريق إزالتها لضرر المعادن الموجودة في البرك شديدة الملوحة. وتصلح تلك الإنزيمات أيضًا للتخلص من المعادن الثقيلة الناتجة عن المصانع، ونُشرت نتائج هذه الدراسة في مجلة بي إم سي بيو تكنولوجي التابعة لمجلة نيتشر العالمية.»
وتابعت صيام «اختبرنا تأثير بعض الجينات الموجودة في البكتيريا على الخلايا الطبيعية والسرطانية لمعرفة إن كان لهذه الجينات سُمية انتقائية ضد الخلايا السرطانية أم لا، وتوصلنا إلى وجود مضادات حيوية ومضادات سرطانية جديدة قد يسهمان في الحد من مقاومة الخلايا السرطانية والسلالات البكتيرية للعقاقير الحالية، ونشرنا نتائج دراستنا البحثية، ونحن بصدد تسجيل براءة اختراع عن هذه الإنزيمات.»
واكتشفت الباحثة وفريقها أحد الإنزيمات المحللة التي يمكن استخدامها في صناعة المنظفات وذلك بالتعاون مع جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، وحصلت على براءة اختراع عن هذا الإنزيم من مكتب الولايات المتحدة لبراءات الاختراع والعلامات والتجارية، ويعمل فريقها البحثي حاليًا في الجامعة الأمريكية في القاهرة على اكتشاف إنزيمين جديدين وهما إنزيم الليباز والإنزيم الرابط (الليجاز)، بالإضافة إلى اختبارهم لفاعلية الإنزيمين وكفاءتهما مقارنةً بالإنزيمات الأخرى المشابهة والمتاحة في الأسواق، فضلًا عن اكتشافهم لعدد من الإنزيمات الفريدة مثل إنزيم الإستراز والنِتريلاز وإنزيم مُختَزِلَة الزئبق، إذ تتمتع كل هذه الإنزيمات بخصائص كيميائية وحيوية فريدة تؤهلها للدخول في القطاع الصناعي والعديد من التقنيات الحيوية.
وأوضحت صيام في تصريحاتها «كثيرًا ما اندهشت من بيئة البحر الأحمر البيولوجية، إذ تحتوي مياهه على صدعٍ مركزي وهو موطن للبرك شديدة الملوحة، والتي يبلغ عمقها نحو 2200 متر تحت سطح البحر بالإضافة إلى ارتفاع حرارتها التي تصل إلى 69 درجة مئوية مع افتقارها للأكسجين، وكل هذه العوامل مجتمعة كانت تدفعني دومًا للتساؤل: كيف تتغلب هذه الكائنات الدقيقة على ظروف بيئتها القاسية؟» والحقيقة أن هذه الظروف هي ما دفعت تلك الكائنات الدقيقة إلى التكيف مع محيطها بتنشيط موروثات تُسهِم في إفراز مواد أيضية تحمي بها ذاتها وتساعدها على تحمل ظروف بيئتها. لذلك فإن الكائنات الموجودة في البحر الأحمر تمتاز بقدرتها على إنتاج إنزيمات مقاومة للحرارة والملوحة والمعادن الثقيلة فتكون بذلك مصانع خلوية جبارة.»