غالباً ما تكون الحياة سهلة عند اتخاذ الطريق الصعب الذي يحتاج إلى وقت ومجهود وتخلي عن الكثير من الملذات والشهوات والمتع اللحظية في حين تكون الحياة صعبة إذا ما كان الطريق الأسهل هو المسار الذي نسلكه وبالتالي فإن الفرق الجوهري بين من يحيا حياة المتميزين والحياة العادية المتوسطة وأيضاً حياة الفاشلين هو القرارات التي يتخذها كل فرد والاختيارات الدائمة بين ما هو صعب ومفيد وبين ما هو سهل ومُضِر.
فقد تختار الوجبات السريعة بدلاً من الوجبات الصحية وقد تختار تصفح مواقع التواصل الاجتماعي بلا هدف على تعليم نفسك عن طريق القراءة أو مشاهدة أي مادة تعليمية تثقيفية مفيدة. قد تختار السعي بقوة وراء تحقيقك حلمك وقد تختار الراحة وانتظار الحظ يطرق بابك تسليماً منك بأن هذا هو الطريق الأوحد لتحقيق ما تحلم به. قد تختار الاستسلام لما هو حولك من ظروف بالرغم من وجود أمل في محاولة أخرى فقط في حين يختار آخرون عدم التوقف عن المحاولة في أحلك الظروف السيئة والتي يمكن أن تكون عذراً وسبباً كافياً يدعو للاستسلام، ولكن الاختيار مختلف لأن الهدف والرغبة والشغف تماماً مختلف.
كلمة السر هي "الانضباط" وهو اختيار الطريق الصحيح سواء كان صعباً أم سهلاً أم مقبولاً أو حتى مستحيلاً في نظر البعض وترك الاختيار الخطأ مهما كان مغرياً أو ممتعاً أو حتى فرصة لا تٌعَوَّض في نظر البعض أيضاً. هؤلاء الذين يختارون المتعة اللحظية والاختيارات السهلة والآمنة والمريحة نادراً ما يصلون إلى أهداف حقيقية ومؤثرة على المدى البعيد.
وهنا يأتي السؤال، كيف يمكن بناء وتطوير تلك العادة الفارقة؟ كيف يمكن مقاومة المكافآت وشعور السعادة اللحظي سعياً لتحقيق إنجازات على المدى الطويل؟ قد تأتي الإجابة على هذه الأسئلة في أشكال مختلفة كالكتب والفيديوهات والمقالات ولكن في النهاية الأهم هو التطبيق وليس المعرفة. ولكن هذا لا يعني عدم أهمية المعرفة ولكن بالعكس فلا يمكن تطبيق ما لا نعرفه ولكن الأكثر انتشاراً بين من يعانون من صعوبات الحياة أحياناً هو وجود المعرفة وعدم تطبيقها وينتهي بهم الأمر إلى التشكيك في المعرفة نفسها وأنها لا تنطبق إلا على أشخاص بعينهم في ظروف معينة وبالتالي توليد الشعور المزدوج بالراحة وعدم لوم الذات على ما هم عليه.
الأخذ بذمام التغيير بعد المعرفة والبدء في التطبيق مع الاعتراف الكامل والصريح بأن معظم تلك النصائح فعالة هو بداية إعادت تشكيل الحياة والوصول إلى مناطق نفسية وشعورية وأيضاً مادية لم نصل لها من قبل.
دعني أطرح لك أيها القارئ العزيز منظومة تتكون من أربع مكونات من خلال القصة التالية:
في عام 2006 كنت أعتقد دائماً أن إمكانياتي لا تؤهلني للانتقال من البنوك التجارية إلى البنوك الإسلامية نتيجة انعدام الخبرة بالمعاملات البنكية الإسلامية وبالتالي كانت أفعالي تتماشى وتتطابق مع تلك الفكرة فكانت أفعال محدودة تقتصر على البحث على فترات متباعدة عن الفرص في البنوك الإسلامية وبالتالي لعدة سنوات لم أحصل على أي نتيجة ومن هنا ازداد يقيني بأنني لا استطيع ترك البنوك التجارية واستمرت الدائرة المكونة من 1) توقعاتي عن إمكانياتي في الانخفاض و2) أفعالي أيضاً في التقلص و3) النتائج في الانهيار و4) يقيني ومعتقداتي تزداد بعدم قدرتي على تحقيق ما أحلم به وأخذت الدوامة في الازدياد يوماً بعد يوم.
هذا هو الحال الذي نصفه بأن الفقير يزداد فقراً لأن المكونات الأربعة تستمر في الانحسار والانهيار ويزداد الفرد يقيناً بأن النتائج الضعيفة هي فقط تأكيد للمعتقدات – التي لا يعلم أنها سلبية – ونصل لجملة (أنا أعلم أنني لا أستطيع وقد جاءت النتائج تؤكد ذلك! إذاً أنا فعلاً لا أستطيع!).
ولكن ماذا لو كان الحديث الذاتي عن توقعاتي من نفسي أنني نعم استطيع أن اترك البنوك التجارية إذا ما بذلت المجهود الكافي وأكثر وبالتالي تلك المعتقدات عن إمكانياتي ستنعكس على أفعالي التي حتماً ستزداد وتتنوع من خلال بناء علاقات مع بعض متخذي القرار في البنوك الإسلامية أو السعي لتغيير مسار العمل تماماً والتوجه إلى نشاط آخر أو تنمية مهاراتي ومعرفتي من خلال بعض الدورات في المجالات التي قد تكون مناسبة لما أتمناه ومن هنا كانت ستبداً بعض النتائج في التحقق من ازدياد المعرفة والعلاقات وتقوية السيرة الذاتية وبالتالي ستزداد الثقة فيما تحقق ويزداد يقيني بأنني سأصل يوماً ما إلى تقديم استقالتي وأنا على ثقة تامة في الله أولاً وبعد ذلك في إمكانياتي للوصول إلى الحياة التي أحلم بها.
وأيضاً هذا هو الحال الذي نصفه بأن الغني يزداد ثراءً حيث أن المكونات الأربعة تستمر في تقوية بعضها بعضاً وتستمر سلسلة الإنجازات والانتصارات بعكس الحالة الأولى من استمرار سلسلة الإحباطات والانكسارات.
وبعد أربعة عشر عاماً في العمل البنكي، كان الأول من نوفمبر عام 2011 هو آخر يوم عمل لي في البنوك التجارية والآن بعد ما يقرب من 9 سنوات أشعر أنني في الطريق الصحيح لما أحلم به وذلك بعد التخلص من دوامة الهبوط في الحالة الأولى والتمسك بإعصار الصعود في الحالة الثانية.
وأخيراً، فإن جزءا مهما من الانضباط هو بناء تلك العادات التي يجب التمسك بها في التفكير والأفعال ولا تنس أن أفكارك التي تكونت الآن وما يمكن أن تكون عليه حياتك في الفترة القادمة هو ما سيحكم النقطة الأولى وهي مدى توقعاتك من إمكانياتك التي ستساعدك في تلك الرحلة فإن كنت تعتقد أن إمكانياتك محدودة ولن تصل مهما حدث فلتعلم أن ما سيتبع ذلك من أفعال ونتائج ويقين سيقوى يوماً بعد يوم وسيكون بالتأكيد متطابقاً مع نفس الأفكار عن إمكانياتك (المحدودة). ولكن عليك أن تعلم وتؤمن أن إمكانياتك رائعة وغير محدودة إلا بالحدود التي تضعها أنت لنفسك ومن هنا ستأتي الأفعال القوية ويتبعها نتائج عظيمة وسيزداد يقينك بنفسك فتعلو همتك وأفكارك عن إمكانياتك اللامحدودة فتؤثر على أفعالك لتزداد تلك السلسلة تألقاً وتتأكد أن ما ستصل إليه في حياتك هو فقط الاختيار بين الدوامة والإعصار.