بقلم : اسلام محفوظ
تذكرت هذا الموقف والذى مر عليه ما يقرب من خمسة عشر عاماً ، وعبارة (التعليم في مصر بيكسب أكثر من المخدرات ) عندما جاءني بعض طلاب الجامعات الخاصة في تخصص العلوم المالية والإدارية طالبين مني مساعدتهم فيإنجاز المشروعات البحثية المطلوبة منهم والتى أقرتها الجامعات كبديل للامتحانات لتقييم الطلاب بسبب جائحة كورونا ، وقرأت المشروعات البحثية وطلبت من الطلاب الاطلاع على كتبهم من أجل مساعدتهم وشرح كيفية إعداد المشروع البحثي ، وعندما اطلعت على الكتب وأثناء حديثي مع الطلاب حدثت عدة أمور أدهشتني ويمكن استعراض هذه الأمور أو لنقل ملاحظات كما يلي :
الأمر الأول : لاحظت أن كتب الطلاب فى كل المواد تقريبا صغيرة الحجم فلا يزيد حجم أكبر كتاب عن 150 صفحة ، طبعا باعتباري باحث دكتوراة أعلم أن الحجم ليس معياراً على الجودة ، فبعض رسائل الدكتوراة القوية جدا علميا وتتضمن محتوى جيد وإضافات هائلة للعلم ومع ذلك لا تزيد عدد صفحاتها عن 120 صفحة ، فقلت أتصفح الكتب وبدأت بالتصفح والقراءة فكانت المفاجأة عندما وجدت على الرغم من أن عناوين الفصول كانت قوية إلا أن المحتوى كان ضعيفاً وصياغته ركيكة حتى أنك تجد الأسلوب مختلفا من فقرة لأخرى في نفس الموضوع على الرغم من الكتاب له مؤلف واحد يحمل لقب دكتور ، كما لاحظت أن أغلب الكتب تفتقد إلى قائمة مراجع ، وبحس الباحث دخلت على الإنترنت باحثا عن مصادر هذه المعلومات الموجودة في هذه الكتب فكانت المفاجأة الأكبر أو قل الصدمة عندما وجدت بعض الكتب بها فصول كاملة منقولة نقلا حرفيا من صفحات على الإنترنت فأدركت حين ذاك لماذا بعض الكتب بلا مراجع ؟، ولماذا المحتوى ضعيف ؟ ولماذا الأسلوب ركيك ويختلف من صفحة الى أخرى ؟ فعلمت أن معظم الجامعات والمعاهد الخاصة ماهي الا مشروعات استثمارية هدفها الأول تحقيق الربح .
وهذا ما أثار داخلي هذا التساؤل : أين الدولة من موضوع تنظيم والإشراف والرقابة على الجامعات والمعاهد العليا الخاصة ؟ فهل يقتصر دورها فقط على منح التراخيص وتحصيل الرسوم والضرائب ؟ ولماذا لا تتدخل فى الناحية الأكاديمية بفرض محتوى علمى مناسب وقوى لضمان جودة مستوى التعليم ؟ .
أما الأمر الآخر الذى أدهشني عندما سألني أحد الطلاب : كم تريد من المال كمقابل للبحث الواحد ؟ فاندهشت ولاحظ الطلاب اندهاشي ، فقال أحدهم : يا دكتور لماذا تتعجب إن الأبحاث المدرسية والجامعية عمل يقوم به البعض بمقابل مادى يتراوح بين 100 إلى 500 جنيه ، وأن هناك الكثير من المكتبات ومراكز الدروس الخصوصية ومواقع الإنترنت يمارسون هذا العمل ويعتبر المشروع مربحا جدا ، وأضاف إن هناك معدى الأبحاث وهناك سماسرة الأبحاث وهناك الموزعين ، وأن هذا العمل يشترك فيه الكثير من المدرسين والباحثين وأصحاب المكتبات وغيرهم وأن هناك من حقق أموالاً طائلة من هذا الاستثمار ، وأضاف بعضهم أن أخيه بالصف الثاني الثانوي الصناعي وأن مدرس العملي بالمدرسة أعد بحثاً واحداً ووزعه على الطلاب وأمرهم أن يكتبوه بأيديهم في ورق أبيض ويسلمونه للمدرسة وحصّل من كل طالب 300 جنيه ، وأخبرهم أن من لا يشترى البحث سوف يرسب .
فلما سمعت هذا الاستغلال للطلاب ولأولياء أمورهم شرحت للطلاب أن هذه الأبحاث ماهي إلا أبحاث مكتبية تقيس مدى فهمك للمشروع الذى يغطى أحد الفصول بالكتاب المقرر ، وأن كل ماعليك هو قراءة المشروع وتحديد الفصل الذى يتناوله المشروع في الكتاب المقرر ، ثم تقوم بقراءة الفصل قراءة جيدة أكثر من مرة ثم تبدأ في تلخيص الفصل حسب فهمك للموضوع وأن مرجعك الأساسي هو الكتاب المقرر ، ويمكنك الاستعانة ببعض المراجع من شبكة الانترنت ، ولكن إذا اكتفيت بالكتاب المقرر كمرجع وعرضت الموضوع بشكل جيد فهذا يكفى . ونصحتهم بأن يخوضوا التجربة بأنفسهم ولا يسمحوا لأحد بأن يستغلهم ويستنزف أموالهم ، وانصرف الطلاب شاكرين لى مساعدتهم فرحين ببساطة الأمر وبما سيوفرونه من أموال لا يحصل عليها والديهم إلا بشق الأنفس .
إن موضوع المشروعات البحثية كبديل للامتحانات لتقييم الطلاب من أجل انتقالهم إلى السنوات الأعلى على الرغم من أنه فكرة جيدة وممتازة ، وأتمنى أن تستمر حتى بعد زوال الأزمة كإحدى وسائل تقييم الطلاب ، ولكن كان يجب على وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي أن تتخذ مجموعة من التدابير والاجراءات ممايجعل هذه الوسيلة تحقق الغاية المرجوة منها ، وألا تكون وسيلة استطاع من خلالها البعض استغلال الأسر المصرية واستنزاف جزء كبير من أموالها مقابل إعداد هذه الأبحاث لأبنائهم ، مع العلم أن الكثير جدا من هذه الأبحاث مجرد نسخ ولصق من مواقع الانترنت وكانت دون المستوى المطلوب .
فلم تقم الوزارتان بتدريب الطلاب على كيفية إعداد الأبحاث ، ولم تدرب وزارة التربية والتعليم المعلمين على كيفية تقييم البحث خاصة أن البحث كان متعدد التخصصات ، كما أن وضع تقديرين فقط لتقييم البحث إما مقبول فيحصل على 100% أو غير مقبول فيحصل على 0% من درجة الفصل الدراسي الثاني ، هذا أمر غير معقول وغير مقبول ، فهناك بعض الطلاب اجتهدوا بالفعل وبحثوا وقرأوا وكتبوا البحث بأنفسهم ، والبعض الآخر قام بشراء البحث من بعض الجهات ، فهل يعقل أن يحصلا على نفس التقدير .
ربما يكون العذر الوحيد للوزارتين هو عنصر المفاجأة فى وقوع الأزمة والتي وقعت فجأة بدون سابق إنذار وتفاقمت بسرعة اضطرت الوزارتان بسببه لإيقاف الدراسة وإلغاء الامتحانات خوفا من تفشي الوباء.
مماسبق ندرك أن التعليم أصبح بالنسبة للبعض مجرد استثمار لتحقيق الربح ، ويستغل الظروف مهما كانت لتحقيق الربح ، فعلى الدولة استعادة دورها القوى في مجال التعليم وأن تتخذ الإجراءات الكفيلة لمواجهة محاولات البعض تحويل التعليم إلى مجرد فرص استثمارية ، وسوف نقترح في مقالات قادمة اقتراحات للقضاء على الكثير من المشكلات فى مجال التعليم .
فإلى لقاء ودمتم بخير.