بقلم : د . ياسر بهاء
سنتعرض فى هذه المقال ، ضمن سلسلة مقالات بعنوان " الحية الطيبة " عن " الدوبامين الصديق "
بالرغم من أن الدوبامين قد يكون في غير مصلحتك أحياناً لكنه لا يسعى بسوء نية لإيجاد الطرق التي تحيد بك عن الوصول لأهدافك المستقبلية. ما تم ذكره من تأثير في الفقرات السابقة يمكن من خلاله استبدال العادات السيئة بأخرى جيدة ومفيدة. فقد يساعد الدوبامين على خلق عادات جديدة فبمجرد بناء عادات جيدة سيقل الاعتماد على الانضباط الذاتي وستقل مقاومة تلك الأفعال بمجرد أن تتحول إلى عادات مرتبطة بتدفق الدوبامين في الجسم. يتوقع الدوبامين دائماً الحصول على مكافأة ما بمجرد فعل معين وبالتالي سيدفعك دائماً للقيام بفعل ما انتظاراً لتلك المكافأة حيث إن المخ يربط تلك الأفعال بنتيجة معينة يسعى إليها مثل تدفق السكر في الدم بمجرد تناول قطعة شيكولاته.
وبالتالي يمكن تحويل اتجاه الرغبة إلى مكافأة جيدة بدلاً من المكافأة السيئة التي تؤدي إليها الأفعال غير الصحية مثلاً. فيمكن تخيل طبق من سلطة فواكه باردة عند الانتهاء من فترة التمرين/الجري لمدة 30 دقيقة بمجرد أن ترى الحذاء الرياضي أمامك وبالتالي ستجد نفسك ترغب في بدء التمرين في أسرع وقت خاصة أن الاعتماد على الانضباط الذاتي غير مطلوب في هذه الحالة حيث إن الدوبامين هو ما يدفعك للقيام بهذا السلوك.
فمثلاً إذا كنت تخطط لممارسة المشي أو الجري ثلاث مرات في الأسبوع فعليك ربط هذا السلوك بتناول وجبة صحية لذيذة أو قراءة كتاب محبب إليك أو مشاهدة فقرة كوميدية لبرنامج تحبه أو إجراء مكالمات تليفونية لأصدقاء أعزاء أو أخذ قسط من الراحة أو أي مكافأة تمنحك مستوى جيد من التشجيع للالتزام بتلك المدة من الجري وبالتالي عندما يرتبط المحفز (حذائك الرياضي) مع المكافأة (كوب من العصير الطازج) سيساعدك الدوبامين على القيام بالسلوك (الجري) كما هو مخطط له. ولكن يجب مراعاة أن إفراز الدوبامين يكون في أعلى مستوياته عندما تكون المكافأة موجودة ومتاحة ويمكن رؤيتها قبل البدء في السلوك نفسه وبالتالي تجهيز تلك المكافأة يساعد على تسريع عملية التحفيز بشكل أكثر فعالية. إذا كانت المكافأة المتوقعة من السلوك تحتاج لمدة طويلة من ممارسة الفعل فيمكن تقسيم تلك المكافأة على تلك المدة أو إيجاد مكافأة مجزية تساعد على الاستمرار والتحفيز قبل البدء في السلوك المخطط له حيث إن التحفيز سيزداد كلما تم تحقيق مكاسب صغيرة ومستمرة.
رؤية كوب العصير الطازج قبل بدء الجري سيكون أكثر فعالية من مجرد تخيل الجسم الرياضي الذي ستكون عليه بعد عدة شهور من الممارسة المستمرة للتمارين الرياضية لأن الدوبامين يتم تحفيزه بالمكافأة أكثر من مجرد التخيل المستقبلي حتى لو كان تحفيز بسيط مثل الاستماع إلى بعض الموسيقى أثناء الجري فإن ذلك سيساعد في البدء في ممارسة التمارين الرياضية.
هناك العديد من المحفزات التي قد تعمل على تسريع عملية إفراز الدوبامين للحصول على تلك المكافآت مثل:
1) الطعام: إذا كنت تسعى لإنقاص وزنك عليك استبدال الطعام غير الصحي ببعض الفواكه أو المكسرات أو الخضروات الطازجة.
2) العلاقات: الخروج مع الأصدقاء في نزهة قد يكون أكثر تحفيزاً من مجرد مشاهدة فيلم في التليفزيون.
3) الموسيقى: أظهرت بعض الدراسات أن الموسيقى تساعد على تقليل الإحساس بالتعب من التمارين الرياضية وبالتالي تقليل مقاومة الجسم للبدء في التمارين الرياضية بما يعادل 10%.
4) الراحة: أخذ قسط من الراحة على فترات منتظمة من الإلتزام بعملٍ ما يساعد على تجديد النشاط وزيادة الالتزام بالاستمرار في ذلك العمل ومن تلك المماراسات فكرة "بومادورا" التي تعني بتقسيم أي مهمة إلى فترات متساوية كل منها 25 دقيقة وبينهم 5 دقائق راحة وبالتالي وجود تلك الراحة لمدة خمس دقائق تساعد على تدفق الدوبامين وتقليل تأثير المشتتات.
5) غفوة سريعة: عندما تعد نفسك بغفوة سريعة لمدة لا تزيد عن 20 دقيقة بعد الانتهاء من المهمة التي تعمل عليها، يساعد ذلك على زيادة التركيز والتحفيز أيضاً لمقاومة أية مشتتات.
6) التخطيط لشيء مفرح: عندما تكون الإجازة السنوية بعيدة فيمكن تسريع عملية التحفيز للقيام بالمهام الحالية عن طريق التخطيط لتلك الإجازة والبحث عن الأماكن السياحية التي يمكن زيارتها وبرامج السياحة المتاحة والقيام بتلك العملية بعد الانتهاء من المهمة التي تسعى للانتهاء منها كنوع من المحفزات وليس المشتتات.
7) ممارسة التأمل: عندما تعد نفسك بجلسة من المساج أو الاسترخاء أو التأمل أو حتى تمشية بسيطة بعد الانتهاء من مهمة ما، يجعل القيام بتلك المهمة أسهل وأكثر متعة أحياناً.
8) التجديد: عندما تحول المهمة المطلوبة إلى شيء جديد ممتع سيتدفق الدوبامين كما لم يتدفق من قبل فمثلاً يمكن ممارسة رياضة جديدة بدلاً من الجري فقط مثل التسلق أو ممارسة أنشطة جديدة ممتعة هو الاختيار الجديد أحياناً مع التأكيد أن ما ينتج عن تلك الأنشطة الجديدة نفس المجهود والنتائج المتوقعة من التدريبات المملة والمتكررة. عند صعوبة تناول بعض الأطعمة يمكنك تجربة أطعمة جديدة ولكن صحية في نفس الوقت.
9) التنوع: قريب من التجديد ولكن بشكل أكثر اختلافاً لمنع الملل كاختيار أماكن متنوعة للمشي وتمارين مختلفة بشكل دوري وأطعمة جديدة أو حتى نكهات جديدة للأطعمة الحالية وذلك كل فترة لدرجة قد تشتاق فيها لبعض الأماكن أو التمارين أو الأكلات بسبب التنوع فيها. التغيرات البسيطة قد تؤدي إلى الالتزام بما يحقق الأهداف وما تسعى لأن تكون عليه.
وفي الختام، أن يتحول الدوبامين من عدو إلى صديق لك في طريق التميز والنجاح يعتبر من أهم المعطيات التي يجب التعامل معها ووضعها في الاعتبار دائماً لزيادة مستوى الانضباط الذاتي فيما تسعى لتحقيقه.
سابعاً: كيف تتعامل إرادتك مع عدم الراحة
يمكن بسهولة تقوية الإرادة وتقبل ما هو غير مريح إذا ما بذلت المجهود الكافي لتجنب مقاومة ما هو غير مريح. بمجرد معرفة كيفية التعامل مع المشاعر الداخلية سيتم خلق نوع من القدرة الذاتية على مقاومة المشتتات والمغريات المختلفة بشكل أقوى.