بقلم : اسلام محفوظ
تواجه المحاسبون ومنذ زمن طويل مشكلة كبيرة ألا وهى مشكلة التقرير والافصاح عن الموارد البشرية التى تمتلكها منشأة ما فى القوائم المالية التى تصدرها الشركات لتبين لأصحاب المصالح المهتمين بالشركة حقيقة ماتمتلكه الشركة من موجودات وما عليها من التزامات وماحققته من ايرادات وماتكبدته من مصروفات ونتيجة النشاط من ربح أو خسارة .
ومعلوم أهمية العنصر البشرى فى العملية التشغيلية للشركات أيا كان نوعها حتى أننا نجد أحيانا بعض الشركات لا يتجاوز كل ممتلكاتها من أجهزة ومعدات وأثاث وخلافه بضعة آلاف من الريالات ، ومع ذلك تحقق سنويا ايرادات بالملايين وخاصة فى شركات التكنولوجيا ، ويكون مرجع ذلك الى ما تمتلكه الشركة من عقول وخبرات ومهارات تجعلها متميزة عن غيرها ، وأحيانا نرى بعض الشركات الكبرى فى احدى الصناعات مثل السيارات مثلا أن الشركة تحولت من خسارة وتردى أوضاعها المالية الى حالة من النجاح والربح وزيادة حصتها السوقية وتقدمها على منافسيها بشكل كبير.
فكيف تحقق ذلك مع أن الشركة مازالت تملك نفس الالات والاجهزة والمواد الخام سواء فى حالة التعثر او فى حالة الرواج والربحية ، وبالبحث نجد ان ذلك يرجع الى ادارة تنفيذية متميزة ذات رؤية جديدة وافكار حصرية تستطيع اخراج الشركة من حالة العسر المالى الى الربحية والانطلاق ، وفى أغلب الأحوال نجد ان سبب نجاح الشركات وتقدمها وتحقيقها لايرادات بالملايين بل بالمليارات أحيانا مرجعه الى العنصر البشرى وما يمتلكه من أفكار وخبرات ومهارات ورؤى هى التى تسبب النجاح والتقدم الحقيقى للشركات .
ورغم هذا لا يتم التقرير او الافصاح عن هذا العنصر الهام – العنصر البشرى – فى القوائم المالية للشركات ومرجع ذلك هو عدم استطاعة العلوم التجارية مثل المحاسبة والاقتصاد والادارة التوصل الى طريقة يمكن بها قياس قيمة العناصر البشرية التى تعمل بالمنشأة ، وكانت هناك محاولات لذلك ووضع مقياس لتحديد قيمة العنصر البشرى فى المنشأة إلا أن كل المحاولات كانت عليها اعتراضات شديدة جعلت الافصاح والتقرير عن العنصر البشرى فى القوائم المالية فكرة شبه مستحيلة حتى وقتنا هذا .
فعلى الرغم من التشابه بين الالات والبشر فى بعض الامور مثل أن الآلات يتم اختيارها بناء على ما تمتلكه من إمكانيات تحقق للشركة الانتاج الذى يحقق لها العائد الذى ترجوه ، كذلك البشر تختارهم الشركة للعمل بها اذا كانوا سيحققون لها الانتاج الذى يحقق معدل عائد يمكنها من الاستمرار والنمو .
والشركة عندما تقتنى الالات تقارن بين سعر الشراء والعوائد التى سوف تحققها الشركة من الالة ، والتى يجب أن تفوق العائدات سعر الشراء الذى تحملته الشركة على مدار عمر الالة الانتاجى ، كذلك البشر عندما توظفهم الشركة تقارن بين الاجر الذى تدفعه لهم وبين العائد الذى سوف تحققه من ورائهم طوال مدة عقد العمل .
كما أن الآلات تحتاج الى مصاريف للصيانة وعمرات لرفع الكفاءة كذلك البشر يحتاجون الى مصاريف رعاية اجتماعية وصحية وتعليم وتدريب وصقل مهارات حتى ترتفع انتاجيتهم باستمرار لتلائم احتياجات السوق ،
وهذه بعض أوجه التشابه والتى يمكن ان يستند اليها البعض ويتخذ منها مقياسا لتحديد قيمة البشر وبالتالى الافصاح عن قيمة العنصر البشرى فى القوائم المالية .
ولكن هناك اوجه اختلاف كبيرة بين البشر والالات تجعل عملية وضع قيمة للبشر من أصعب ما يكون بل قد تكون مستحيلة فالبشر لديهم أفكار ورؤى ومشاعر وعواطف قد لا يعلمها ولا يدركها صاحب العمل ، ففى الوقت الذى يمكنك فيه تشغيل الالات فى اى وقت وربما لساعات عمل أكثر وبطاقة أكبر قد لا يمكنك ذلك مع موظفوك ، بل قد يمتنع موظفوك عن العمل لمطالب معينة يريدون منك تحقيقها ، وفى الوقت الذى يمكنك أنت ان تتخلص من آلات شركتك فى الوقت الذى تريد وبدون تكلفة بل قد تحقق بعض المكاسب من بيع آلاتك القديمة لا يمكنك ذلك مع موظفوك لأن التخلى عن الموظفين قد يكلفك الكثير من النفقات مثل مكافآت نهاية الخدمة والمعاشات وتكاليف الرعاية الاجتماعية ،كما قد يكون من الصعب على رائد الاعمال الحصول على موظفين جدد بسرعة وبنفس كفاءة وخبرة الموظفين القدامى ، فى حين ان موظفوك يستطيعون تركك فى اى وقت اذا ظهر امامهم فرصة عمل بمزايا أفضل مما تقدمه انت .
والالة سوف تعمل عند مستوى الانتاج الذى تضعه انت لها وتحدده أما البشر فسوف يعملون عند مستوى الانتاج الذى يريدونه ويبدو لك ان هذا ما تريده انت أو هذا أقصى ماعندهم ولكنهم قد يستطيعون تقديم افضل منه إذا أرادوا ذلك .
فعلى رائد الاعمال المتميز ان يدرك هذه الفروق بين البشر والالات وان للبشر مشاعر وافكار ورؤى قد تتغير وتتبدل فى اى وقت اذا لم يقم هو بحسن التعامل معها وتوجيه بصلتها الى ما فيه مصلحة الشركة ونجاحها ومن اهم ما يريده البشر هو احساسهم بان هناك من يقدرهم ويقدر ظروفهم واحوالهم والامهم وافراحهم ، فعلى رائد العمل المتميز الناجح ان يكون على تواصل دائم مع موظفيه يتعرف على احوالهم وظروفهم المعيشية والاسرية وما يعانوه من مشكلات وما هم فى آلام ان كلمة طيبة لموظف او عامل يمر بازمة او مشكلة او مناسبة حزينة من صاحب العمل سوف يكون لها أثر عظيم فى نفس هذا الموظف او العامل واخلاصه للعمل .
إن تجاوز عن خطأ ارتكبه موظف تقديرا لظروفه أو تقديم نصيحة او حل لمشكة يمر بها او تقديم مساعدة مالية او عينية لها فى مناسبة ما سواء حزينة أو سعيدة ، كل ذلك سوف يكون له بالغ الاثر فى نفس الموظف أولها سوف يزيد من حبه وولائه لصاحب العمل الذى يقدره ويشاركه آلامه واماله وافراحه فاذا احب صاحب العمل سوف يحب العمل ومكان العمل الذى كان سببا فى لقائهما وتعارفهما وبالتالى سوف يحافظ على المكان وعلى نجاح واستمرار ونمو المكان حتى تستمر هذه العلاقة الطيبة ويستمر احساسه بذاته وبمكانته فنجاح الشركة ونجاح صاحبها هو نجاح له شخصيا لما يلاقيه من حب ورعاية وتقدير .
ثانيا : سوف يبذل أقصى جهد عنده فى العمل والانتاج حبا وحرصا على نجاح الشركة ونموها .
ثالثا : سوف يصبح العمل له فى هذا المكان متعة وليس مجرد عمل يؤديه ليحصل على أجر.
رابعا : سوف يقف بجوار الشركة اذا مرت بحالة من التعثر المالى، ويصبر على تأخر او تخفيض أو انقطاع الراتب لشهور لحين خروج الشركة من أزمتها المالية .
خامسا: اهتمام رائد الاعمال بمشاعر وعواطف موظفيه والعمل على ازالة ما يسبب الهم او الحزن للموظف سوف يجعل الموظف أكثر طمأنينة وهدوء وسكون نفسى وبالتالى ينعكس ذلك على أدائه لأنه سوف يعمل بتركيز وبلا تشويش .
هذه بعض الثمرات التى قد يجنيها رائد الاعمال من تقديره ومشاركته لمشاعر وآلام وأفراح موظفيه ، وكثير من الشركات العالمية الكبرى ماوصلت الى ماوصلت اليه الا بذلك بالاهتمام بموظفيها وبمشاعرهم وعواطفهم والعمل على ازالة ما يجلب الهم او الحزن او القلق لموظفيها .
وهذه هى احدى القواعد الهامة للحفاظ على ولاء الموظفين ،مشاركتهم آلامهم وأفراحهم .