دبى : خاص
اوضح جهاد الطيارة، الرئيس التنفيذي لشركة "إيفوتك" كيف تتعاون الشركة مع أفضل الشركاء لريادة مشهد التحول الرقمي في المدن الحديثة
تخيّل أنّك تصحو صباحًا فتجد درجة حرارة المبنى الذي تعيش فيه قد ضُبطت بشكل تلقائي ليلًا وفقًا لتوقُعّات الأحوال الجوية ومستويات إشغال قاطنيه.
ثمّ يَرِدُك إشعارٌ من نظام الذكاء الاصطناعي المسؤول عن سلامة المكان لينبهك إلى وجود مشكلة صيانة لتقوم بإصلاحها حتى قبل أن تلاحظ وجودها!
ثمّ تغادر منزلك، فتستمتع برحلة قيادة مثالية إلى مقر عملك بفضل شبكة النقل المتكاملة التي تُبرمج فيها إشارات المرور بدقة عالية فتعمل وفق مجريات حركة المرور على الطرقات، بينما تتفاعل أنظمة النقل العام بشكل مستمر مع تحديثات مباشرة تصلها في الزمن الفعليّ.
وها أنت تقترب الآن من مكان عملك فتركن سيارتك في موقف السيارات الذي حُجز لك مسبقًا، وتترجل إلى مكتبٍ يعرفك جيدًا ويعرف وجهتك فينبه زملاءك في الفريق إلى وصولك.
وتجد غرفة الاجتماعات قد حُجزت لك وما أن تدخل الغرفة حتى تجد كل شيء جاهزًا فعرضك التقديمي بانتظارك والإضاءة ضُبطت بشكل مثالي وحرارة الغرفة كما تحب، والآن يمكنك أن ترتشف مشروبك المفضل الذي أعدّ خصيصًا لك!
وخلال اليوم، سيقدم لك مقر العمل الإرشادات اللازمة وسيحجز لك المواعيد ويوثّق المعلومات ويراجع مهمات الموظفين، ثم يوزع الموارد ويقوم بتعبئة الاستمارات تلقائيًا. في مكان عملك اليوم لم يعد هناك من إجراءات روتينية مملة خلال اليوم مما سيوفر وقتك الثمين ويمكنك من إنجاز مهماتك بشكل أفضل.
والآن تخيل أن المبنى نفسه يتفاعل مع محيطه فيرصد وتيرة استهلاك الطاقة باستمرار لضمان الكفاءة وعدم هدر مقدار ذرة من الطاقة!
قبل أن أتعمق أكثر في تفاصيل هذا السيناريو الذي قد يبدو خياليًا نوعًا ما، سأدعمه ببعض الوقائع. بحلول عام 2030 سيرتفع عدد سكان العالم بنحو مليار نسمة، وسيعيش ثلاثة أرباعهم في المدن. وفي الجانب المرتبط بالبيئة، ستتسبب المباني في هذه المدن بنحو 30% من انبعاثات غازات الدفيئة على المستوى العالمي، 20% منها صادرة عن السيارات والمركبات. لذا علينا إعادة التفكير بنماذج المباني وعادات النقل كونها من العناصر المحورية في التخطيط لبناء المدن الذكية.
وأخيراً، يجب على السلطات المسؤولة عن المدن أن تتعامل مع الاستدامة والتكنولوجيا باعتبارهما وسيلة وصول للهدف النهائي المتمثل في بناء المدن الذكية وتأسيس مراكز عمرانية تسهل حياة المجتمعات وتدعم نموها وازدهارها.
وجاءت فكرة "إيفوتك" من إيماننا الراسخ بأن الوقت قد حان ليس لتطوير طريقة عمل المباني والشركات والاقتصادات فحسب، وإنما لإحداث تحول جذري يحسّن حياة الناس. وتشير التوقعات إلى مساهمة الذكاء الاصطناعي خلال العقد المقبل بنحو 320 مليار دولار في اقتصادات الشرق الأوسط، ما يشكل فرصة مذهلة فعلًا. لكن على الشركات أن تدرك أن التغيير المتوقع لن يحدث تدريجيًا وبالتالي يجب تطبيق عملية تحول شاملة لكل النظم والممارسات المتبعة. وستهبّ رياح التغيير على كل القطاعات دون استثناء حاملة معها فرصًا للتطوير وتطبيق تقنيات جديدة ترتقي بنمط حياتنا نحو الأفضل.
لكنّ الفوائد لن تتوقف هنا. فإذا أحسنّا استخدام مخيلتنا ومواهبنا وإبداعنا، سنسخّر هذه التقنيات للمساهمة في بناء نموذج "اقتصاد دائري" جديد لا تُهدر فيه الموارد بل تُستخدم بكفاءة عالية. وستكون طريقة عملنا أكثر استدامة وبالتالي سننجح في خدمة مواطنينا اليوم والأجيال القادمة على حد سواء.
وترتكز منهجية عملنا لقيادة وتحفيز مشهد التحول الرقمي في "إيفوتك" على أربعة أركان رئيسية، هي خدمات البنية التحتية، وخدمات السحابة والمنصات، وتطبيقات الأعمال، وحلول المدن الذكية وإنترنت الأشياء.
وفي مقالي هذا، أريد أن ألقي الضوء على الخطوات الضرورية التي نتخذها اليوم لوضع حجر الأساس لمدن المستقبل بمكاتبها ومبانيها وأنظمتها الرائدة. نحن نعمل اليوم على إطلاق منصة ذكاء اصطناعي مبتكرة تستخدم نموذج البرمجيات كخدمة لإحداث نقلة رقمية في طريقة عمل المكاتب لتصبح أكثر بساطةً واستدامةً وتطورًا. بدأنا هذه الجهود بمشروع "مكتب المستقبل" المتكامل القائم على تقنيات الذكاء الاصطناعي لشركة "بيئة" في الشارقة والذي سيصبح من أكثر المباني ذكاءً واستدامة في العالم، وسيشكل نموذجًا واقعيًا لمكاتب المستقبل الذكية والمستدامة. وسنعلن على هامش فعاليات جيتكس هذا العام عن مشروع مدني ضخم آخر وسنواصل إطلاق هذه المشاريع الرائدة في دولة الإمارات العربية المتحدة ثم سنتوسع في الوقت المناسب لنشمل كافة أنحاء المنطقة.
واخترنا لتطوير حلول المباني الذكية الرائدة التعاون مع أفضل الشركاء مثل "مايكروسوفت" و"جونسون كونترولز". وسنعمل معًا ونكثف جهودنا لتجهيز المبنى الجديد بأنظمة وأجهزة وبرامج ذكية متقدمة صُممت بغرض تعزيز كفاءة استهلاك الطاقة ورفع إنتاجية العاملين في المبنى من خلال واجهة قائمة على الذكاء الاصطناعي تتفاعل مع الأشخاص والأصوات لتبسيط المهام المعقدة وتحقيق التحول المنشود في أنظمة المباني التقليدية بتوفير خدمات مبتكرة تدمج بين العالمين المادي والرقمي.
وبالإضافة إلى تعزيز مستويات الراحة والإنتاجية ركّزنا على عنصر الاستدامة وطورنا تقنية "ديجيتال توين" التي تحاكي الهيكل الأساسي للمبنى بشكل افتراضي من خلال نظام تعلم ذاتي يعتمد على نموذج البرمجيات كخدمة ليتكيف بشكل مستمر مع مواصفات المبنى لتحديد درجات التدفئة والتبريد الأمثل وغيرها من المؤشرات وتطبيقها كما تقتضي الحاجة. كما يحدد النظام المبتكر الأماكن ذات مستويات الإشغال المنخفضة أو الإضاءة غير المستخدمة أو البرودة الشديدة فيستجيب تلقائيًا وفقًا لذلك.
وسنعلن خلال مشاركتنا في معرض جيتكس عن المزيد من المشاريع المبتكرة المرتبطة بمبادرتنا للنقل الذكي لا سيما مشكلة مواقف السيارات التي تستنزف وقت السكان وطاقاتهم كل يوم. لكن في الإطار الأشمل فإنّ عملنا في هذا المجال يقدم تصورًا جديدًا لمستقبل إدارة النقل في المدن من خلال منصة موحدة تعتمد على الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي. وسنستخدم الكاميرات والمجسّات الذكية لتتبع حركة مركبات جمع النفايات والمركبات البلدية، مما يسهل ويسرع رصدها بشكل أكثر كفاءة. كما يحلل نظام الذكاء الاصطناعي سلوك السائق واستخدام المركبات واستهلاك الوقود وانبعاثات الكربون ليقدم توصيات بأفضل مسارات المرور ويحدد الأعطال في المركبات المتوقفة ويرسل الخدمات.
وتنسجم هذه التقنيات الرائدة بشكل مثالي مع التصور الأشمل للمدن الذكية. ويجب التأكيد هنا بأن مهمة بناء مدن المستقبل لا تقع على عاتق كيان خاص أو حكومي بعينه، إنما هو ثمرة لتضافر جهود العديد من الشركاء الذين يسعون إلى تحويل مدننا وتجمعاتنا العمرانية إلى أماكن أكثر أمنًا واستدامة وكفاءة وبالتأكيد أكثر متعة ورخاءً.
وفي إطار هذه الجهود، نعمل على بناء منصة تتبع وتعقب لضمان سلامة سلسلة التوريد العالمية، ويمكن استخدامها بسهولة عبر العديد من القطاعات الرأسية كتطبيقها في صناعة السيارات للتحقق من جودة قطع الغيار الأصلية، والكشف عن الأغذية الحلال وفرض الضرائب على السلع الاستهلاكية مثل المشروبات الغازية ومنتجات التبغ وتحديد السلع الفاخرة المقلدة واكتشاف الأدوية المزيفة على سبيل المثال لا الحصر.
ونعمل حاليًا ضمن شراكة استراتيجية مع السلطات المدنية في دولة الإمارات العربية المتحدة لتنفيذ مشروع تحول رقمي ضخم. وأطلقنا مشروع البوابة الحديثة لتصاريح النفايات وهو الأول من نوعه في الشارقة بهدف تعزيز قدرات الإدارة والتتبع ورفع مستويات الكفاءة والأمان.
وتحتاج هذه الجهود إلى الكثير من التخيل والإبداع. ولحسن الحظ، فإن حكومات هذه المنطقة تمتلك رؤية طموحة قادرة على ريادة مسيرة التغيير وبالتالي تحتاج إلى شركات تشاركها الطموح والجرأة والإبداع لتنفيذ مشاريع ضخمة ومبتكرة. ونتوقع أن نشهد في السنوات المقبلة مدنًا أكثر ذكاءً واستدامة وقيام المزيد من الشركات بتوظيف فوائد التكنولوجيا الجديدة لتعزيز عملياتها. لذا نحن متحمسون جدًا لما سيحققه اقتصاد منطقتنا في المستقبل ونتطلع قدمًا إلى التأثير الإيجابي الذي سيحدثه هذا التحول على البيئة والمزايا العديدة التي سيجلبها لمواطنينا.