كتب : باكينام خالد
ترسم المملكة العربية السعودية، المعروفة تقليدياً بثروتها البترولية، مساراً جديداً في إطار رؤية 2030، بهدف تقليل اعتمادها على النفط والتحول إلى قوة تكنولوجية عالمية. ويقف الحدث التكنولوجي "ليب 2024" (LEAP 2024) في طليعة هذا التحول، بما يمثل من منصة للابتكار، ولجذب شركات التقنية والمنتجات الأكثر تطوراً، فضلاً عن المستثمرين ورجال الأعمال من كافة أنحاء العالم إلى قلب شبه الجزيرة العربية، حيث توقع وزير الاتصالات وتقنية المعلومات عبدالله سواحه أن يشهد الحدث هذا العام توقيع عقود باستثمارات تفوق 11.9 مليار دولار.
وسط صحراء خالية من أي مظهر عمراني باستثناء سياج حديدي، وعواميد إنارة متشحة بشعار "أرامكو السعودية" أكبر منتج نفط في العالم٫ وبعض اللافتات التي تفيد بأن "المستقبل يرسمه خيالك.. ونحن هنا اليوم من أجل الغد"، يطل مبنى الرياض للمؤتمرات وحيداً في الأفق.
هنا ينعقد على مدى 4 أيام (4 إلى 7 مارس) أحد أكبر معارض ومؤتمرات التقنية في العالم "ليب 2024"، الذي يضم مزيجاً من المتحدثين المحليين والدوليين، تحاول السعودية من خلاله الإضاءة على قدرة التكنولوجيا على تغيير الواقع والمستقبل، دون إغفال أهميتها لتسيير الأمور اليومية للأفراد كما للحكومات.
يضم المؤتمر أكثر من 1000 متحدث، ويبحث أبرز الإنجازات التقنية العالمية وسبل دمجها في الخدمات الأخرى سواء الحكومية أو التجارية. ويضم برنامج الجلسات مداخلات لرؤساء ومسؤولي كبرى كيانات التكنولوجيا، من ضمنها "أمازون" التي أعلنت عن استثمار 5.3 مليار دولار عبر ذراعها "Amazon Web" لإنشاء منطقة سحابية فائقة السعة في السعودية، وDatavolt التي ستستثمر 5 مليارات دولار لبناء مراكز بيانات مستدامة ومبتكرة في السعودية، و"IBM" التي ستضخ 250 مليون دولار لإنشاء مركز عالمي لتطوير البرمجيات في المملكة، وServiceNow التي ستستثمر 500 مليون دولار في السعودية لإنشاء أول مركز بيانات لها في المنطقة، بالإضافة إلى عمالقة الكنولوجيا والاتصالات والتحول الرقمي مثل "جوجل"، و"علي بابا"، و"تينسنت"، و"إركسون"، و"زووم".
كما جاءت مئات الشركات العالمية والإقليمية والمحلية لعرض منتجاتها، وشرح كيف يمكن دمج تكنولوجياتها في العديد من أوجه حياتنا اليومية، بدءاً من الحوسبة السحابية وصولاً إلى التطبيقات الحكومية الذكية التي تهدف إلى تسهيل التعاملات وزيادة نسبة التحول التقني في المملكة.
يعتبر قطاع التقنية في المملكة ناشئاً مقارنة بالأسواق العالمية، لكنه يشهد نمواً سريعاً بفضل الاهتمام الحكومي واستثمارات الشركات.
المتحدث باسم الاتحاد السيبراني والبرمجة والدرونز ياسر العصيمي قال في تصريح لـ"الشرق" إن سوق التقنية بشكل عام في المملكة تجاوز 42 مليار دولار، منبهاً إلى أن نسخة العام الجاري من مؤتمر "ليب" ستشهد المزيد من الاستثمارات المليارية.
هذه الاستثمارات تأتي في إطار مخططات سبق أن أعلنت عنها المملكة على مدى الأشهر الأخيرة، كشفت فيها عن مخطط لاستثمار ما يصل الى 20 مليار دولار في الذكاء الاصطناعي بحلول 2030.
وساهمت هذه الاستثمارات بزيادة مساهمة الاقتصاد الرقمي في الناتج المحلي الاجمالي للمملكة، ليصل عام 2022 إلى 14%، وفقاً لنتائج مسح نفذته الهيئة العامة للإحصاء لأول مرة في 2023.
التقرير أشار أيضاً إلى أن الخدمات السحابية شكلت عنصراً أساسياً في الاقتصاد الرقمي، إذ بلغت نسبة المنشآت التي قامت بشراء خدمات الحوسبة السحابية 48%، كما أن نسبة المنشآت التي قدمت خدماتها بواسطة تطبيقات إلكترونية نحو 20.3%. أما النسبة الأكبر فكانت من نصيب المنشآت التي استخدمت أجهزة أو أنظمة مرتبطة بالإنترنت نحو 60.1%.
استخدام التكنولوجيا لا يقتصر على المساهمة المباشرة بالناتج المحلي فقط، بل يمتد أيضاً إلى الكثير من القطاعات والشركات الخاصة والحكومية.
التحول الرقمي من أبرز نتائج دمج التكنولوجيا، إذ قال محافظ هيئة الحكومة الرقمية السعودية أحمد الصويان إن الهيئة تخطت نسبة 97% فيما يتعلق بالتحول الرقمي للخدمات المرتبطة بالمواطنين، وأكد في مقابلة سابقة مع "الشرق" أن الهيئة تستهدف الوصول إلى نسبة 100% في عملية الرقمنة.
بحسب الصويان، فإن التحول الرقمي ساهم في تقليص متوسط زمن تقديم الخدمة فيما يتعلق بالجهات القضائية بشكل ملحوظ، حيث انخفضت الفترة اللازمة لبدء فتح ملف أي قضية وصولاً إلى التسوية القضائية من 219 يوماً إلى 30 يوماً، وهي نسبة تقليص تزيد عن 85%، موضحاً أن الأمر ذاته ينطبق على وزارات عديدة، منها وزارة الداخلية التي تمكنت من خلال منصة "أبشر" من توفير 160 مليون خدمة للمواطنين والمقيمين في المملكة.