بقلم : د . ياسر بهاء
إذا كان تعريفك للنجاح هو "تحقيق هدف محدد مسبقاً" فأنت مخطئ فمن يتحدث عن أن النجاح نسبي ويختلف من شخص لآخر وأن كل فرد حُر في تحديد معنى النجاح بما يتماشى مع تحقيق أهدافه قد يكون أيضاً مخطئاً فمن يسعى لتحقيق هدف يضر بنفسه وبالناس فهو حر ولكنه قد يسعى لتحقيق هدفه بشتى الطرق غير الأخلاقية وهنا لا نستطيع نعته بأنه ناجح ومن يحقق هدفا يدمر به ذاته وأخلاقياته فهو أيضاً غير ناجح وبالتالي فإن النجاح لا يرتبط فقط بتحقيق الأهداف، إذاً ما هو النجاح؟
أولاً قد نجد البعض يرى النجاح في المال والشهرة ولكن هذه نظرة قاصرة حيث إن في هذه الحالة نجد أن العلماء الذين ساهموا في صناعة الحضارة الإنسانية ليسوا من هذه الطائفة ولكن هذا لا يتعارض مع أهمية المال كسبب رئيسي للحياة الهانئة والسعيدة ولكنه ليس هو معيار النجاح.
وقد يرى البعض الآخر أن النجاح في السعادة ولكن أيضاً لا نستطيع تعميم هذه الرؤية فهناك العديد ممن حققوا إنجازات ولكن غير سعيدين وانتهت بهم الحياة إلى الانتحار وقد يكون الشخص سعيداً في حياته من حيث اللهو الثراء والاستمتاع بملذات الحياة دون أي إضافة تُذكر لنفسه أو للآخرين وهناك من يسعى لتحقيق السعادة لنفسه بأية وسيلة حتى وإن كانت على حساب الآخرين وبالتالي فإن السعادة هدف من الأهداف المهمة لنا في الحياة ولكن ليس عدم السعادة هو قلة النجاح وليست السعادة وحدها هي النجاح.
وهناك من يعتقدون أن الوصول إلى المناصب الإدارية العليا هو النجاح الذي يسعى إليه الكثير ولكن هناك الكثير ممن يساهمون في تحقيق طفرات في العديد من المؤسسات ممن هم في أول السلم الوظيفي أو ليسوا من القادة في المؤسسة وهناك من يصل إلى قمة الهرم ولا يضيف أي شيء أياً كان سبب وصوله كصاحب عمل أو بمساعدة بعض الظروف الخارجية وليست الكفاءة وبالتالي لا يتم النظر إليه كأحد الناجحين ولكن هذا لا يقلل من أهمية السعي للوصول إلى حالة اجتماعية أفضل كمظهر من مظاهر النجاح أيضاً.
وقد ينظر البعض لمن حققوا إنجازات على أنهم هم الناجحون ولكن قد يصل البعض إلى إنجازات بمجهود قليل نتيجة الظروف المحيطة والمناسبة والتي إن لم تتواجد لما كان لتلك الإنجازات أن ترى النور. وعلى صعيد آخر فهناك من يصلون إلى نفس مستوى الإنجازات ولكن كان أحدهم طريقه ممهداً والآخر واجه العديد من التحديات فهل من العدل المساواة بينهما في النجاح؟ بالتأكيد لا.
وبالتالي فإنه من الظلم ألا نرى الشخص الفقير الذي ساعد على تنشئة أولاده على المبادئ والأخلاق وكان شمعة تحترق لتضيء لهم الطريق على أنه غير ناجح فقط لأنه فقير ولم يحقق إنجازات شخصية له أو لمؤسسته. ومن هنا فإنه من غير السليم أن يكون معيار النجاح هو المال أو الشهرة أو الإنجازات أو السعادة أو غيرها من المعايير التي قد يصل إليها بعض الناس ولا يصحبها النجاح بشكل متلازم. إذاً مرة أخرى، ما هو النجاح؟
من وجهة نظر خاصة بي شخصياً بناءً على ما قرأته وتعلمته واقتبسته من الآخرين وجربته شخصياً فإن النجاح هو "السعي بوعي لتحقيق الخير للنفس والغير" وبالتالي فإن السعي في غير الخير ليس بنجاح وتحقيق أهداف النفس دون إفادة الغير أو إلحاق الضرر بالآخرين فهو أيضاً ليس بنجاح وأيضاً السعي وبذل المجهود دون وعي بصحة ما نقوم به وأيضاً ما نرغب في تحقيقه هو بعيد كل البعد عن كونه نجاحاً.
فقد يسعى الوالدان لتحقيق حياة هانئة لأطفالهم على حساب سعادتهم ويكون لهم ذلك النجاح بعينه لأنهم سعوا بفهم وإدراك لما فيه الخير لهم ولأبنائهم وحققوه وهناك من يجد في نفسه النجاح في عدم الوصول إلى مناصب عليا قد تفرض عليه أحياناً بعض المواقف التي لا يريد أن يتبناها ويرى الحرية والنجاح في خدمة نفسه ووطنه من موقعه البعيد عن تلك المناصب. وهناك من يجد النجاح في تبسيط المعلومات لطلبته ومن يجد نظرة امتنان ممن يقوم على خدمتهم ومن يجعل مؤسسته أو دولته على منصات التتويج والامتياز.
وأخيراً فإنه مع نسبية النجاح من فرد لآخر فإن تحقيق الأهداف والإنجازات التي تقوم على أساس من الوعي والفهم وتتناسب مع الأخلاق والدين والقانون والتي تنفع ولا تضر هو النجاح الذي يجب أن نسعى جميعاً إليه فما طائل النجاح الذي يأتي بظلم وتعاسة وشر على النفس والمجتمع وبالتالي علينا ألا ننظر إلى النجاح فقط من منظوره المحدود بالمال أو الشهرة أو الإنجازات أو السعادة ولكن هو السعي بوعي لتحقيق الخير للنفس والغير مرضاة لله للفوز بنعيمي الدنيا والآخرة فما أعظم خسارة من يكون نجاحه في الدنيا هو سبيله إلى خسارة الآخرة.
دمتم ناجحين في رعاية الله.