مع تجاوزها 5 مليون بطارية بالصين : " فائض البطاريات " أهم تحديدات مستقبل السيارات الكهربائية

  • كتب : محمد الخولي

     

     

    تحولت الاستثمارات الطموحة في مصانع البطاريات الكهربائية، التي كانت تُعتبر ذات يوم رهاناً مضموناً على مستقبل النقل، إلى تحذير من فائض السوق وتصحيح الأسعار، وما كان يُنظر إليه في البداية كفرصة ذهبية للاستفادة من ثورة السيارات الكهربائية، يواجه الآن تحديات كبيرة مع زيادة الطاقة الإنتاجية وتناقص العائدات، بحسب تقرير لصحيفة "تلغراف".

     

    لقد بدت رؤية مستقبل يعمل بالبطاريات، يضم سيارات كهربائية صامتة وأنظمة تخزين الطاقة للمنازل والمكاتب، وفي النهاية السفن والطائرات الكهربائية، وكأنها احتمال مدر للأرباح. ونتيجة لذلك، تدفقت استثمارات بمئات المليارات من الدولارات واليورو والرنمينبي، لإنشاء مصانع عملاقة تهدف إلى الاستفادة من هذه الثورة المتوقعة.

     

    ومع ذلك، اصطدم هذا التفاؤل بالواقع، ووفقاً للتقرير، يشهد قطاع تصنيع البطاريات الآن تحوّلاً من اندفاع للقمة إلى سباق نحو القاع. وقد أدى تدفق الاستثمار، إلى جانب تكاليف المواد الخام المنخفضة للغاية والطلب الراكد على السيارات الكهربائية، إلى فائض هائل في البطاريات على مستوى العالم.

     

    كما ساهم فائض البطاريات في الانخفاض الكبير في أسعار السيارات الكهربائية، مما أفاد المستهلكين، ولكنه أيضاً قد يقوض جدوى الاستثمارات المستقبلية في البنية التحتية للبطاريات.

     

    معاناة القطاع تتجلّى في المشاكل الأخيرة التي واجهتها شركات تصنيع البطاريات الكبرى. فقد أعلنت شركة "إس كي أون" (SK On)، عملاق البطاريات في كوريا الجنوبية، حالة "الطوارئ" بعد عشرة أرباع سنوية متتالية من الخسائر والمبيعات المخيبة للآمال من شركات صناعة السيارات الغربية، والتي تعد عملاءها الأساسيين. كما أرجأت الشركة خططها لإنشاء مصنع بطاريات كبير في ولاية كنتاكي الأميركية، بسبب تباطؤ مبيعات السيارات الكهربائية.

     

    وبالمثل، أعلنت شركة "إل جي إنرجي سوليوشنز" عن انخفاض بنسبة 30% في المبيعات الفصلية، وأنها ستبطئ استثماراتها لتجنب المخزون المفرط. وعزا المدير المالي للشركة هذا التباطؤ إلى "اعتدال شركات صناعة السيارات في زخمها" في التحول إلى السيارات الكهربائية والمخاوف بشأن تأخيرات الاستثمار المحتملة المرتبطة بعدم اليقين السياسي، بما في ذلك إمكانية عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.

     

    وفي الصين، التي تهيمن على تصنيع البطاريات العالمية بنسبة 80% من حصة السوق، فإن الوضع مقلق بنفس القدر. فقد حفزت إعانات الدولة والطلب المحلي القوي استثمارات ضخمة في المصانع العملاقة، لكن أدى هذا إلى تحذيرات من زيادة العرض.

     

    ويشير بول لوستي من شركة "فاست ماركتس" لبيانات الأسواق المالية إلى أن الصين كان لديها فائض كبير في إنتاج البطاريات العام الماضي، بما يعادل أكثر من 5 ملايين سيارة كهربائية.

     

    وأضاف التقرير أن التوسع السريع في الطاقة الإنتاجية في الصين، مدفوعاً بتوقعات سوق السيارات الكهربائية المزدهرة، قد تسبب في انخفاض كبير في تكاليف البطاريات، إذ انخفضت أسعار الليثيوم والنيكل وغيرها من المواد الخام الحيوية بنحو الثلثين من ذروتها في عام 2021.

     

    كما انخفضت أسعار خلايا أيون الليثيوم إلى أقل من 100 دولار، أي أكثر من 80% انخفاضاً على مدى العقد الماضي. وفي الوقت نفسه، تضاعف الإنتاج ثلاث مرات منذ عام 2020، مما ساهم في زيادة العرض من الخلايا غير المكلفة.

     

    وقد دفع المصنّعون الصينيون الأسعار إلى أدنى مستوى لها عند 50 دولاراً للكيلووات في الساعة، وهو نصف المتوسط ​​العالمي مقارنة بالعام الماضي فقط. وفي حين يفيد هذا التخفيض في الأسعار المستهلكين، فإنه يخلق ظروفاً غير مستدامة للمصنعين الذين يعملون بخسارة. ففي الصين، أصبحت النماذج الكهربائية الآن أرخص من نظيراتها التي تعمل بالبنزين لثلثي نماذج السيارات.

     

    ومن المقرر أن يزداد وضع العرض الزائد سوءاً، حيث توقعت شركة "بنشمارك مينرال إنتليجنس" أن 400 مصنع عملاق سيكون جاهزاً للعمل بحلول عام 2030، وذلك بارتفاع من 240 اليوم. ومن المتوقع أن تزيد الطاقة الإنتاجية بنسبة 40% العام المقبل، مع إضافة جميع الطاقة الجديدة تقريباً في الصين.

     

    كما تقدّر "بلومبرغ نيو إنرجي فاينانس" لتحليل البيانات أن المصنّعين سيكونون قادرين على إنتاج خمسة أضعاف الخلايا المطلوبة لصناعة السيارات الكهربائية، مع إعادة توجيه الطاقة الزائدة إلى تطبيقات أخرى، مثل المنزل.

     

    وعلى النقيض من ذلك، يتخلّف بقية العالم عن الركب. فخارج الصين، لا تزال المركبات الكهربائية تشكل جزءاً صغيراً من السوق. في أوروبا، شكّلت مبيعات المركبات الكهربائية 13.9% من مبيعات السيارات في النصف الأول من العام، بانخفاض طفيف عن 14.2% في العام السابق. وفي المملكة المتحدة، شهدت مبيعات السيارات الكهربائية نمواً هامشياً فقط، من 16.1% إلى 16.6%، وهو ما يقلّ عن هدف الحكومة البالغ 22%. وأعلنت شركة تسلا، الشركة الرائدة عالمياً في تصنيع المركبات الكهربائية، عن انخفاض في الأرباح بنسبة 45%، مما أدى إلى انخفاض سعر سهمها بنسبة 12%.

     

    وكانت شركات تصنيع السيارات الغربية مترددة في تبني البطاريات الصينية، بسبب التركيبات الكيميائية المختلفة والتعريفات الجمركية المحتملة وفق التقرير. فقد أدت التعرفة الجمركية التي فرضتها إدارة بايدن بنسبة 100% على السيارات الكهربائية و25% على البطاريات، إلى جانب المعايير البيئية الأوروبية الصارمة، إلى إبطاء تبني البطاريات الصينية، وأثرت على الاستثمار في تصنيع البطاريات الغربية.

    وتواجه الجهود الرامية إلى إنشاء صناعة البطاريات في أوروبا والمملكة المتحدة صعوبات. إذ تدرس شركة "نورثفولت"، وهي شركة سويدية مدعومة من "بي إم دبليو" و"فولكس فاغن"، تقليص خططها الاستثمارية. كما أوقفت شركة "إيه سي سي"، وهي مشروع مشترك بين "ستيلانتيس" و"مرسيدس" و"توتال"، العمل في مصانع في ألمانيا وإيطاليا.

    وفي المملكة المتحدة، أدى انهيار شركة "بريتيش فولت" إلى توقف خطط إنشاء أول مصنع عملاق في البلاد، على الرغم من وجود بعض التطورات الواعدة مع الاستثمارات المحتملة من شركة "إيف إنرجي" الصينية ومصنع لمجموعة "تاتا".\

    واختتم التقرير بالتأكيد على أن سوق البطاريات، خلال هذه الفترة المضطربة، يشهد حالة من عدم اليقين في التوقعات طويلة الأجل. ورغم أن الفائض الحالي قد يمثّل مشكلة قصيرة الأمد، فإن من المحتمل أن يؤثر هذا الفائض على أسعار المواد وتكاليف البطاريات في المستقبل. وفي الوقت نفسه، تشير الطبيعة المتقلبة لصناعة الإلكترونيات إلى أن الفائض الحالي قد يتحول إلى نقص في المستقبل، مما قد يؤثر على مسار ثورة المركبات الكهربائية.

     

    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن