كتب : ساره نور الدين
مع توسع العالم الرقمي، يستكشف العلماء قدرة الحمض النووي الرائعة على تخزين البيانات، وتحويل هذا الجزيء القديم إلى أرشيف معلومات من الجيل التالي.
منذ الثمانينيات، يعتبر الحمض النووي وسيلة مثالية لتخزين البيانات بسبب كثافته واستقراره غير العاديين. يمكن للحمض النووي أن يخزن ما يصل إلى مليار مرة من المعلومات في نفس الحجم مقارنة بالتخزين التقليدي المعتمد على السيليكون، ويمكن أن تستمر التسلسلات المشفرة لعدة قرون في ظل الظروف المناسبة.
كشف باحثون من جامعة ولاية أريزونا ومتعاونون دوليون عن طريقة تزيد بشكل كبير من سعة تخزين الحمض النووي وكفاءته.
ويتجنب النهج الجديد العملية الطويلة والمكلفة لتجميع الحمض النووي الجديد، مما يجعله حلا أسرع وأكثر فعالية من حيث التكلفة.
وبفضل متانة الحمض النووي وطبيعته المدمجة، تتمتع هذه الطريقة بالقدرة على تخزين كميات هائلة من البيانات في مساحة صغيرة لفترات طويلة، مما يوفر تحولا كبيرا عن تقنيات التخزين التقليدية.
يقول مؤلف الدراسة هاو يان: “من المشجع أن نرى أن المبادئ اللاجينية من كتب الكيمياء الحيوية المدرسية والتي يتم تدريسها في فصلي الدراسي يمكن تطبيقها بسلاسة على تطبيقات تخزين بيانات الحمض النووي لحل بعض التحديات التي لم تتم تلبيتها في هذا المجال”.
تضمنت الجهود المبكرة تصنيع خيوط جديدة من الصفر، وترميز البيانات نيوكليوتيدا واحدا في كل مرة، مما جعل العملية بطيئة، ومكلفة، وغير عملية للاستخدام على نطاق واسع. الطريقة الموضحة في الدراسة الجديدة تتجاوز هذه القيود.
بدلا من بناء الحمض النووي من الصفر، يستخدم الفريق الخيوط الموجودة، ويقوم بتعديلها بعد تخليقها بعملية مستوحاة من طريقة الطبيعة الخاصة لتنظيم نشاط الجينات: التعديل اللاجيني.
تعتمد هذه التقنية على علم الوراثة اللاجينية، وهي عملية طبيعية تتم فيها إضافة مجموعات كيميائية أو إزالتها من الحمض النووي لتنظيم التعبير الجيني، وبالتالي تحديد ما إذا كان الجين قد تم تشغيله أو إيقافه.
يؤثر هذا التنظيم على إنتاج البروتين، الذي يحرك الوظائف الخلوية الأساسية. وقام الباحثون بتعديل هذه الآلية الطبيعية، حيث استخدموها لتشفير المعلومات الرقمية بدلا من التعليمات البيولوجية.
من خلال إضافة أو إزالة العلامات الكيميائية المعروفة باسم مجموعات الميثيل على قواعد الحمض النووي المحددة، يقوم الباحثون بإنشاء وحدات epi-bits – وهي نقاط بيانات جزيئية صغيرة تعمل مثل المفاتيح الثنائية. تعمل القاعدة الميثلة (epi-bit 1) والقاعدة غير الميثلة (epi-bit 0) كمكافئ للشفرة الثنائية المستخدمة في أجهزة الكمبيوتر.
استخدم فريق البحث طريقة تسمى الطباعة الجزيئية المتوازية، حيث تعمل سلسلة الحمض النووي الشاملة كقاعدة ويعمل 700 قطعة مختلفة من الحمض النووي كوحدات بناء. يحتوي كل مقطع على نمط فريد من وحدات epi-bit التي تمثل المعلومات الرقمية. ومن خلال ترتيب هذه الأجزاء على الشريط الأساسي، قام الباحثون بتشفير حوالي 270 ألف بت من البيانات، محققين معدل 350 بت لكل تفاعل. تمت بعد ذلك قراءة البيانات المخزنة بسرعة ودقة باستخدام تقنية التسلسل المتقدمة.
ومع ذلك، فإن الفوائد المحتملة لوسيلة التخزين هذه، بما في ذلك حجمها الصغير ومقاومتها البيئية وطول عمرها، يمكن أن تفوق هذه التحديات. ومع مزيد من التطوير، يمكن لهذه التقنية أن تمهد الطريق لحلول تخزين البيانات عالية الكفاءة وقابلة للتكيف.
ويتصور الباحثون تطبيقات مستقبلية حيث يمكن دمج تخزين الحمض النووي مع أنظمة الحوسبة الجزيئية، مما يتيح تخزين البيانات ومعالجتها وحتى حسابها في نفس الوسيط. وهذا من شأنه أن يحول الحمض النووي من مجرد جزيء تخزين إلى مشارك نشط في معالجة البيانات.
يمكن لمثل هذه الابتكارات أن تفتح إمكانيات مثيرة في البيولوجيا التركيبية، والمعلوماتية الحيوية وما هو أبعد من ذلك، ودمج تخزين البيانات بسلاسة مع الوظائف البيولوجية.