بقلم : د/ محمد عدلى
من خلال جريدتنا " عالم رقمى " و التى تصدر بشكل رقمى فى الأساس احببت أن نناقش معاً تأثير التطور التكنولوجى على الإعلام بمختلف أشكاله المقروءة والمسموعة المرئية، ولنبدأ بالصحافة فأنا من جيل نشأ على قراءة الجريدة المكتوبة بعد شراءها يومياً من بائع الجرائد. ولقد كانت الأهرام هى جريدتى اليومية كما كنت أحرص على شراء أخبار اليوم أيام السبت من كل أسبوع لما تحتويه من ابواب متميزة فنية ورياضية، ولا زلت اذكر العدد المتميز لجريدة الأهرام فى أيام الجمعة كذلك، ويذكر للأهرام أيضاً أنها كانت من أول الجرائد التى أولت اهتماماً للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات من خلال باب اسبوعى ظل يكبر تباعاً ختى اصبح جريدة منفصلة بكتابها ورئيس تحريرها.
ولكن دعونا نتذكر معاً نشأة الصحافة الإلكترونية وكيف ومتى أصبح تأثيرها فى قوة الصحف المطبوعة وربما تفوق عليه، دعونا كذلك نتساءل ما إذا كان هذا النوع الجديد من الصحافة قد أفاد أبناء المهنة الإعلامية العريقة والعاملين بها أم أنه أضر بهم وهل سيكون للصحافة المطبوعة وجود فى السنوات القادمة أم أنها فى طريقها للزوال؟
الأسئلة كثيرة وصعبة وبعضها مخيف ولكن لنبدأ بأولها فمنذ عام 2000 تقريباً كان بزوغ نجم الصحف المكتوبة والمنشورة على شبكة الإنترنت، تلك الصحف التى كانت تستهدف فى البداية جيل الشباب الذى كان قد بدأ يظهر فى ذلك الوقت وكانت أبرز سماته هى أنه يعيش على شبكة الإنترنت أكثر مما يعيش على الأرض، وبالتالى فعلى من يريد أن يتواصل معه أن يفعل ذلك من خلال وسيلة الاتصال ذاتها الإنترنت، هذا مع بقاء جيل الآباء لهؤلاء الشباب على عهدهم من شراء وقراءة للصحافة المطبوعة على الورق مما خلق نوعاً من التوازن بينهما. كما أن دور النشر العريقة قد تنبهت للوسيلة الجديدة للتواصل فبدأت بدورها فى إنشاء المواقع الإلكترونية الخاصة بها والتى ساهمت فى البداية فى الإبقاء على التواصل مع قراءها عبر وسيلة النشر الجديدة الإنترنت.
ومرت سنوات أخرى وبدأت أتساءل عن عدد النسخ الموزعة من كبريات الجرائد اليومية كم يبلغ اليوم؟ وآخر الرقام التى سمعتها عن توزيع جريدة الأهرام وفى أيام الجمعة هو نصف مليون نسخة مطبوعة فقط لا غير، لست متأكداً من دقة الرقم ولكنى على يقين من أنه قد حدث انخفاض شديد فى التوزيع لكل الصحف المطبوعة وأن التواصل عبر الإنترنت قد أصبح الوسيلة الأولى للانتشار حالياً وليس الوسيلة الثانية كما كان الحال منذ سنوات قليلة. أرى كذلك أن هذا لم يكن الاختلاف الوحيد، فمع بزوغ نجم الصحافة الإلكترونية ظهر العديد من الفرسان الجدد من الجرائد اليومية والذين استطاعوا أن يتفوقوا فى استخدام وسيلة التواصل الجديدة على بعض الصحف العتيدة العريقة التى يرجع تاريخها فى مصر إلى ما يزيد عن قرن كامل، وبالتالى أصبح الفرسان الجدد أكثر تأثيراً من وجههة النظر الإعلامية فى القراء من تلك الصحف التى كنا قد تربينا على قراءتها بشكل يومى فيما يشبه الإدمان.
أعتقد أن فنيات وحرفيات المهنة الصحفية نفسها قد تغيرت لتطاوع بيئة النشر الجديدة بالنسبة لها فالإنترنت غير الورق والبيئة الإلكترونية تتميز بأشياء عن البيئة الورقية كما أن لكل منهما عيوبه كذلك والشاطر الآن هم من سيدرك كل من المميزات والعيوب وينجح فى التكيف مع قواعد اللعبة الصحفية الجديدة قبل غيره.