يقلم : د/ محمد عدلى
ما زلنا نرصد معاً تأثير انتشار تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات على مختلف أوجه النشاط فى حياتنا، وكيف استطاعت تكنولوجيات لا يتعدى عمرها العقدين من الزمان مثل الإنترنت والهاتف المحمول أن تصبح جزءً أساسياً من حياتنا اليومية، وكيف أثرت حتى فى كيفية إنتاج وتنتشار مختلف الفنون التى نستمتع بها وعلى رأسها فن الموسيقى والغناء وكذلك فنون التمثيل والدراما التليفزيونية والسينمائية.
ولنبدأ بالغناء وهو من الفنون القريبة إلى قبلى بشكل شخصى وخاصة الغناء العربى الأصيل، فقد أدى ظهور وانتشار الإنترنت فى حياتنا إلى اختفاء صناعة بكاملها كانت هى الأساس فى انتشار الأغنية وهى صناعة الكاسيت. لقد كانت شركات الكاسيت تملأ الشوارع بمنتجاتها من الشرائط، وكان المطربين والقائمين على هذا الفن الجميل يصدرون إنتاجهم فى شكل ألبومات غنائية على شرائط الكاسيت المعروفة ويجنون أرباحهم من بيع هذه الشرائط للمتلقين، وشيئاً فشيئاً انتقلت هذه الصناعة إلى إصدار السى دى كوسيلة بديلة أكثر جودة لتوزيع الأعمال الغنائية، وبمرور السنوات وجدنا ما يشبه الإضمحلال لصناعة الكاسيت والسى دى واختفاء للمحلات التى كانت تبيعهما فى الشوارع لتحل الإنترنت محلهما وتصبح هى وسيلة الانتشار الأولى للأغنية وتسبق حتى القنوات الفضائية ذاتها.
بالطبع كان لهذا التغير تأثيره الكبير على النموذج التجارى المتبع فى إنتاج الألبومات الغنائية، فلم يعد مصدر الربح الآن هو بيع الشرائط بسعر يتفق مع اسم المطرب ومدى شهرته، ولكن أصبحت الأغنية متاحة على الإنترنت ويقاس مدى نجاحها من خلال عد عدد الزوار لموقعها وكم الإعجاب الذى حازت عليه وهو ما أصبح يحدد قيمة المطرب ومدى شهرته وهو أيضاً ما وضع الجهات المنتجة لهذا الفن أمام سؤال غاية فى الأهمية وهو من اين تأتى ارباحهم مع توقف إنتاج شرائط الكاسيت. لم تكن الإجابة سهلة بالطبع ولكنها احتاجت من القائمين على هذه الصناعة إلى التفكير فى نماذج تجارية جديدة تضمن الاستدامة وتحقيق الربح وتحمى كذلك حقوق الملكية الفنية التى أصبحت هى الأخرى فى خطر شديد نتيجة للوسيلة الأولى الجديدة لانتشار الأغنية وهى شبكة الإنترنت.
وننتقل للدراما التليفزيونية والسينمائية اللذان كان التأثير عليهما أقل، فما زالت دور السينما هلى الوسيلة الأولى لمشاهدة الفيلم السينامائى الجديد كما هو الحال قبل ظهور الإنترنت كما أنا ما زالت شاشات الفضائيات هى الوسيلة الأولى لمشاهدة الأعمال الدرامية التليفزيونية لكننا لا يجب أن نغفل دور موقع اليوتيوب هنا والذى اصبح يلعب دور الأرشيف الرقمى لكل تراثنا الفنى المسموع والمرئى، كما أصبح هذا الموقع بديلاً فى أوقات كثيرة لمن فاته حلقة من العمل الدرامى فى موعده أو لم أراد أن يشاهده اكثر من مره بعد انتهاء عرضه.
ولن نختم المقال قبل أن نسأل السؤال المعتاد وهو هل أفادت تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات تلك الفنون أم أضرت بها؟ لا شك أن الإنترنت ساهمت بشكل كبير فى انتشار تلك الأعمال الفنية كما أنها منحت اصحابها المزيد من الشهرة وأتاحت لهم مجالاً أوسع للظهور ولتقديم أعمالهم، ولكن كان هناك الجانب السلبى والذى تمثل فى الانتهاك الصارخ لحقوق الملكية الفنية والذى ادى إلى إفلاس بعض الشركات أو خسارته وتوقفها عن العمل.
