الجيل القادم من شبكات المحمول G6 الذى سيغيّر وجه العالم : أين يقف العرب في سباق المستقبل؟

  • بقلم د. عادل اللقانى

    خبير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات

    alakany@gmail.com

     

    "رغم أن شبكات الجيل الخامس (5G) ما تزال في طور الانتشار عالميًا، إلا أن الأنظار بدأت تتجه سريعًا نحو الجيل التالي وهو الجيل السادس (G6)الذي يعد بتغيير جذري في شكل الحياة اليومية من خلال سرعات هائلة وزمن استجابة شبه لحظي، واتصالات فائقة الذكاء تعتمد على الذكاء الاصطناعي، والبيانات الضخمة، والحوسبة الكمية. إنه ليس مجرد تحديث تقني بل ثورة شاملة ستعيد تشكيل العالم كما نعرفه. الدول الكبرى بدأت السباق بالفعل من الصين وأمريكا إلى كوريا الجنوبية والاتحاد الأوروبي، حيث تضخ المليارات في الأبحاث والتطوير،وتتنافس على وضع المعايير الدولية. وسط هذا الزخم تظهر تساؤلات ملحّة : هل ستكون الدول العربية جزءًا من هذا التحول؟ ، وهل تملك الإمكانات للمنافسة، أم أنها ستكتفي بالاستهلاك والمتابعة من بعيد؟"

    ما هو الجيل السادس ( G6) ؟

    الجيل السادس للمحمول المعروف بـ 6G، هو الجيل القادم في تطور شبكات الاتصالات اللاسلكية، والذي سيأتي بعد الجيل الخامس (5G) .اذا نظرنا إلى تاريخ تطور الشبكات نجد أن كل جيل كان يمثل قفزة نوعية؛ فـ 1 كان موجهاً للمكالمات الصوتية التناظرية، ثم جاء 2ليضيف الرسائل النصية وخدمات رقمية، و3سمح بالوصول إلى الإنترنت عبر الهواتف، بينما 4قدم سرعات عالية تتيح مشاهدة الفيديوهات بجودة ممتازة، وجاء 5 ليزيد السرعة بشكل هائل ويدعم الإنترنت للأشياء وعدداً ضخماً من الأجهزة. والآن مع قرب وصول 6G نتوقع تحولاً جذرياً أكبر بكثير.

    تتميز تقنية 6 بأنها ستوفر سرعات نقل بيانات تصل إلى تيرابت في الثانية أي أسرع بكثير من 5G، مما يجعل تحميل الملفات الضخمة أو بث المحتوى عالي الجودة يتم في لحظات. كما سيشهد الجيل السادس تقليصاً كبيراً في زمن الاستجابة أو ما يُعرف باللاتنسي (Latency)حيث قد يصل إلى أقل من جزء من الميلي ثانية، وهذا يعني أن التفاعل مع الأجهزة والتطبيقات سيكون شبه فوري، وهو أمر حيوي لتقنيات مثل الواقع الافتراضي والواقع المعزز التي تتطلب دقة عالية وسرعة في التفاعل.

    بالإضافة إلى ذلك، ستستخدم شبكات 6 ترددات أعلى بكثير من الأجيال السابقة، فوق 100 جيجاهرتز، ما يسمح بنقل كميات أكبر من البيانات لكنه يتطلب بنية تحتية متطورة وأبراج اتصال أكثر كثافة لتغطية المناطق بشكل جيد. وستعتمد الشبكات بشكل كبير على الذكاء الاصطناعي، الذي سيجعلها أكثر ذكاءً وقدرة على إدارة الموارد بكفاءة عالية، وتحسين جودة الاتصالات تلقائياً حسب احتياجات المستخدم.

    من بين الابتكارات المتوقعة في 6هي القدرة على إجراء اتصالات هولوغرامية، حيث يمكن أن نرى صور ثلاثية الأبعاد حية لشخص يتحدث معنا، مما يغير مفهوم التواصل بشكل جذري. كما ستدعم الشبكة اتصال عدد هائل من الأجهزة الذكية من هواتف وسيارات ذاتية القيادة إلى أجهزة في المدن الذكية مما يعزز مفهوم إنترنت الأشياء على نطاق غير مسبوق.

    متى يظهر الجيل السادس فى الاسواق العالمية ؟

    الجيل السادس للمحمول 6G ما زال في مراحل البحث والتطوير حتى الآن، لكن التوقعات تشير إلى أنه قد يبدأ في الظهور في الأسواق العالمية بحلول عام 2030 أو بعده بقليل. هذا التوقيت مرتبط بعدة عوامل مهمة، منها التطور التكنولوجي الكبير المطلوب لتطوير البنية التحتية التي تدعم الترددات العالية والسرعات الهائلة التي سيقدمها 6G، بالإضافة إلى ضرورة تجهيز الأجهزة والتقنيات التي تستفيد من هذه الشبكة الجديدة. وفي المجمل يمثل 6G مستقبل الاتصالات اللاسلكية، حيث سيغير ليس فقط سرعة الإنترنت بل سيحول الطريقة التي نتفاعل بها مع التكنولوجيا، مما يفتح آفاقاً جديدة للابتكار والتواصل في حياتنا اليومية.

    من ناحية أخرى تعتمد سرعة ظهور 6على مدى جاهزية الدول والشركات الكبرى في صناعة الاتصالات، حيث تقوم الشركات الكبرى مثل سامسونج، هواوي، ونوكيا وغيرها بإجراء أبحاث مكثفة لتطوير هذه التقنية وتجهيزها للاستخدام التجاري. علاوة على ذلك يجب أن تتوفر معايير دولية موحدة لشبكات 6حتى يتمكن المصنعون ومشغلو الشبكات من تقديم خدمات متوافقة وسلسة في مختلف أنحاء العالم. بالتالي يمكن القول إن الجيل السادس من شبكات المحمول سيبدأ في الظهور والتوسع تدريجياً في الأسواق العالمية خلال العقد القادم، ليشكل ثورة جديدة في عالم الاتصالات والتكنولوجيا.

    ماهى التطبيقات المتوقعة لشبكات 6G ؟

    مع دخولنا عصر 6G ستتغير حياة الإنسان والتكنولوجيا بشكل جذري بسبب القدرات الهائلة التي ستوفرها هذه التقنية كما هو موضح كالتالى :  

    اولا - فى مجال التعليم  : 6 سيمكن من بناء بيئات تعليمية افتراضية غامرة تعتمد على الواقع الافتراضي والمعزز، حيث يمكن للطلاب التفاعل مع المحتوى التعليمي بشكل مباشر، سواء كان ذلك عبر محاكاة تجارب علمية، أو جولات افتراضية في مواقع تاريخية، أو حتى التواصل الحي مع المعلمين والطلاب من مختلف أنحاء العالم عبر بيئات ثلاثية الأبعاد تشبه الفصول الدراسية الحقيقية. هذا النوع من التعليم سيكسر الحواجز الجغرافية ويتيح فرص تعلم متكافئة للجميع.

    ثانيا - الصحة والرعاية الصحية : ستصبح أجهزة مراقبة الحالة الصحية الشخصية أكثر ذكاءً واتصالًا. مثلاً : قد يرتدي المرضى أو الأشخاص أجهزة صغيرة تقيس مؤشراتهم الحيوية طوال الوقت وترسل البيانات مباشرة إلى مراكز طبية متخصصة لتحليلها باستخدام الذكاء الاصطناعي. هذا سيساعد في التشخيص المبكر للأمراض وتوفير تدخل سريع قبل تفاقم الحالة، خصوصًا في الأمراض المزمنة.

    ثالثا - الصناعة  : في مجال الصناعة 6 سيمكّن من دمج أكثر تطورًا بين الأجهزة والآلات حيث ستصبح المصانع ذكية للغاية تستطيع التحكم في كل عملية بدقة متناهية وتتحول إلى ما يُسمى “المصانع الذاتية التشغيل” التي تعمل بشكل شبه مستقل مع مراقبة وإدارة عن بعد من أي مكان بالعالم. وهذا بدوره سيدفع عجلة الإنتاج والابتكار ويساهم في تقليل التكاليف وزيادة المرونة في التصنيع.

    رابعا - النقل والمواصلات : سيحدث 6 ثورة حقيقية في قطاع النقل ليس فقط عبر السيارات ذاتية القيادة بل عبر أنظمة النقل الذكية بالكامل التي تتفاعل مع بعضها في الوقت الحقيقي. تخيل نظامًا نقلً يُدير حركة المركبات، القطارات، الحافلات والطائرات بتناغم تام لتقليل الازدحام وتقصير أوقات الانتظار وزيادة السلامة. سيكون من الممكن أيضًا تقديم خدمات نقل شخصية متطورة تعتمد على البيانات الضخمة وتحليلها لتقديم أفضل الحلول لكل مستخدم.

    خامسا - الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء : الذكاء الاصطناعي سيكون العمود الفقري لشبكات 6G حيث لن يقتصر دوره على تحسين الاتصالات فقط بل سيمتد لإدارة كامل البنية التحتية الرقمية بشكل مستقل مع اتصال عدد هائل من الأجهزة عبر إنترنت الأشياء وستصبح المنازل، المكاتب، المدن، وحتى المناجم والمزارع “ذكية”، أي أنها ستعمل تلقائيًا لتحسين الأداء وتوفير الطاقة مثلاً : من خلال ضبط الإضاءة والتكييف تلقائيًا حسب الحاجة، مراقبة المحاصيل، إدارة المخزون، والكثير غير ذلك.

    سادسا - الأمن والخصوصية : مع زيادة الاعتماد على 6G ستزداد أهمية الأمن السيبراني وحماية البيانات خاصة مع انتشار الأجهزة الذكية والتطبيقات التي تعتمد على معلومات شخصية وحساسة ، لذلك ستُدمج تقنيات متطورة مثل التشفير الكمومي وأنظمة الذكاء الاصطناعي لكشف ومنع الهجمات الإلكترونية بشكل فوري مما يضمن بيئة آمنة للاتصالات والمعاملات الرقمية.

    سابعا - الترفيه والتواصل الاجتماعي : ستتحول تجربة الترفيه والتواصل الاجتماعي بفضل 6G إلى مستويات غير مسبوقة، حيث يمكن للمستخدمين حضور حفلات موسيقية أو مناسبات اجتماعية في شكل هولوغرام ثلاثي الأبعاد مما يجعل التجربة أكثر حيوية وتفاعلية ، كما ستتيح الشبكة تفاعلات اجتماعية غنية بالبيانات الحسية مثل اللمس والرؤية والسمع بشكل متزامن مما يعزز التواصل الإنساني رغم البعد الجغرافي.

    ماهى التحديات في الانتقال إلى 6G ؟

    الانتقال إلى الجيل السادس من شبكات المحمول (6G) لا يُعد مجرد تطوير تقني بسيط لما سبقه من أجيال، بل هو تحوّل جذري في بنية الاتصال العالمية، يرافقه العديد من التحديات المعقدة والمتداخلة، سواء كانت تقنية، اقتصادية، اجتماعية، أو بيئية. ورغم الوعود الكبيرة التي تحملها 6 من حيث السرعة الفائقة، والذكاء الشبكي، والزمن شبه الصفري للاستجابة إلا أن الوصول إلى هذا المستوى المتقدم من الاتصال يتطلب تجاوز عقبات كبيرة. إليك عرضًا بأهم هذه التحديات :

    أولًا- التحديات التقنية  : يُعتبر الجانب التقني هو الأكثر تعقيدًا في مسار تطويرG6   فهذه الشبكات تعتمد على ترددات مرتفعة جدًا قد تصل إلى التيراهيرتز (THz) وهي موجات غير مستغلة حاليًا بشكل كبير في أنظمة الاتصالات بسبب خصائصها الفيزيائية. فرغم أنها تتيح نقل بيانات بسرعة هائلة إلا أنها لا تستطيع الانتقال لمسافات طويلة وتتأثر بشكل كبير بالعوامل البيئية مثل المطر، الغبار، والجدران. هذا يعني أن التغطية ستكون ضعيفة دون نشر عدد هائل من محطات الإرسال الصغيرة وهو ما يتطلب تصميمًا جديدًا كليًا للبنية التحتية. إضافة إلى ذلك التقنيات الحالية للهواتف والأجهزة الذكية غير مجهزة للتعامل مع هذا النطاق من الترددات مما يتطلب تطوير شرائح ومعالجات ومودمات جديدة قادرة على استقبال هذه الموجات بكفاءة دون استنزاف البطارية أو توليد حرارة عالية.

    ثانيًا - البنية التحتية الضخمة والمكلفة : نقل العالم إلى شبكة 6 يتطلب إعادة بناء أو تحديث البنية التحتية الحالية بالكامل بدءًا من الأبراج الخلوية، مرورًا بالألياف الضوئية، وصولًا إلى مراكز البيانات. هذا التحول سيتطلب استثمارات هائلة من الدول والشركات وقد يؤدي إلى تفاوت عالمي في سرعة تطبيق 6 بين الدول المتقدمة والنامية. البلدان ذات الإمكانيات المحدودة قد لا تستطيع مجاراة هذه التطورات مما يخلق فجوة رقمية أكبر من الموجودة حاليًا.

    ثالثًا- استهلاك الطاقة والتأثير البيئي : مع كثافة الأجهزة التي ستكون متصلة بشبكة 6G والتوسع في استخدام الذكاء الاصطناعي وتبادل كميات هائلة من البيانات لحظيًا ستحتاج هذه الشبكات إلى طاقة ضخمة للتشغيل ويُعد هذا تحديًا بيئيًا بالغ الأهمية، خصوصًا في ظل الدعوات العالمية لتقليل الانبعاثات الكربونية. لذا فإن تطوير تقنيات اتصال موفرة للطاقة بات أمرًا ضروريًا بالإضافة إلى تبني حلول ذكية لإدارة الطاقة داخل الشبكة.

    رابعًا- الأمن السيبراني والخصوصية : كلما زادت سرعة الشبكة وتعددت التطبيقات المتصلة بها ازداد معها حجم البيانات الشخصية المتداولة مما يجعل 6 أكثر عرضة للتهديدات السيبرانية. وتزداد المخاوف حول الخصوصية الرقمية، خصوصًا مع اعتماد الشبكة على الذكاء الاصطناعي لجمع وتحليل البيانات بشكل لحظي. التحدي هنا هو كيفية تأمين الشبكة بالكامل من الأجهزة إلى البرمجيات، مرورًا بالبنية التحتية، باستخدام تقنيات متقدمة مثل التشفير الكمومي والتوثيق الذكي.

    خامسًا - توحيد المعايير العالمية : إحدى أكبر العقبات أمام تطبيق 6هي الحاجة إلى توحيد المعايير العالمية بين مختلف الدول والشركات، فبدون وجود إطار تنظيمي وتقني موحد لن تكون هناك إمكانية لبناء نظام 6عالمي متكامل. عملية التوحيد تشمل اتفاقيات دولية حول النطاقات الترددية المسموح بها وتقنيات التشفير ونماذج الاتصال مما يستدعي تنسيقًا عميقًا بين الحكومات والهيئات الدولية مثل الاتحاد الدولي للاتصالات (ITU) .

    سادسًا - القبول المجتمعي والأخلاقيات : مع الانتشار الهائل للأجهزة الذكية المتصلة بالشبكة في كل مكان من المنازل والمركبات إلى الجسم البشري نفسه (عبر الأجهزة القابلة للزرع) تُطرح أسئلة أخلاقية ومجتمعية حول مدى قبول الأفراد للتدخل التكنولوجي في تفاصيل حياتهم. فهناك من يتخوف من أن تتحول تقنيات 6 الى أدوات للمراقبة أو إلى أنظمة تفقد الإنسان جزءًا من حريته وخصوصيته لصالح الراحة الرقمية أو الذكاء الاصطناعي. لذا،فإن بناء الثقة بين الناس والتكنولوجيا سيكون أمرًا جوهريًا في نجاح الانتقال إلى  G6 .

    سابعًا -  تدريب الكفاءات وتطوير المهارات  : تقنية 6G ستتطلب جيلاً جديدًا من المهندسين، التقنيين، ومطوري البرمجيات ممن يملكون فهمًا متقدمًا للذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة  وأنظمة الاتصالات الكمومية وغيرها من المفاهيم المعقدة وهذا يفرض على الدول والمؤسسات التعليمية الاستثمار مبكرًا في تطوير برامج تعليمية وتدريبية مواكبة لهذه الطفرة، حتى لا تواجه الأسواق نقصًا حادًا في الكفاءات البشرية عند بدء الانتقال الفعلي إلى 6G.

    ماهى توقعات السوق بالنسبة للمنافسة العالمية فى مجالG6  ؟

    ما يميز 6 عن الأجيال السابقة هو أن المنافسة العالمية بدأت مبكرًا جدًا حتى قبل وضع المواصفات الفنية النهائية أو تحديد معايير الشبكة. ففي الوقت الذي لا يزال فيه العالم يُكمل نشر شبكات 5G، بدأت قوى عالمية مثل الولايات المتحدة، الصين، كوريا الجنوبية، اليابان، والاتحاد الأوروبي في ضخ استثمارات ضخمة في الأبحاث والتطوير المتعلق بـ 6G في محاولة للسيطرة على المشهد مبكرًا، وتحديد اتجاهات هذه التكنولوجيا العالمية.تدرك هذه الدول أن من ينجح في وضع المعايير الفنية، وتطوير التقنيات والبنية التحتية للجيل السادس، سيكون له السبق في التحكم في سلاسل الإمداد العالمية، وفي الاقتصاد الرقمي القائم على الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، والبيانات الضخمة.. دعونا فيما يلى نذكر جهود هذه الدول :

    الصين وطموح الريادة العالمية : تُعد الصين من أبرز اللاعبين في سباق 6G حيث أعلنت شركات كبرى مثل هواوي وZTE عن إطلاق برامج متقدمة في البحث والتطوير، وقد بدأت الصين في إطلاق أقمار صناعية تجريبية لأغراض اختبار تقنيات الاتصال المستقبلية المرتبطة بـ6G وهو مؤشر على سعيها لامتلاك شبكة فضائية تكاملية تُدعم الشبكة الأرضية.

    كما تستثمر الصين في تقنيات الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية، والتي ستلعب دورًا حاسمًا في تشغيل شبكات 6الذكية. وتسعى بكين إلى ترسيخ مكانتها كقوة تقود تحديد المعايير الدولية الخاصة بهذه الشبكة في تحدٍ واضح للهيمنة الغربية التقليدية.

    الولايات المتحدة ومواجهة عبر الابتكار والتحالفات  : في المقابل تسعى الولايات المتحدة إلى ضمان تفوقها في هذا المجال عبر الابتكار والاستثمار في البحث العلمي المتقدم من خلال شركات مثل: Qualcomm، Intel، Apple، وGoogle  والتى بدأت بالفعل برامج تطوير لتقنيات الجيل السادس بالتنسيق مع مؤسسات بحثية كبرى وجامعات مرموقة.

    إضافة إلى ذلك تعتمد أمريكا على إنشاء تحالفات دولية مع أوروبا واليابان وكوريا الجنوبية ضمن تحالفات بحثية وتكنولوجية مفتوحة تهدف إلى بناء منظومة موحدة بعيدة عن النموذج الصيني وذلك لضمان "شبكات موثوقة وآمنة" حسب تعبيرها.

    أوروبا ساحة توازن وتحالفات تقنية : الاتحاد الأوروبي بدوره يسعى لتقليل اعتماده على التكنولوجيا الأمريكية والصينية من خلال مبادرات ضخمة مثل مشروع Hexa-X الذي تموله المفوضية الأوروبية لتطوير تقنيات 6ب بلتعاون مع شركات مثل نوكيا وإريكسون. ويهدف الاتحاد إلى بناء شبكة 6 تتميز بالخصوصية، الأمان، والكفاءة البيئية بما يتماشى مع القيم الأوروبية.ورغم أن أوروبا تأخرت نسبيًا في مجال 5مقارنة بالولايات المتحدة والصين، إلا أنها تسعى لعدم تكرار هذا السيناريو مع 6من خلال ضخ استثمارات استراتيجية وبناء شراكات دولية.

    كوريا الجنوبية واليابان والتفوق عبر الابتكار: كوريا الجنوبية المعروفة بتقدمها التكنولوجي دخلت مبكرًا في سباق 6عبر شركات مثل سامسونج ، وإل . جي حيث أعلنت عن خطط لإطلاق شبكة تجريبية بحلول عام 2028 قبل الموعد المتوقع عالميًا. وتهدف كوريا إلى أن تكون أول دولة تطلق خدمة تجارية حقيقية للجيل السادس مستندة إلى تفوقها في البنية التحتية الرقمية وخبرتها في نشر 5 بنجاح. اليابان أيضًا تسعى لقيادة السباق من خلال شركات مثل NTT وFujitsu  وSony مع تركيز خاص على تطوير شبكات هجينة بين الأرض والفضاء تعزز الاتصال في أي مكان وفي أي وقت حتى في الكوارث الطبيعية أو المناطق النائية.

    ماذا عن تواجد الدول العربية فى هذا السباق ؟

    الواقع أن مشاركة الدول العربية في سباق 6ل لا تزال في مراحلها الأولى وتتفاوت بشكل كبير من دولة إلى أخرى حسب الإمكانات الاقتصادية والبنية التحتية التكنولوجية والرؤية الاستراتيجية لكل دولة ، لكن يمكن القول أن هناك اهتمامًا متزايدًا من بعض الدول العربية المتقدمة تكنولوجيًا للدخول في هذا السباق ولو بشكل تدريجي،سواء من خلال دعم الأبحاث أو الشراكات الدولية أو الاستعداد المبكر للبنية التحتية واليكم بعض من هذه الدول :

    المملكة العربية السعودية:  السعودية تُعد من الدول العربية الرائدة في قطاع الاتصالات والتحول الرقمي وقد نجحت في تحقيق انتشار واسع لشبكات الجيل الخامس (5G) على مستوى المدن الكبرى. ومن خلال رؤية السعودية 2030 تسعى المملكة لأن تصبح مركزًا إقليميًا للتقنية والذكاء الاصطناعي. وقد أعلن مسؤولون سعوديون عن اهتمام مبكر بتقنيات 6G حيث تعمل مؤسسات مثل "مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية و (KACST) و"هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية" على متابعة التطورات العالمية في هذا المجال  بل وتدرس إقامة شراكات دولية مع كيانات تكنولوجية كبرى لتطوير القدرات المحلية في أبحاث 6G. . كذلك هناك اهتمام بمجالات مثل الأقمار الصناعية والاتصال الفضائي والتي ستكون جزءًا من شبكة 6 في المستقبل.

    الإمارات العربية المتحدة:  الإمارات أيضًا تُعد من الدول العربية التي تمتلك بنية تحتية متقدمة جدًا في مجال الاتصالات وقد كانت من أوائل الدول في المنطقة التي أطلقت خدمات الجيل الخامس تجاريًا. وتحت مظلة "الاستراتيجية الوطنية للابتكار المتقدم" تعمل الدولة على دعم الأبحاث والتقنيات المستقبلية بما فيها الذكاء الاصطناعي، المدن الذكية، وإنترنت الأشياء.وقد بدأت شركة "اتصالات الإمارات" و"دو" فعليًا في استكشاف الفرص في مجال 6G كما استضافت الدولة عدة منتديات ومعارض تقنية ناقشت مستقبل الاتصالات وشبكات الجيل السادس بمشاركة شركات عالمية.

    قطر: قطر تمتلك رؤية وطنية واضحة للتحول الرقمي وتُعتبر شبكة 5 منتشرة بشكل جيد داخل الدولة ، وهناك استثمارات متزايدة في مجال التكنولوجيا، والذكاء الاصطناعي، والبحث العلمي، خاصة من خلال مؤسسات مثل معهد قطر لبحوث الحوسبة (QCRI) التابع لمؤسسة قطر. وعلى الرغم من عدم وجود إعلانات مباشرة عن مشاريع 6 حتى الآن إلا أن المناخ البحثي والدعم الحكومي يشير إلى نية واضحة لتكون الدولة جزءًا من التوجه العالمي عندما تبدأ المرحلة العملية لتطوير G6  .

    مصر: باعتبارها من أكبر الدول العربية سكانًا تُركز حاليًا على توسيع تغطية شبكة 5G وتحسين جودة الإنترنت وتطوير الكوادر البشرية في مجالات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء. وهناك اهتمام حكومي متزايد بتقنيات الجيل السادس مع مشاركات بحثية محدودة في مؤتمرات دولية تتعلق بالتحول الرقمي والاتصالات المستقبلية. ومع استمرار الدولة في مشاريع التحول الرقمي وبناء "العاصمة الإدارية الذكية" قد يتطور هذا الاهتمام إلى مشاركة بحثية أو تجارية فعلية في 6 خلال السنوات القادمة، خاصة إذا وُجدت شراكات دولية قوية.

    ماالذي يجب ان تفعله الدول العربية لتعزيز وجودها في سباق 6G؟

    هى بحاجة إلى اتباع مسار استراتيجي متكامل يستند إلى الرؤية المستقبلية والعمل المنظم، ويبدأ هذا المسار من الاستثمار المبكر في البحث العلمي وهو حجر الأساس لأي تقدم تقني. لا بد أن توجه الدول العربية اهتمامًا أكبر نحو الجامعات ومراكز الأبحاثةوتوفير التمويل الكافي والدعم المؤسسي لها بما يسمح لها بتطوير حلول وتقنيات محلية خاصة تتماشى مع متطلبات 6 بدلًا من الاعتماد الكلي على الخارج . وفي الوقت ذاته فإن بناء شراكات استراتيجية مع دول رائدة مثل كوريا الجنوبية، اليابان، والاتحاد الأوروبي يمثل خطوة ذكية لتعويض الفجوة التكنولوجية. من خلال هذه الشراكات يمكن نقل المعرفة والمشاركة في تطوير المعايير العالمية والتعلم من التجارب المتقدمة مما يُكسب الدول العربية خبرات قيمة تضعها ضمن الدائرة المؤثرة عالميًا في هذا المجال. ولأن الاعتماد على الاستيراد وحده لا يخلق صناعة قوية يجب أن يتم تشجيع القطاع الخاص العربي على الدخول في مجال تصنيع تقنيات الاتصالات ودعم الشركات الناشئة وتقديم تسهيلات للمستثمرين في هذا القطاع الحيوي. أما العنصر البشري فهو العنصر الأهم في أي تقدم تقني ، لذلك لا يمكن الحديث عن مستقبل عربي في 6 دون تأهيل الكفاءات البشرية من خلال برامج تدريب متخصصة في مجالات دقيقة مثل علوم الحوسبة، الذكاء الاصطناعي، الشبكات المتقدمة، والأمن السيبران . وأخيرًا لا يمكن لأي دولة أن تنجح وحدها في هذا السباق،ولهذا يصبح من الضروري تعزيز التعاون العربي المشترك سواء عبر تبادل الخبرات أو إنشاء مراكز ابتكار إقليمية أو تمويل مشاريع بحثية جماعية تخدم المنطقة بأكملها. فمن خلال التكاتف والتكام يمكن للعالم العربي أن يصنع لنفسه مكانًا مستحقًا في خريطة الجيل السادس العالمي .

    " فى الختام يمكننا ان نؤكد بان الانتقال إلى 6 ليس رفاهية بل ضرورة حتمية في ظل التحولات الرقمية المتسارعة التي يشهدها العالم. فالدول التي تضع أسسها منذ الآن هي من ستقود الاقتصاد العالمي وتتحكم في مستقبل الصناعة والصحة والتعليم وحتى الأمن. وبينما تخطط القوى العظمى لتقنيات ما بعد الغد لا يزال أمام العالم العربي فرصة للحاق بالركب.لكن ذلك لن يتحقق إلا عبر خطوات حقيقية تبدأ بالاستثمار في البحث العلمي وتمكين القطاع الخاص وبناء كفاءات بشرية مؤهلة وتعزيز التعاون الإقليمي. الجيل السادس لن ينتظر أحدًا ومن يتأخر اليوم سيفقد غدًا موقعه على خارطة التكنولوجيا العالمية ".

     

    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن