أخر الأخبار

مؤشر الدولار (DXY) يعود إلى 98.70 وسط ترقب حذر لبيانات الخدمات الأمريكية: هل سيستمر الهبوط؟

  • بقلم : رانيا جول

     كبير محللي الأسواق في XS.com- منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA)

     

    مؤشر الدولار الأمريكي يعود مجددًا إلى مستوى 98.70 في بداية تعاملات الأسبوع، وهو أدنى مستوى له منذ عدة أشهر، مما يعكس حالة القلق المسيطرة على الأسواق بعد سلسلة من البيانات الاقتصادية الضعيفة والتطورات السياسية التي زادت من الضبابية بشأن السياسة النقدية المقبلة في الولايات المتحدة. وبرأيي، تراجع الدولار لم يكن حركة عابرة أو مرتبطة بتداولات محدودة في السوق الآسيوية، بل يعكس ضغوطًا متزايدة ناجمة عن بيانات التوظيف المتواضعة وتصاعد المخاوف بشأن استقلالية بنك الاحتياطي الفيدرالي، وهو ما قد يغير مسار العملة الأمريكية خلال الأشهر المقبلة بشكل جوهري.

    فالأرقام الأخيرة لتقرير الوظائف غير الزراعية جاءت محبطة بشكل واضح، إذ أضاف الاقتصاد الأمريكي 73 ألف وظيفة فقط في يوليو مقارنة بـ 147 ألف وظيفة في الشهر السابق، وهي قراءة أقل بكثير من توقعات المحللين عند 110 آلاف وظيفة. وارتفاع معدل البطالة إلى 4.2%، رغم أنه جاء متوافقًا مع التوقعات، يزيد من القلق بشأن تباطؤ سوق العمل، خاصة مع الانخفاض الواضح في مؤشر مديري المشتريات التصنيعي الذي هبط إلى 48 نقطة، ليؤكد انكماش القطاع. وفي رأيي، هذه الأرقام تمثل إشارة إنذار حقيقية للاحتياطي الفيدرالي الذي بدأ بالفعل يواجه ضغوطًا قوية من الأسواق لاتخاذ خطوات سريعة لخفض أسعار الفائدة بهدف دعم النمو ومنع دخول الاقتصاد في ركود محتمل.

    كما أن رد فعل الأسواق كان فوريًا، حيث ارتفعت رهانات المستثمرين على خفض الفائدة إلى 84% لاجتماع سبتمبر، مع تسعير الأسواق حاليًا خفضين إضافيين بحلول نهاية العام وربما خفضًا ثالثًا بنسبة احتمالية 40%. وهذا التحول السريع في توقعات السياسة النقدية يضع الدولار في موقف ضعيف أمام العملات الرئيسية، إذ يدرك المستثمرون أن دورة التيسير النقدي التي كان يُتوقع أن تبدأ بشكل تدريجي قد تتحول إلى خطوات أكثر حدة إذا استمرت البيانات الاقتصادية في التدهور. ومن وجهة نظري، أرى أن استمرار ضعف سوق العمل مع بقاء الضغوط التضخمية تحت السيطرة يمنح الاحتياطي الفيدرالي مبررًا قويًا لتبني سياسة نقدية أكثر مرونة في وقت أقرب مما كان متوقعًا سابقًا.

    ولدينا جانب آخر يزيد من تعقيد الصورة هو تجدد القلق بشأن استقلالية الاحتياطي الفيدرالي بعد الاستقالة المفاجئة لعضو مجلس المحافظين أدريانا كوغلر، بالتزامن مع توترات متصاعدة بين الإدارة الأمريكية ورئيس الفيدرالي جيروم باول. فإقالة مفوضة مكتب إحصاءات العمل من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عقب صدور تقرير وظائف مخيب للآمال، والحديث عن أخطاء كبيرة في تقدير البيانات، يثير مخاوف بشأن تدخل سياسي مباشر قد يؤثر على مصداقية الأرقام الاقتصادية وعلى قرارات السياسة النقدية في المرحلة المقبلة. وبرأيي، هذا العامل السياسي قد يضعف ثقة المستثمرين في استقرار السياسة النقدية الأمريكية ويزيد الضغوط على الدولار بشكل ملحوظ إذا تصاعدت هذه التدخلات أو انعكست على توجهات الفيدرالي.

    والتصريحات الأخيرة لماري دالي، رئيسة الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو، جاءت لتؤكد هذا الاتجاه؛ إذ أشارت إلى أن الوقت يقترب لخفض أسعار الفائدة في ظل تراجع سوق العمل وغياب مؤشرات على تضخم ناتج عن الرسوم الجمركية. هذه التصريحات تدعم وجهة النظر القائلة بأن الفيدرالي أصبح أقرب من أي وقت مضى لتبني سياسة أكثر تيسيرًا، وهو ما يتماشى مع توقعاتي بأننا سنشهد على الأقل خفضين للفائدة قبل نهاية 2025، مع احتمال ثالث إذا لم تظهر علامات واضحة على تعافي سوق العمل بحلول نهاية الربع الرابع. هذا المسار سيضغط بطبيعة الحال على مؤشر الدولار، الذي قد يختبر مستويات 97.50 إذا جاءت البيانات القادمة سلبية.

    ورغم هذه الصورة القاتمة نسبيًا، ما زالت الأسواق تترقب تقرير مؤشر مديري المشتريات الخدمي من معهد إدارة التوريدات(ISM)، المتوقع صدوره في وقت لاحق اليوم. التوقعات تشير إلى تحسن طفيف نحو 51.5 نقطة من 50.8 سابقًا، وهو ما قد يمنح الدولار دعمًا مؤقتًا إذا جاءت النتائج أعلى من التقديرات. لكن برأيي، حتى مع قراءة إيجابية نسبيًا، فإن تأثيرها سيكون محدودًا وقصير الأجل نظرًا لثقل بيانات الوظائف وتغير توقعات الفائدة، إذ يحتاج الدولار إلى سلسلة بيانات قوية ومتتالية لإعادة بناء الثقة في قدرته على التعافي.

    فالأسواق اليوم ليست فقط في حالة ترقب للبيانات الاقتصادية، بل تراقب أيضًا المسار السياسي وتأثيره المحتمل على السياسة النقدية. وأي إشارات جديدة من الإدارة الأمريكية بشأن تدخلها في بيانات التضخم أو محاولاتها للتأثير على قرارات الفيدرالي قد تؤدي إلى رد فعل سلبي فوري في الأسواق المالية. وفي المقابل، إذا تمكن الفيدرالي من التأكيد على استقلاليته وتقديم خطة واضحة لخفض الفائدة بطريقة تدريجية ومدروسة، فقد يحد ذلك من تراجع الدولار ويعيده نحو مستوى 100 على المدى المتوسط.

    وفي المجمل، أرى أن الدولار الأمريكي يواجه تحديات متعددة تتراوح بين تباطؤ اقتصادي ضاغط، وتوقعات متزايدة بخفض الفائدة، وتوترات سياسية تهدد مصداقية السياسات النقدية. والمسار الأقرب للعملة الأمريكية يميل إلى الهبوط في الأجل القصير، خصوصًا إذا جاءت بيانات الخدمات اليوم أو بيانات التوظيف المقبلة أضعف من المتوقع. ومع ذلك، لا يمكن استبعاد سيناريو الارتداد إذا تمكنت المؤشرات الاقتصادية من إظهار تحسن ملموس واستطاع الاحتياطي الفيدرالي إدارة خفض الفائدة بطريقة تحافظ على ثقة المستثمرين. حتى يحدث ذلك، يبقى مؤشر الدولار تحت الضغط، وتبقى المستويات الحالية مرشحة لاختبار مزيد من الانخفاض قبل أي محاولة جادة للتعافي.

    التحليل الفني لـ مؤشر الدولار ( DXY ):

    يظهر الرسم البياني لمؤشر الدولار الأمريكي (DXY) على إطار الأربع ساعات استمرار الضغوط البيعية بعد الارتداد القوي من القمة الأخيرة عند مستوى 100.50 تقريبًا. فقد المؤشر زخمه الصاعد سريعًا، ليهبط دون مستوى تصحيح فيبوناتشي 23.6% ويستقر حاليًا بالقرب من مستوى 98.75 عند منطقة الدعم 38.2%، ما يعكس ضعف الزخم الإيجابي في الوقت الراهن. ومؤشر ستوكاستيك أيضًا يتحرك في مناطق تشبع بيعي، مما يشير إلى احتمالية ارتداد تصحيحي محدود على المدى القريب.

     

     

    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن