بقلم : احمد عسيري
المحلل الاستراتيجي للابحاث في " Pepperstone "
خفض الفائدة الأسترالية كإضافة جديدة إلى سلسلة إشارات التيسير النقدي العالمي، حيث قرر البنك الاحتياطي الأسترالي تقليص الفائدة إلى 3.60% في ثالث خفض هذا العام، مع الإشارة إلى أن القرارات المقبلة ستكون من اجتماع إلى اجتماع اعتمادًا على البيانات الاقتصادية. ورغم الحذر الرسمي، فإن الأسواق تسعّر فعليًا خفضًا في كل اجتماع متبقٍ حتى نهاية العام، وكأنها ترى أن مسار التيسير أصبح هو القاعدة حتى إشعار آخر. هذا التطور ليس بمعزل عن المشهد العالمي، بل جاء في بيئة تتسم بتراجع تدريجي في معدلات التضخم في بعض الاقتصادات ولو كان لا يزال لزق، وتزايد التوقعات بأن البنوك المركزية في أكثر من منطقة باتت أقرب لمرحلة تخفيف القيود التي فرضتها السنوات الأخيرة.
التأثير كان واضح على الدولار الاسترالي AUDUSD، حيث فقد الدولار الأسترالي بعضًا من زخمه أمام العملات الرئيسية، وهو ما يترجم جزئيًا التوقعات بتقليص فجوة العوائد مع الدولار الأميركي. ورغم أن خفض الفائدة الأسترالية كان متوقعًا، إلا أنه يعكس إيقاعًا أوسع في الأسواق، حيث تتجه الأنظار إلى قرارات مشابهة أو على الأقل توجهات من بنوك مركزية أخرى، في وقت يشهد فيه المزاج الاستثماري دفعة من عوامل خارج السياسة النقدية أيضًا.
أحد أبرز هذه العوامل جاء من واشنطن وبكين، إذ أُعلن عن تمديد الهدنة التجارية بين الولايات المتحدة والصين، ما أزال مؤقت واحدة من أهم مواضع القلق الجيوسياسي والاقتصادي في الأسواق العالمية. صحيح أن الهدنة لا تعني حلًا جذريًا للخلافات الهيكلية بين القوتين الاقتصادية، لكنها تخفف الضغط على الاستيراد وتساعد على استقرار أسعار السلع الصناعية. هذه الخطوة تنعكس بشكل خاص على اقتصادات تعتمد على الطلب الصيني، مثل أستراليا ودول أخرى مصدّرة للمواد الخام.
في أسواق الأسهم، جاءت ردود الفعل متباينة لكن يغلب عليها الطابع الإيجابي، فالمؤشرات الآسيوية لامست مستويات قياسية مدفوعة بارتياح المستثمرين حيال تراجع المخاطر التجارية، بينما واصلت المؤشرات الأميركية تداولها في نطاقات ضيقة نسبيًا بانتظار بيانات التضخم الأميركية التي صدرت بالأمس.
على صعيد العملات، جاءت بيانات التضخم الأميركية لشهر يوليو لتكسر حالة الترقب، حيث أظهرت الأرقام أن المؤشر العام ارتفع بنسبة 0.2% على أساس شهري مطابقًا للتوقعات، فيما استقر على 2.7% سنويًا دون تغير عن الشهر السابق وأقل قليلًا من التقديرات البالغة 2.8%. لكن المفاجأة كانت في التضخم الأساسي، الذي استقر عند 0.3% شهريًا و3.1% سنويًا، متجاوزًا التوقعات البالغة 3.0% ومؤكدًا استمرار بعض الضغوط الكامنة في الأسعار، خصوصًا مع تسجيل تضخم السلع الأساسية 1.2% على أساس سنوي، وهو الأعلى منذ يونيو 2023، ما يعكس أثر الرسوم الجمركية وقيود العرض.