بقلم : د . عادل دانش
خبير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات
في زمنٍ مضى، كانت العمرة رحلةً للروح، لا صفقةً تُعرض على الهاتف، ولا جائزةً تُسحب من صندوقٍ مجهول.
كانت تُؤدى بخشوع، لا تُباع على الأرصفة، ولا تُقسط كما تُقسط الأجهزة المنزلية.
أما اليوم، فقد تغيّر وجه المجتمع، وتبدّلت ملامحه، حتى أصبحت العمرة حلمًا للفقراء، وفخًا للمخدوعين.
مكالمة هاتفية، بصوتٍ واثق، يخبرك أن اسمك "طلع في السحب"، وأنك "كسبت معنا عمرة مجانية".
لا أحد يعرف من أين جاء السحب، ولا كيف دخل الاسم، لكن الفقراء يصدقون، لأنهم يريدون أن يصدقوا.
ثم تبدأ الحكاية: رسوم بسيطة، تحويل بنكي، صورة البطاقة، وربما رقم الحساب.
وفي لحظة، يتحول الحلم إلى سراب، والفرحة إلى خديعة، والنية الطيبة إلى استغلال.
هؤلاء لا يبيعون العمرة، بل يبيعون الأمل.
يستغلون الشوق إلى بيت الله، ويحولونه إلى وسيلة للنصب، في مجتمعٍ أنهكته الحاجة، وأرهقته الظروف.
الطبقة الكادحة، التي كانت تحلم بالعمرة كملاذٍ من قسوة الحياة، أصبحت الآن هدفًا لعصاباتٍ تعرف جيدًا كيف تبيع الوهم.
فهل أصبح الإيمان تجارة؟ وهل تحولت الرحلة المقدسة إلى إعلانٍ ترويجي، ومكالمةٍ خادعة؟
في الأسواق، ترى الإعلانات: "عمرة بالتقسيط"، "رحلة إيمانية تبدأ من ١٠٠٠ جنيه شهريًا".
وفي الهواتف، تسمع الوعود: "مبروك يا حاج، كسبت معنا عمرة".
لكن لا أحد يخبرك أن وراء هذه الوعود وجوهًا لا تعرف الله، ولا تخشى الحساب.
لقد أصبح التدين في مجتمعنا أكثر حضورًا، لكنه لا يخلو من ألم، ولا من استغلال.
وحين يصبح الإيمان وسيلة للنصب، فإننا بحاجة إلى أن نسأل أنفسنا:
هل منحنا الناس ما يكفي من الكرامة ليعبدوا الله وهم واقفون، لا منكسرون؟