بقلم : خالد حسن
رغم مرو نحو 47 عام على حرب السادس من اكتوبر 1973 ، العاشر من رمضان ، والانتصار الساحق للقوات المسلحة المصرية على العدوان الاسرائيلى الا أنه ما أحوجنا هذه الايام لاستلهام قوة الروح والعزمية وإرادة التحدى والإبداع فى طرح الحلول التى تجلت فى أروع صورها خلال هذا الانتصار العسكرى التاريخى لاسيما وأن هذه الأشياء موجودة بداخل كل واحد منا ولكن فقط تحتاج منا إلى استدعها وإحياءها وتفعيلها مرة أخرى .
ولعل من أهم ما اكدته انتصار أكتوبر المجيد هو امتلاك المقاتل المصرى لقدرة كبيرة فى الابداع لتطويع وعظيم الاستفادة من الأدوات التكنولوجيا، البسيطة التى كانت متاحه له ، كانت أكبر مفاجئة أربكت كافة حسابات العدو الاسرائيلى وجعلته يعيش فى كابوس لم يخطر له حتى فى أسوء أحلامه .
والجميع يعلم انه لو التدخل الامريكى المباشر لصالح العدوان الاسرائيلى ، بداية من يوم 11 أكتوبر 1973 عندما اعلنت جولد مائير رئيس الوزراء الاسرائيلية انقذوا اسرائيل ، لكانت الهزيمة والخسائر الاسرائيلية اكبر بكثير مما حدث حيث أدى هذه التدخل الامريكى الى إبطاء وتيرة العمليات القتالية المصرية كما اكد المحللون العسكريون أنه لم تكن المفاجأة الكبرى فى حرب أكتوبر 73 " المجيدة " هى قرار الحرب ، رغم أنه أخذ الجميع على غير توقع أو انتظار وبالرغم من ضخامة الحدث وقوة الزلزال وبالرغم من كل التداعيات المتسارعة التى نجمت عن ملحمة العبور ، إلا أن المفاجأة الحقيقية فى كل ذلك كانت ولا تزال قوة وصلابة وإبداع الإنسان والمقاتل المصرى وحبه لوطنه واستعداده الكامل للدفاع عن ترابه الوطنى وتقديم روحه ودمه فداء لكل حبة رمل من أرضه الطاهرة ، ورفضه كل محاولات إرغامه على القبول بالهزيمة والتسليم بالعجز عن المواجهة والرضا بالواقع .
وفى اعتقادى أنه من أهم المفاجأت ايضا هى انتفاضة المقاتل المصرى ونهوضه من كبوته فى مدة وجيزة من عمر الزمن ، لم تتجاوز السنوات الست رغم توقع الأعداء بأنه يحتاج لعشرات السنوات للخروج من المحنة ، فالمقاتل المصرى على جميع المستويات عندما اتيحت له الفرصة للقتال أثبت قدرته على المواجهة حتى تحت ظل الاحتلال و ظهرت واضحة للعالم واسرائيل عندما نجح مهندس مصرى فى ابتكار حل تقنى لتحطيم خط باريف الحصين باستخدام تكنولوجيا قوة الدفع المائى وهو ما لعب دورا محوريا فى تحديث التكنولوجيا العسكرية على الصعيد العالمى فى فترة مابعد الحرب وتعديل الكثير من النظريات العسكرية .
كذلك تجلت ابداعات ا6 كتوبر فى جميع المواقع على طول الجبهة بداية من قدرة وكفاءة المقاتل المصرى ، فى استخدام الأدوات التكنولوجيا المتاحة واستخدام قوة المياه للقضاء على خط بارليف الحصين آنذاك وتطويعها لتحقيق اهدافه ، وكذلك قيام الطياريين المصريين بالتحليق على مستوى منخفض للغاية للهروب من الرداد وتحقيق 90 % من اهداف الضربة الجوية الاولى وبخسائر 2.5 % فقط ، حيث ادى هذا النجاح الى الغاء الضربة الجوية الثانية ، كما لفرقة الاسلحة الميكانيكية قصة ابداع فى مد الجسور لعبور قناة السويس فى وقت زمنى قياسى على كافة المستويات .
ما أحوجنا جميعا هذه الايام ، ولاسيما الشباب والاطفال الذين لم يعصروا حرب أكتوبر المجيدة ، أن نستعيد جميع ذكريات هذا الانتصار والتعلم من دروسه الكثيرة وأهمها ان الايمان بقدراتنا على الإبداع وطرح الحلول الجديدة والتدريب والتأهيل ووضع الخطط الاستراتيجية لخداع العدو ، أى الأخذ بالأسباب ، ثم التوكل على الله يؤدى إلى تجلى قدرات الإنسان المصرى وتحقيقه المعجزات حتى فى أحوج وأشد الظروف صعوبة .
في تصورى ان قدرة وإبداع الانسان والجندى المصرى فى حرب اكتوبر 73 مازالت تثير قادة اسرائيل من العسكريين بعد 47 عاما من انتصار حرب اكتوبر التاريخى وعلى أعلى مستوى حيث حذر ايهود باراك ،وزير الدفاع الاسرائيلى السابق ، القوات الاسرائيلية من الاستسلام لحالة السلام الخادع وهو يؤكد ان حرب اكتوبر تستوجب اليقظة الكاملة والحفاظ على الروح القتالية للجنود ، وتبدو فى كلماته تقديره لخطورة حرب اكتوبر التى هزمت نظرية الجيش الذى لا يقهر فحرب أكتوبر كانت احدى التجارب المحورية فى تاريخ اسرائيل وأحدثت انقلابا فى السياسة الاسرائيلية لدرجة أن المؤرخين أطلقوا عليها الحرب الكبرى الأخيرة وهى الحرب التى مهدت طريق السلام ، فالحرب حطمت للاسرائيليين كل الأساطير التى نشأوا عليها .
كما أدركت اسرائيل بعد الحرب انه ليس بمقدورها توسيع رقعتها الجغرافية من خلال الغزوات العسكرية كما حدث فى عام 1967 وأظهرت لغالبية الاسرائيلين أنه ليس بأمكانهم التوسع أكثر ، وكما قال الرئيس السابق حسني مبارك ، قائد الضربة الجوية الساحقة ، حرب اكتوبر 73 كانت نقطة تحول كبيرة فى تاريخ اسرائيل أثرت على الحياة الاجتماعية والنظام السياسى ،فبعد مرور كل هذه السنوات على تلك الحرب مازالت حالة القلق والتوتر يعانى منها المجتمع الاسرائيلى حتى ان يؤكد قادة الجيش الاسرائيلى قال لابد ان يبذل الجيش الاسرائيلى كا مابوسعه لتجنب مفاجأته كما حدث فى عام 73 .
كما عكست حرب السادس من أكتوبر ارادة سياسية عربية فى المقام الأول وعبر الرئيس البطل الراحل محمد انور السادات ، بطل الحرب والسلام ، عن هذا صراحة بقوله ان الشعور القومى العربى أدى دورا أساسيا فى حرب أكتوبر فالتفاف الدول العربية حول دول المواجهة وماقدمته من تأييد معنوى ومادى واستخدامها لسلاح البترول كل ذلك أسهم بلا شك فى تحقيق النصر فالملوك والرؤساء العرب ومن خلفهم شعوبهم كانوا سندا فى المعركة وربما كان من أهم نتائج حرب أكتوبر خروج القومية العربية من حيز الشعار الى حيز العمل وأصبح العالم كله يعترف بالوجود العربى والدور العربى وقدرة الانسان العربى على ابداع الحلول التكنولوجية وتعظيم الاستفادة من قدراته العقلية والتنظيمية وذلك مع استخدام السعودية ودول الخليج لسلاح البترول وقيام الجزائر بمساعدة مصر ومدها بالاسلحة الروسية وكتيبة كامل من الجنود والضباط .
ولعله من المهم ان نؤكد ان روح الابداع المصرى لم تكن وليدة حرب اكتوبر 73 فقط وانما منذ فجر التاريخ ونجد أن المصرى بطبيعته إنسان مبدع فهو اول من عرف العالم كيف الكتابة وحساب الوقت وعلوم الفلك والفضاء والطب والتحنيط وتكنولوجيا الهندسة والزارعة والكثير من العلوم التى مازال العالم يقف أمامها إجلالا واحتراما لعقلية الإنسان المصرى المبدع منذ الأزل .
نؤكد أن النصر لم يتحقق بالعدة والعتاد ولكن بالعلم والأيمان وتطبيق استراتيجية ابتكار الحلول الجديدة ..وتحية عرفان بالجميل لجميع ابطالنا وشهداءنا الذين ضخوا بأراوحهم الذكية لاستعادة الأرض وكرامة المصرى ودعوة إلا ننسى ذكرى ودروس حرب أكتوبر حيه فى وجداننا جميعا .