بقلم : خالد حسن
رغم أن الدعوة لربط مراكز البحث والتطوير بالاحتياجات الفعلية لكل مؤسسات الأعمال ليس بالجديدة وإنما هى مطلب أساسي للجميع إلا أنه خلال أحد لقاءاتي ، منذ نحو 9 سنوات على هامش افتتاح مركز للبحوث الهندسة الوراثية والبيوتكنولوجيا بإحدى دول الخليج العربي ، مع العالم المصري الراحل الدكتور أحمد زويل ـ أستاذ الكيمياء والفيزياء لدى معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا ، الحائز على جائزة نوبل في الكيمياء ، كان سؤالي متى سنقضي على مشكلة " الجزر المنعزلة " لمراكز الأبحاث العربية إذ حتى الآن لم ننجح في وضع الآلية المناسبة لتحقيق هذا الهدف خاصة مما جعل فكرة " ربط مراكز البحث العلمي بالمجتمع " مجرد شعار مرفوع من الخدمة .
لا أحد ينكر أهمية توافر عنصر التمويل والإمكانيات الفنية والأدوات التكنولوجية الحديثة لدعم وتوطين صناعة البحث العلمي في الدول العربية بصورة عامة ومصر بصورة خاصة لكونها تضم أكبر قاعدة علمية في المنطقة العربية والأفريقية والجميع يعلم أن حضارة الإنسان وتطوره التقني (التكنولوجي) في العصر الحديث شهد قفزات وطفرات وثورات علمية أحدثت تغييراً وتطوراً جوهرياً في الحياة البشرية، فالأحداث العلمية تتوالى بسرعة مذهلة، وآثارها لا يكاد يدركها خيال؛ فمن ثورة التركيب الذري، إلى ثورة الإعلام، إلى ثورة الاتصالات، إلى ثورة الفضاء، إلى ثورة الإلكترونات، إلى ثورة المعلومات، إلى ثورة الذكاء الاصطناعي، ثم إلى ثورة الهندسة الوراثية.
وأكد لي العالم المصري أن العالم العربي تحول إلى مستهلك أو متفرج على هذه الأدوات التقنية، وأنه حان الوقت لأن يكون للعالم العربي نصيب – ولو كان ضئيلاً- في استثمار التقنيات الحديثة ومنها النانو تكنولوجي والهندسة الوراثية والمشاركة في تشكيلها وتطبيقها؛ حتى لا يزداد اتساع الفجوة الحضارية الضخمة التي تباعد بيننا وبين الدول الصناعية الكبرى، ولاسيما أن العالم العربي يمتلك أسس هذه التقنية، وهى الموارد الوراثية .
ومن هنا وفي ظل تزايد الاهتمام المصري المتزايد بتشجيع مشروعات البحث العلمي وتوطين ثقافة الابتكار لاسيما القادرة على تطوير حلول إبداعية للعديد من المشاكل المجتمعية التي نواجهها على المستوى المحلي والعربي والإقليمي فإنه بات من الضروري وجود نوع التنسيق والتكامل بين جهود البحث العلمي بين المئات من مراكز البحث العلمي سواء في الجامعات المصرية أو المراكز البحثية القومية أو المراكز البحثية التابعة للعديد من الجهات الحكومية .
ولعل ما شهده الأسبوع الماضي من نماذج إيجابية في غاية الأهمية للتعاون والشراكة في مجال البحث العلمي يمكن أن تكون محفزات قوية للقضاء على المشكلة الأزلية للبحث العلمي في مصر وهى " الجزر المنعزلة " ويجب التوقف أمامها وتسليط الضوء عليها .
أولى هذه النماذج المضيئة تمثل في توقيع اتفاقيتي تعاون بين وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ، وجامعتى عين شمس والمنصورة، لتنفيذ مشاريع بحثية تطبيقية لتطوير حلول مبتكرة في مجالات مختلفة باستخدام أحدث تقنيات الاتصالات والتكنولوجيا يمكن ان تكون النواة الرئيسية لترسيخ مبدا التحالف والتعاون التكاملي ببين المراكز البحثية لتتضافر جهود وإمكانياتها البشرية والفنية التقنية والمالية في عدد من المشروعات التي يمكن من خلال تحقيق إنجازات ملموسة على أرض الواقع تمس المواطن ويستطيع أن يستفيد منها بصورة مباشرة خاصة بمجال الرعاية الصحية .
وتهدف الاتفاقيتان لتسخير كل الإمكانيات وتبادل الخبرات بين مركز الابتكار التطبيقي التابع لوزارة الاتصالات ، ومركز الابتكار وريادة الأعمال بجامعتي عين شمس والمنصورة؛ بهدف تطبيق أحدث التقنيات لتطوير حلول مبتكرة لحل مسائل عملية مهمة في مجالات حيوية، على أن يتم البدء في تنفيذ مشروع بحثى تطبيقي مشترك لخدمة مرضى السكري من خلال بناء نظام متكامل للكشف المبكر عن اعتلال الشبكية السكرى باستخدام آليات رقمية وتقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة " AI " في التقاط صور لقاع العين وتحليلها لاسيما مع نجاح مركز "الابتكار التطبيقي " بوزارة الاتصالات على مدار أكثر من عام بتطوير حل تكنولوجي للكشف المبكر عن اعتلال الشبكية السكري باستخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ومن الضروري لبدء التشغيل التجريبي لجعل النظام أكثر دقة، ونشره في باقي أنحاء الجمهورية .
اما النقطة الثانية المضيئة فتمثل في موافقة الدكتور خالد عبد الغفار ـ وزير التعليم العالى والبحث العلمى على إنشاء "الحاضنة التكنولوجية للصحة والمنتجات الصيدلية"، و"الحاضنة التكنولوجية لتعميق التصنيع المحلي" التابعتين للمركز القومي للبحوث وهما يعتبران بمثابة أول حاضنتين تكنولوجيتين من نوعهما في كل المراكز والمعاهد البحثية التابعة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وباكورة تفعيل قانون حوافز العلوم والتكنولوجيا والابتكار ولائحته التنفيذية رقم 23 لسنة 2018.
ووفقا للقرار سيتركز نشاط الحاضنة التكنولوجية للصحة والمنتجات الصيدلية في دعم وتوفير خدمات الأعمال والاستشارات الفنية والعلمية لمشروعات البحث العلمي والشركات الناشئة والأفكار؛ التي تستهدف تعميق التصنيع المحلي في تكنولوجيا منتجات الرعاية الطبية، وتكنولوجيا إنتاج المجموعات التشخيصية واللقاحات مثل إنتاج الكواشف الطبية، وكذلك تكنولوجيا منتجات النباتات الطبية والعطرية مثل إنتاج المستخلصات النباتية ذات الاستخدام العلاجي، بالإضافة لتصنيع الخامات الصيدلية وحزم تكنولوجية لإنتاج الخامات الدوائية، وغيرها من المشروعات المرتبطة بالقطاع الصحي والدوائي .
في حين أن النشاط الخاصة بالحاضنة التكنولوجية لتعميق التصنيع المحلي يتمثل في المساهمة في تعميق التصنيع المحلي بدعم وتوفير خدمات الأعمال والاستشارات الفنية والعلمية لمشروعات البحث العلمي، والشركات الناشئة والأفكار في كل المجالات الهندسية، والكيميائية، والبيوتكنولوجية، والمنسوجات، والكيماويات التقنية والوظيفية في التطبيقات الصناعية والزراعية والطبية المختلفة.
في النهاية نؤكد أن مثل هذه النماذج من الشراكات العلمية يمكن أن تشكل حلقة وصل بين البحث العلمي والتطبيق العملي بما يعود بالنفع على المواطن والدولة ومن الضروري التوسع في تعميمها سواء فيما بين مراكز البحث العلمي المحلية أو بين المراكز البحثية المحلية ونظيرتها العربية والعالمية لتبادل الخبرات والمعرفة وبما ينعكس إيجابيا على إثراء البحث العلمي الذي يفيد البشرية ويحسن من نمط حياة البشر بصفة عامة وحل المشاكل التي يواجهها المجتمع العالمي على كوكب الأرض .