بقلم : خالد حسن
لعل من أهم مظاهر العالم الرقمي الذى نعيشه حاليا هو الانتشار الواسع لاستخدام شبكات التواصل الاجتماعى العالمية وظهور أشخاص يملكون وظائف وليدة حديثًا بات يطلق عليهم ” المؤثرين ” او البعض يطلق على نفسه " صانع محتوى " على وسائل شبكات التواصل الإجتماعي. في الأساس، هؤلاء هم الأشخاص الذين لديهم عدد كبير من المتابعين على الشبكات الإجتماعية العالمية ، وبصفة خاصة إنستاجرام يليها اليوتيوب ثم الفيسبوك ، حيث أن الأشياء التي ينشرونها، ويقولونها ويفعلونها، لديها فرصة في ” التأثير ” على المتابعين، مثل حضور حدث، وشراء منتج، وما إلى ذلك.
فى الحقيقة باتت شبكات التواصل الاجتماعى العالمية وتطبيقات الدردشة هى بمثابة الانترنت ومن ثمة فان غالبية مستخدميها باتوا يستغنون بها عن الدخول لجميع مواقع الالكترونية على الانترنت جميع المستخدمين ، وتؤكد الدراسات ان 75 % من مستخدمى الانترنت يستخدمون احد مواقع التواصل الاجتماعى على الاقل بشكل يومى لما يتراوح بين 2- 4 ساعات فى المتوسط ، وما ادى لظهور العديد من المشاكل التى أتت بها هذه الشبكات ومنها الحسابات المزورة و الوهمية على التواصل الاجتماعي والتى يقوم البعض باساء استخدامها بصور شتى مما يشكل تهديدا لمستقبل هذه الشبكات ومصداقيتها .
عن تغلل بل وأقتحام شبكات التواصل الاجتماعي العالمية لحياتنا بصورة كبيرة فأحدث تغيرات جذرية فى نمط حياتنا وسلوكيات ابنائنا واصبحت الاستخدام السيىء لهذه المنصات يشكل تهديد كبير لاستقرار مجتمعنا على كافة المستويات ، وليس السياسى والاجتماعى فقط ، وباتت للاسف منصات للاستغلال السب والقذف وإفضاء الأسرار وتشويه الشخصيات ونشر الاشاعات وتداول الاكاذيب ناهيك علن تفاقم مشاكل " المؤثرين " الامر الذى اخرج هذه الشبكات من دورها الاساسى كوسيلة للتواصل والتقارب وتبادل المعرفة بين البشر .
وبالطبع فان غالبية هؤلاء الاشخاص " المؤثرين " يسعون بشتى الطرق والوسائل الى جنى الأموال باى اسلوب وأى طريقة وأى سلوك عبر صفحاتهم على شبكات التواصل الاجتماعى ، وبصرف النظر عن انهم يلجأون الى أساليب تسويقية غير شريفة وغير اخلاقية لجذب المزيد من المشاهدين او المتابعين لهم ، فان النظرة العامة أن المحتوى المقدم هو محتوى من أجل كسب المال فقط لا أكثر و لا أقل والنجاح بالنسبة لهم له معيار واحد فقط هو جنى الأرباح بشتى الوسائل وهو ما أصبح يثير الكثير من الغضب لدي كافة مستخدمى شبكات التواصل الاجتماعى والرأى العام وهذه ليس فى مصر فى ولكن فى كافة الدول العربية و العالم .
وعلى المستوى المحلي شهدت السنوات الأخيرة صدور أحكام قضائية ضد الكثير من هؤلاء المؤثرين لتدنى المستوى الاخلاقى للمحتوى الذي يتم تقديمه ومخالفته للتقاليد والأعراف وتكسير القيم المجتمعية كذلك أحالت النيابة العمومية في تونس 5 مؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي إلى المجلس الجناحي، بسبب المخالفات الأخلاقية ، في انتظار محاكمتهم، بسبب المنسوب إليهم ومنها التهم الموجهة إليهم "التجاهر بالفحش، ومضايقة الغير عبر شبكات التواصل الاجتماعي" وغيرها من التهم ذات الصبغة الأخلاقية.
وانا شخصيا تعرضت ، مؤخرا ، لقيام أحدهم باطلاق صفحه " مزورة " باسمي على موقع الفيسبوك مستغلا سرقة احد صورى " الموجود على صفحتى ، وقيامه بدعوة المستخدمين للاعجاب بالصفحة " المزورة " وللاسف انخدع بعض الاصدقاء وظنوا انها صفحتى وشاركوا باعجابهم بالصفحه " المزورة " وقمت بالتواصل مع ادارة الفيسبوك بحدوث احتيال على صفحتى وحسابي وبعد تاكدهم قاموا بوقف الحساب المزور ولكن لم أتمكن من معرفة من الذى قام بانشاء هذا الصفحة خاصة وأن قانون مكافحة الجريمة الالكترونية ، الذى صدر فى ابريل من عام 2019 ، ينص علي تجريم كل من يقوم بانتحال شخصية اى مواطن واعتبارها جريمة يعاقب عليها بالحبس او الغرامة المالية .
كذلك من المخاطر التى تتيحه هذه المواقع أنها تشكل منصة لإطلاق وانتشار المعلومات التي لا تخضع للرقابة وعدم المصداقية فهي مجرد آراء وأفكار لأصحابها إلا أنها سرعان ما تنتشر وتصبح بمثابة رأى عام وقوة ناعمة ضاغطة نحو تأجيج الأوضاع وهنا للاسف اصبحت امام ظاهرة الكتائب الالكترونية والتى تقوم بنشر الاخبار المفبركة والشائعات والعمل على الترويج لها وزيادة تداولها على اكبر قاعدة من مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعى وخاصة " الفيسبوك وتوتير " ...
وفى الحقيقة أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي ، وبدون ذنب ، تمثل عبئا كبيرا على الوضع الأمني للكثير من دول المنطقه، الذي يعاني من تدهور كبير في إمكانياته الاقتصادية والمالية ناهيك عن عدم اعتياده على التعامل مع هذه الوسائل التكنولوجية الجديدة ، فما يكاد تمر ساعة زمن إلا وتجد هناك شائعات واخبار غير موثقة وفاقدة للمصداقية ومجرد أراء شخصية تفتقد الخبرة والمهنية والتفرغ إلى ادارة صراعات ومعارك بين أبناء الوطن لاقتسام الغنائم وننسى أن الأهم الآن هو التفكير في توحيد رؤيتنا لمستقبلنا جميعا للحفاظ على وطننا مصر .
ومؤخرا استضافتنى ،اذاعة 90 / 90 على الراديو ، للحديث عن تفاقم ظاهرة الشائعات على مواقع التواصل الاجتماعى وكيف التعامل معها من جانب الجهات الحكومية ؟ وما هو دور المستخدمين فى التاكد من موثقية هذه الاخبار الغير الصحيح والتى يتم نشرها على مواقع مجهولة ومن ثمة اعادة تحميلها على صفحات مواقع شبكات التواصل الالجتماعى العالمية واشهرها تداولا فى السوق المصرى " الفيسبوك وتوتير "
و سواء أتفقنا او أختلفنا على أهمية مواقع شبكات التواصل الاجتماعى العالمية ” وعلى رأسها الفيسبوك وتوتير واليوتيوب ولينكدان بالاضافة الى انستجرام " بالاضافة الى تطبيقات التراسل الفورى " واتساب و فايبر و أى ام او " الا انها بالفعل لم تعد مجرد ظاهرة او موضة تكنولوحية نسعى لتجربتها بل اصبحت احد اهم اهتمامات شعوب العالم ولاسيما منطقة الشرق الاوسط وتحديدا دول ما عرف بثورات الربيع العربى بل بات هذه الشبكات اهم مصدر للحصول على المعلومات ، بصرف النظر عن مدى صحتها وأسرع وسيلة للسيطرة على الراى العام وتشكيله من خلال ما يعرف بالحملات الدعائيه والكتائب الالكترونية التى تسعى لحشد التأييد لفكرتها والترويج لها بين اوساط المستخدمين ومخاطية المواطنيين
وفى الحقيقة بات كثير من الحكومات تشعر ان الاستخدام السىء لمواقع التواصل الاجتماعى العالمية يشكل عبء كبيرا وبدا الحديث عنها غير وديا بل وصل الامر الى مطالبة البعض بضرورة فرض نوع من الرقابة عليها وتشدد البعض الاخر مطالبا بغلقها بداية من الصين التى تفرض حظر كامل عليها مرورا بتركيا وإسرائيل وإيران ونحمد الله انه مصر ، حتى الان ، لم تتخذ أى قرارات تجاه حظر او فرض رقابة على اى من المواقع التواصل الاجتماعى العالمية او تطبيقات التراسل الفورى .
في اعتقادي بات من الضرورى اعادة النظر والتفكير فى وضع الأسس لتكون هذه المواقع أدوات للتعبير عن الرأي بصورة إيجابية وتوجيه الانتقاد البناء وليس منابر للفوضى والشائعات المغرضه واثارة الرأى العام وتدمير الأخلاق ونشر القيم والعادات السلبية والسلوكيات الرذيلة وان يكون لدينا رؤية تعتمد على مبدأ " ودَاوني بالّتي كانَتْ هيَ الدّاءُ " وان نعمل على مواجهة الشائعات بسرعة نشر الحقائق بشفافية وموضوعية ، من جانب الجهات المعنية ، وعلى نفس شبكات التواصل الاجتماعي حتي يكون امام المواطن المصري الفرصة كاملة لمعرفة الحقيقة .
نتطلع أن تكون لدينا رؤية وطنية لكيفية الاستفادة من مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت على أنها قوة تصنع الديمقراطية والتنمية الاقتصادية ، وأدوات رقمية يمكن استخدامها لبناء الوجه الجديد للوطن وألا تكون هذه الأدوات بمثابة سجن افتراضي نضع فيه أنفسنا ونكون بمعزل عما يدور حولنا ونصم آذاننا عن أصوات الشعوب التي تتطلب بضرورة تكاتف جهودنا على أرض الواقع لدفع عجلة الإنتاج واستعادة عافية الاقتصاد الوطني وتشمير السواعد وبذل العرق في مشروعات جديدة تستهدف تغيير نمط حياة شبابنا من مجرد مستخدمين للكمبيوتر والإنترنت للتعبير عن آرائهم فقط إلى عنصر منتج ومتفاعل مع احتياجات بلده بجانب التركيز على نشر القيم والأخلاق الحميدة .