بقلم : خالد حسن
لا يمكن أن ينكر أحد الدور الإيجابي الذي قامت وتقوم به الشبكات العالمية للتواصل الاجتماعي في إحداث قفزة نوعية وكمية في آلية التواصل بين مستخدمي شبكة الإنترنت وزيادة قاعدة المستخدمين ، والتي تقترب من المليار الثالث على مستوى العالم ، غالبيتهم يعتمدون على شبكات العالم الافتراضي، وعلى رأسها الفيس بوك وتويتر وجوجل بلاس ولينك إن " بالإضافة لتطبيقات التراسل الفوري " واتس اب وماسنجر وشات" ، ومن ثمة فلم تعد مجرد ظاهرة أو موضة تكنولوجية نسعى لتجربتها بل أصبحت أحد أهم اهتمامات شعوب العالم ولاسيما منطقة الشرق الأوسط وباتت هذه الشبكات أهم مصدر للحصول على المعلومات ، بصرف النظر عن مدى صحتها وأسرع وسيلة للسيطرة على الرأي العام وتشكيله من خلال ما يعرف بالحملات الدعائية والكتائب الإلكترونية التي تسعى لحشد التأييد لفكرتها والترويج لها بين أوساط المستخدمين ومخاطية المواطنين .
ومع تزايد الدعاوى، المحلية والعالمية، لفرض المزيد من الرقابة على شبكات التواصل الاجتماعى وتطبيقات الأجهزة الإلكترونية المحمولة بسبب سوء استخدامها من قبل البعض للترويج لأفكار متطرفة أو أخبار مغلوطة ومضللة كشفت مؤخرا كلا من الفيس بوك وجوجل أنهما يعملان على حد سواء للقضاء على المواقع الإخبارية المزيفة التي تستخدم خدماتها الإعلانية لنشر الأخبار الوهمية .
ورغم تأكيد الرئيس التنفيذي لشركة "فيس بوك" ، مارك زوكربيرج ، أن فيس بوك يعمل على حل مسألة المعلومات الخاطئة منذ فترة طويلة، ووصف القضية بأنها مشكلة معقدة، سواء فنيًا أو من الناحية الفكرية ولخص سلسلة الخطوات يجري تنفيذها حاليًا، ومنها استخدام أكبر لبرامج "آلية "ترصد ما سيصفه الناس بأنه زائف قبل أن يقوموا هم أنفسهم بذلك وقال إن الشركة ستستهل عملية الإبلاغ عن محتويات زائفة وستعمل مع منظمات وصحفيين في جهود التحقق من المعلومات والكشف عن التدوينات ودراسة مسألة وضع علامات تحذيرية على المحتويات التي تصنف بأنها زائفة.
إن الشركة "تعتمد على مجتمعنا لمساعدتنا على فهم ما هو كاذب وما هو ليس كذلك"، مشيراً إلى التوسع في أداة للإبلاغ عن الروابط المزيفة والمواد المشاركة من مواقع التحقق من صحة الأخبار إذ إنهم، وعلى غرار مشكلات إغراء المستخدمين بالنقر على الروابط والبريد المزعج والاحتيال، يعاقبون التضليل في الأخبار مما يسهم في التقليل من انتشارها.
ومن ثمة فإن التحدي الذي يواجه حاليا كل شبكات التواصل الاجتماعي العالمية هو مصداقية ما يتم تداولها من خلالها من معلومات وعليها التعامل مع الأخبار المضللة بنوع من الجدية إذ إن المستخدمين يريدون معلومات دقيقة وليست خداعا أو أخبارا كاذبة ستؤدي بمرور الوقت إلى عزوف المستخدمين عن شبكات التواصل والبحث عن مصادر بديلة .
وفي اعتقادي أن أثر الأخبار الكاذبة لا يقتصر فقط على الحياة السياسية أو تضليل الرأي العام أو خداعه وإنما يمكن ان يتسبب في تحقيق الكثير من الخسائر الاقتصادية والمالية لذا علينا مواجهة هذا الفيضان من الأخبار المزيفة بنفس الأسلوب والذي يعتمد على نشر الأخبار الحقيقية على شبكات التواصل الاجتماعي وبنفس السرعة وليست أسلوب تجاهل الرد على الشائعات والذي يجعل الكثيرين يعتقدون أنها حقيقة .
وفي تصوري شبكات التواصل الاجتماعي العالمية نجحت في ان تتغلغل ، بل وتقتحم حياتنا بصورة كبيرة فأحدث تغيرات جذرية فى نمط حياتنا وسلوكيات أبنائنا أصبح الاستخدام السيئ لهذه المنصات يشكل تهديدا كبيرا لاستقرار مجتمعنا على كل المستويات ، وليس السياسي والاجتماعي فقط ، وباتت للأسف منصات لاستغلال السب والقذف وإفضاء الأسرار وتشويه الشخصيات ونشر الشائعات وتداول الأكاذيب والترويج لبعض الممارسات غير الأخلاقية والتي لا تتناسب مع مجتمعنا الأمر الذي أخرج هذه الشبكات من دورها الأساسي كوسيلة للتواصل والتقارب وتبادل المعرفة بين البشر .
ومؤخرا شهدنا جميعا ظهور وأنتشار عدد من التطبيقات للأجهزة الإلكترونية المحمولة التي أسيء أستخدامها وكانت بمثابة صدمة أخلاقية ، للكثير منا، بسبب ما تقدمه وتعرضه هذه التطبيقات والمنصات الإلكترونية من أعمال لا تنسجم مطلقا مع تقاليدنا وثقاتنا وأخلاقنا بل والأغرب أنه كان هناك صمت حكومي ورقابي للتعامل مع هذه التصرفات غير المقبولة لا أخلاقيا ومجتمعيا ولا قانونيا ، رغم ما كنا ننادي به وتطلب بفرض رقابة رشيدة وذكية على هذه التطبيقات وشبكات التواصل ، ولكن الحمد لله مؤخرا تم اتخاذ الكثير من الخطوات الإيجابية ضد كل من أساء ويسيء استخدام هذه المنصات من أجل جني المال وتحقيق الأرباح السريعة بصرف النظر عن الالتزم بأي أخلاق أو مبادئ أو امتلاك أي قدرات ومهارات خاصة أو طموحات وإنما تحاول فقط فرض نمط جديد من " اللا أخلاق وعدم الاحترام " على أبنائنا ومجتمعنا .
والأخطر أن غالبية هذه التطبيقات وشبكات التواصل باتت تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل أساسي، وأصبحت تستخدم مثل هذه التطبيقات لجمع البيانات وتحليلها لتعزيز عملها، ومن أجل ذلك فإنها تقوم بجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات فالأمر بالنسبة لها يعتبر أولوية قصوى ومن ثم نجد أن تطبيقات التواصل الاجتماعي وبث الفيديوهات كثيراً ما تتجاوز الحدود عندما يتعلق الأمر بجمع بيانات المستخدمين وانتهاك خصوصية المستخدمين .
ومن ثمة فإن تنظيم التعامل مع مفردات العالم الرقمي يحتاج بالضرورة إلى وضع قواعد وقوانين تتناسب مع المستجدات وحماية الحقوق والأخلاق المجتمعية ومن هنا تأتي أهمية إصدار مصر لقانون "مكافحة جرائم تقنية المعلومات " كتشريع يكافح ويواجه حرباً جديدة من حروب الجيل الرابع، التى تتخذ من منصات التواصل الاجتماعي والسوشيال ميديا وتطبيقات الهواتف أرضا خصبة للانطلاق منها لتوجه أسهمها نحو المواطن المصري، بهدف إثارة الفوضى وضرب الإقتصاد وبث الشائعات المغرضة، أو ممارسة التشهير والنشر الالكتروني لكل ما هو ضد الأعراف والأخلاق المجتمعية .
في النهاية نؤكد أن تلك الظواهر - الجديدة على مجتعنا – من محتوى هابط وغير لائق أخلاقيا ومضاد لتقاليدنا وعاداتنا المجتمعية ، يجب محاربتها من قبل المجتمع والدولة بكل قوة وحزم وإذا كان يرى البعض أن المنع هو الحل فإنني أشدد على أهمية التوعية خاصةً عند الشباب والناشئين بالإضافة إلى محاربة فكرة الإفلات من العقاب ،طالما تم نشر أي مادة غير أخلاقية أو ممارسة التشهير إلكترونيا ، وتوحيد إدانة المجتمع لكل من يمارس أو مارس بالفعل النشر الإلكتروني لكل ما يخالف الأعراف والتقاليد الأخلاقية سواء في الواقع اليومي أو العالم الافتراضي فتفعيل قوة القانون بجدية حيال هؤلاء له أثر على ردع كل من يسيئ استخدام هذه التطبيقات والوسائط الرقمية كما تؤكده الحكمة " إنّ مَنْ أمِنَ العقوبة أساءَ الأدب! " .