لماذا قفزت عملة "بيتكوين" .. ومتى سيتجاوز النفط عتبة 60 دولارا ؟

  •  

    بقلم : أولي هانسن

    رئيس استراتيجية السلع في ساكسو بنك تقديرات البنك لتقلبات أسعار السلع في الأسواق

     

    شهدت تداولات مؤشر بلومبيرج للسلع الرئيسية ارتفاعاً ملحوظاً بنسبة 10% خلال الربع الأخير، ونتوقع استمراره في عام 2021. وتأثرت السوق العالمية بعدّة عوامل مساعدة تشكّلت بفضل تشديد العرض، ما أغرقها بالسيولة وشجّع المضاربة في الأسواق وعزّز التوجّه نحو التحوّط من التضخّم. وبدأت تظهر ترجيحات ضعف الدولار وانتعاش الطلب العالمي المدفوع بالتوصّل إلى لقاح، بالإضافة إلى المخاوف المتعلقة بالطقس، وبوادر حدوث دورة فائقة أخرى للسلع.  
    ووقعت جميع هذه التطوّرات فيما لا تزال الجائحة متفشية في العديد من الدول، ولا سيما في المناطق التي حلّ فيها الشتاء ضمن نصف الكرة الشمالي، حيث تتراجع ترجيحات التحسين غير آبهة بعامل التوصّل إلى لقاح ناجح أو لا، مترقّبة موعد حلول الطقس الدافئ في شهري مارس وأبريل. وفيما قد يتعرّض هذا الارتفاع إلى توقّفٍ مؤقت ريثما يكتسب طرح اللقاح بعض الزخم، ستضطرّ السوق للاعتماد على مدى قوّة

    الطلب الاستثماري المستمرّ للحفاظ على دعم الأسواق خلال الشهور المقبلة عندما يكون التأثير السلبي للإغلاق الاحترازي وانخفاض التنقل والحركة هو الأكبر.
    وكان الطلب الاستثماري أكثر وضوحاً خلال الأسبوع الأول من التداولات، حيث ارتفعت سوق الأسهم الأمريكية إلى مستوى قياسيّ جديد، وعلى رأسها ما يسمّى "الأسهم الفقاعيّة" في مجالات التكنولوجيا والصناعات  الأغلبية الديمقراطية في الكونجرس الأمريكي. وفي ضوء ترشيحها للانضمام إلى قائمة السلع الفقاعيّة، ارتفعت أسعار البيتكوين إلى أكثر من 40 ألف دولار، حيث تواصل الاستثمارات البديلة تعزيز حضورها مع تزايد الطلب المؤسسي.

    وجاءت استجابة المضاربين قوية للمعنويات المحسّنة خلال الشهور الستة الماضية؛ وبلغ إجمالي حيازاتهم من صافي عقود الشراء المجمّعة

    في 24 عقداً آجلاً من السلع الأساسية 2.5 مليون لوت، ما يمثل قيمة اسمية مقدارها 125 مليار دولار أمريكي. وفيما جاءت السيطرة الرئيسية لسوق النفط الخام على الذروتين السابقتين في عام 2017 و2018، يبيّن الرسم البيانيّ أدناه توزّعاً أكثر توازناً للرهانات التصاعدية بين القطاعات الرئيسية الثلاثة للطاقة والمعادن والزراعة.
    وتتركز أكبر الرهانات بشكل عام في النفط الخام، حيث بلغ إجمالي عقود الشراء 614 ألف لوت في خام غرب تكساس الوسيط وخام برنت، ما يمثل قيمة اسميّة مقدارها 30 مليار دولار أمريكي؛ ووصل إجمالي عقود شراء الذهب إلى 137 ألف لوت بقيمة 26 مليار دولار أمريكي؛ كما وصل إجمالي عقود الشراء المجمّعة لفول الصويا والدقيق والزيت إلى 399 ألف لوت بقيمة اسميّة مقدارها 19 مليار دولار أمريكي. وبالرغم من اعتبارهما أكبر عقدين من حيث الانكشاف، ما يزال صافي عقود الشراء المجمّعة للنفط الخام والذهب أقلّ بكثير من ذروتيهما السابقتين عند 1.1 مليون لوت للنفط الخام في مارس 2018، و292 ألف لوت للذهب في سبتمبر 2019.

    وتلقّت تجارة الانكماش، والحاجة إلى حماية المَحافظ من التضخّم المتزايد، دفعة إضافية بعد فوز الحزب الديمقراطي الأمريكي بمقعدَي ولاية جورجيا في الكونجرس الأمريكي، ما يمهّد الطريق لخطّة الرئيس المنتخَب بايدن في طرح محفّزات إضافية وزيادة الإنفاق، لدعم الاقتصاد المترنّح جرّاء الجائحة، وإصلاح الصّدع الوطنيّ الكبير. وأحدثت هذه التطورات ارتفاعاً غير مرحّب به لعائدات السندات الحكومية الأمريكية على المعادن الثمينة. وبعد أن شكلت سقفاً طوال النصف الثاني من عام 2020، ارتفعت عائدات السندات الأمريكية المستحقة بعد 10 سنوات بنسبة 1%، ما ساعد في عكس المكاسب المبكرة للذهب والفضة، حيث استجاب الدولار لهذه التطورات عبر استقطاب تغطية قصيرة للتحرّك نحو الأعلى.

    ويعدّ هذا الأمر معضلة للمعادن الثمينة، حيث دفعت توقعات التضخّم المتزايدة - وعن غير قصد - الدولار الأمريكي نحو الارتفاع استجابة لارتفاع العائدات، ما قد يؤثر في آفاق الذهب المتوقعة على المدى القصير. لكن، ما زلنا متفائلين بالرغم من ذلك، وبناء على توقعاتنا بوصول أسعار أونصة الذهب إلى 2200 دولار أمريكي، ينبغي أن تشجّع التقلبات المرتفعة لأسعار الفضة استمرار أدائه، فيما تتجه نسبة أسعار الذهب إلى الفضة نحو الستينات المنخفضة خلال عام 2021، ما سيدفع سعر أونصة الفضة إلى 35 دولار.

    ونجح النحاس عالي الجودة في تخطّي العرض القويّ من ديسمبر ليسجّل أفضل أسبوع له منذ يوليو 2020 عبر مزيج من انكماش المضاربة، والطلب المادي الأساسي. وباعتبارها أكبر مستهلك في العالم، شكلت الصين المحرّك الرئيسيّ للارتفاع بنسبة 75% منذ أدنى مستوياته في مارس الماضي؛ فيما تشير التوقعات الراهنة إلى أن الانتعاش العالمي المدفوع بالتوصل إلى لقاح سيغذّي الطلب من خارج الصين. ومن شأن التركيز على إزالة الكربون تسريع عملية التحوّل إلى الطاقة الكهربائية، وبالتالي زيادة الطلب على النحاس نظراً لاستخدامه كموصل للحرارة والكهرباء. وبعد اجتيازه لعتبة 3.65 دولار أمريكي للرطل، من المستبعد أن يواجه النحاس عالي الجودة قدراً كبيراً من المقاومة قبل الوصول إلى 4.0 دولار للرطل.

    ومنذ الإعلان عن التوصل إلى أول لقاح في مطلع نوفمبر، شهد النفط الخام ارتفاعاً ملفتاً امتدّ حتى الأسبوع الأول من التداولات، وتخطّى سعر برميل خام برنت عتبة 55 دولار أمريكي للمرة الأولى منذ فبراير الماضي. ويأتي ذلك بعد أن واجهت أوبك بلس توقعات غير مؤكدة للطلب على المدى القصير، ما دفعها لتمديد مستويات الإنتاج الحالية حتى مارس. وأعقبت الاتفاقية مفاجأة تمثلت بقرار التخفيض أحادي الجانب للإنتاج من المملكة العربية السعودية، والتي تعتبر على نحوٍ متزايد حارس سوق النفط. ومن المرجّح أن السعوديين استنتجوا أن الشهور القليلة المقبلة قد تشهد انتقال الضعف الراهن في الطلب على الوقود من العالم الغربي إلى آسيا، والتي تشهد بدورها ارتفاعاً متسارعاً في عدد الإصابات.

    وانطلاقاً من ذلك، وبناء على منظور أساسي حالي، ما زلنا متشككين بشأن قدرة النفط الخام على تحقيق مستويات أعلى بكثير في هذه المرحلة. وعلى أي حال، ما زال الزخم محافظاً على قوّته ما قد يدفع الأسعار بسهولة لتحقيق مستويات يصعب تبريرها في هذه المرحلة من الانتعاش.

    ونتوقع أن تتجاوز تداولات برميل خام برنت عتبة 60 دولار أمريكي في وقت لاحق عندما ينتعش الطلب العالمي على الوقود، وتبدأ السعة الاحتياطية للدول الأعضاء وغير الأعضاء في أوبك بالانخفاض، والتي تزيد حالياً على 7 مليون برميل يومياً، عبر زيادات إضافية في الإنتاج بقيادة أوبك بلس



    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن