جيل الإنترنت

  •      بقلم : د/ محمد عدلى

    استمتعت هذا الأسبوع بالتدريس لجيل من الشباب الصغير الذين تتراوح أعمارهم بين الخامسة عشرة وحتى الخمس سنوات وذلك من خلال برنامج أكاديمية الصغار التى أطلقها معهد تكنولوجيا المعلومات مؤخراً لتشمل العشرات من هذا الجيل، كان موضوع التدريس هو أمن وتأمسن المعلومات وقد حملت تلك التجربة بالنسبة لى العديد من المفاجآت السارة والمدهشة فى الوقت ذاته، أما سبب المفاجأة فهو أنى وجدت لدى هذا الجيل ما كان بفوق تصورى من المعلومات عن عالم التقنيات والاتصالات، وأقولها بصراحة فقد وجدتهم أكثر تمرساً وخبرة بكل ما يتصل بالإنترنت من أجهزة إلكترونية وبرمجيات تطبيقية فى مختلف مناحى الحياة بما يفوق بكثير ما كنت أتصور أنه لديهم.

    ثم راجعت نفسى لأجد أن هذا الأمر يعد طبيعياً حيث أن هؤلاء الشباب قد ولدوا وتربوا بعد ظهور الإنترنت وانتشارها على أجهزة التليفون المحمول لتصبح حقيقة بين الأيدى وفى جميع الأوقات فهم بحق جيل الإنترنت، ومن النادر أن تجد واحداً من أبناء هذا الجيل فى مكان ما إلا وهو يحمل هاتفه المحمول بين يديه فهو رفيقه وهو لعبته وهو وسيله اتصاله وهو كل شئ بالنسبة له، وسوف تجدها شكوى مشتركة بين جميع الآباء والأمهات لهذا الجيل من أن ابناءهم لا يتركون هذا الشئ الذى بين يديهم أبداً، ولا يعطون فرصة للحديث المباشر معهم الأمر الذى يزعج آباءهم ولا يمنحهم الفرصة للحديث والتفاعل معهم طوال اليوم. وما يعنينى فى هذا كله هو رصد مدى عمق الارتباط الوثيق بين هؤلاء النشئ وبين تكنولوجيا المعلومات منذ سن صغيرة ومبكرة جداً فى حياتهم.

    تلك الظاهرة يجب أن تسترعى انتباهنا بما لها وما عليها إلا إنها تشير إلى أن ذلك الجيل هو الأقدر على فهم تقنيات تكنولوجيا المعلومات وهو الأقدر كذلك على تطويرها وتطويعها بما يخدم المجتمع ويسهم فى حل مشكلاته، وهو الجيل الذى سيقوم بالإبداع والابتكار لما سيكون بين أيدينا من تكنولوجيات فى الغد القريب وهؤلاء المبدعون الجدد سيبدأون من حيث انتهينا وسيكونون أكثر منا قدرة وإنتاجاً فى هذا المضمار وهنا نشير إلى أن المبدع يدل مسبقاً على ما هو قادم من إبداع وهو ما أحاول أن استكشف ملامحه الإبداعية بشكل مسبق من خلال تعاملى معهم.

    لا شك أن إبداعات ذلك الجيل القادم ستتميز بالذكاء الشديد والحرفية العالية وستحدث الكثير من الطفرات النوعية فيما اعتدنا عليه من إبداع سابق، نعم أقولها بصدق أننا على موعد مع سنوات تحمل الجديد فى هذا المجال بشكل يومى وهذا الجديد سيحمل طابع هؤلاء الأولاد شديدى الذكاء والتمرس فى آن واحد. يبدو الحديث متفائلاً ومشرقاً ولكن وآه من ولكن لا بد أن ننظر للأمر بشقيه ومن كلى الجانبين المضئ وغير المضئ.

    أود أن أؤكد أن الذكاء والتمرس وغيرها من الصفات التقنية لا تغنى ابداً عن زرع القيم والمبادئ والقيم داخل هذا النشئ وإلا تحول كل ما سبق إلى أسلحة شر تجر المجتمع بأسرة ناحية الإرهاب والجريمة والعنف وتوظف فى سبيلهم كل ما تطوله اليدى من تكنولوجيا وتقدم علمى وكل الذكاء والتمرس الذى سبق وأن أشرنا إليه. إننى أدعو بشكل صريح كل أب وكل أم لهذا الجيل من الأبناء أن ينتبه إلى أن جيل الإنترنت ما زال بحاجة إلى القيم والمبادئ التى تربينا عليها والتى نستمدها من الدين الإسلامى والمسيحى ومن تراثنا الحضارى المصر العريق كذلك.

     



    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن