بقلم : رانيا جول
كبير محللي الأسواق في XS.com- منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA)
يشهد زوج الجنيه الإسترليني/الدولار الأمريكي تراجعًا ملحوظًا عن المكاسب التي حققها في بداية الأسبوع، ليتداول في حدود 1.3520 خلال الجلسة الآسيوية اليوم الثلاثاء. وهذا التراجع برأيي لا يعكس فقط قوة الدولار الأمريكي مؤقتًا، بل يعبر أيضًا عن حالة من الترقب في الأسواق العالمية أمام مسار السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي. وفي رأيي، لا يمكن النظر إلى حركة الزوج الحالية بمعزل عن السياق الأكبر، وهو مزيج من الضغوط التضخمية المستمرة في الولايات المتحدة، وحالة القلق بشأن التوقيت الفعلي لأول خفض لسعر الفائدة بعد أشهر طويلة من السياسة النقدية المتشددة.
والارتفاع الأخير في قيمة الدولار الأمريكي يعكس إيمانًا متجددًا لدى بعض المتداولين بأن الاحتياطي الفيدرالي قد يتباطأ في خفض أسعار الفائدة، على الرغم من أن التوقعات الحاليةُتشير إلى احتمالية تتجاوز 89% لخفض بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماع سبتمبر المقبل. وبرأيي، السوق قد تبالغ في تقدير قوة الدولار على المدى القصير، إذ إن هذه التوقعات المرتفعة تعني أن أي مفاجأة سلبية في البيانات الاقتصادية الأمريكية قد تنقلب سريعًا إلى ضغوط هابطة على العملة الخضراء، وبالتالي تمنح الإسترليني فرصة لاستعادة الزخم.
وينتظر المستثمرون هذا الأسبوع مجموعة من البيانات الأمريكية الحاسمة، بدءًا من مؤشر مديري المشتريات التصنيعي(ISM) لشهر أغسطس، مرورًا بتقريرADP للتوظيف، ووصولًا إلى بيانات الوظائف غير الزراعية يوم الجمعة. وفي تقديري، هذه البيانات ستكون بمثابة الامتحان الحقيقي لشهية الفيدرالي نحو اتخاذ قرار خفض الفائدة. فإذا جاءت نتائج سوق العمل أضعف من المتوقع، فسوف يجد الفيدرالي نفسه مضطرًا لتغليب شق التوظيف على حساب السيطرة على التضخم، وهو ما قد يُضعف الدولار ويمنح الجنيه الإسترليني دفعة معنوية.
لكن في المقابل، تظل الصورة ضبابية بالنسبة للجنيه الإسترليني ذاته. فعلى الرغم من أن بنك إنجلترا يواجه ضغوطًا تضخمية مماثلة لتلك التي يشهدها الاقتصاد الأمريكي، إلا أن مواقفه الأخيرة تميل نحو الإبقاء على أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول، كما أكدت ذلك تصريحات عضوة لجنة السياسة النقدية كاثرين مان. من وجهة نظري، هذه السياسة الدفاعية قد تدعم العملة البريطانية بشكل نسبي، إذ تعطي انطباعًا للمستثمرين بأن بنك إنجلترا أقل ميلًا للتيسير النقدي مقارنة بالفيدرالي، ما يُبقي الجنيه جذابًا نسبيًا في ميزان تدفقات رأس المال.
كما أن توقيت عودة البرلمان البريطاني واستجوابات لجنة الخزانة لصانعي السياسات في بنك إنجلترا يضيفان بُعدًا جديدًا لحركة الإسترليني. وبرأيي، أي تلميحات من اللجنة حول التمسك بمستويات الفائدة المرتفعة لفترة أطول ستعتبر بمثابة صمام أمان للجنيه، حتى في حال تباطؤ مؤقت أمام قوة الدولار. وفي المقابل، أي إشارات على إمكانية خفض الفائدة قبل نهاية العام قد تُضعف ثقة الأسواق في العملة البريطانية وتفتح الباب لمزيد من التراجع.
والملفت للنظر أن الجنيه الإسترليني استطاع أن يبدأ الأسبوع بارتفاع طفيف، رغم غياب البيانات المهمة، وهو ما يكشف عن مرونة نسبية في الطلب على العملة البريطانية. لذا أرى أن هذا السلوك يعكس قناعة بعض المستثمرين بأن الاتجاه العام لا يزال في صالح الإسترليني على المدى المتوسط، خصوصًا إذا واصل الاحتياطي الفيدرالي إرسال إشارات مترددة بشأن خفض الفائدة. إلا أن هذه المرونة ستظل هشة أمام أي بيانات أمريكية قوية قد تعيد الدولار إلى موقع القيادة.
أما بالنسبة لمؤشر مديري المشتريات التصنيعي الأمريكي، فرغم أن معدل الاستجابة المنخفض يقلل من أهمية القراءة النهائية، إلا أن الأسواق ستبقى حساسة تجاه أي مفاجآت في البيانات. وأتوقع أن أي قراءة دون مستوى 50 ستُعتبر بمثابة إشارة إضافية على تباطؤ النشاط الاقتصادي، مما سيدعم وجهة نظر الداعين لخفض الفائدة. وفي حال تحقق ذلك، فإن الإسترليني سيجد مساحة لتعويض خسائره الأخيرة وربما استهداف مستويات 1.36 مجددًا على المدى القصير.
والتحدي الأكبر بنظري يكمن في بيانات الوظائف غير الزراعية يوم الجمعة، التي ستحدد إلى حد بعيد مسار الفيدرالي في اجتماع 17 سبتمبر. في تقديري، إذا جاءت البيانات ضعيفة أو أقل بكثير من التوقعات، فسوف نشهد تأكيدًا لقرار الخفض، مما سيضغط على الدولار ويمنح الإسترليني فرصة للارتفاع. أما إذا جاءت البيانات قوية بما يكفي لإثارة المخاوف بشأن التضخم، فسوف يترجم ذلك إلى تأجيل محتمل لخفض الفائدة، ويعيد الدولار إلى الواجهة بقوة.
وأعتقد أن السيناريو الأكثر ترجيحًا يتمثل في بيانات متباينة: قوة نسبية في الأجور مع تباطؤ ملحوظ في وتيرة خلق الوظائف. مثل هذا السيناريو سيبقي الفيدرالي في موقف صعب، لكنه لن يمنعه من اتخاذ قرار خفض الفائدة في سبتمبر، خاصة مع تزايد الضغوط السياسية والاقتصادية لتعزيز سوق العمل. وفي هذه الحالة، أتوقع أن يظل زوج الإسترليني/الدولار محصورًا في نطاق تداول بين 1.3450 و1.3650 خلال الأسابيع المقبلة، مع ميل طفيف للصعود في حال أكدت البيانات ضعف سوق العمل.
والخلاصة أن مسار زوج الإسترليني/الدولار خلال الأيام المقبلة سيكون انعكاسًا مباشرًا للتوازن بين سياسات الفيدرالي الأمريكي المترددة وسياسات بنك إنجلترا الأكثر تشددًا. وفي رأيي، لا ينبغي للمتداولين أن ينجرفوا وراء التحركات اللحظية، بل عليهم التركيز على الصورة الأشمل: الدولار يفقد تدريجيًا قوة الدفع التي اكتسبها خلال العامين الماضيين، في حين أن الإسترليني، رغم هشاشته، قد يجد في تماسك بنك إنجلترا نقطة ارتكاز تساعده على استعادة بعض النفوذ في سوق العملات العالمية.