تقرير حديث : دول مجلس التعاون الخليجي تضاعف جهودها لترشيد استهلاك المياه وسط ارتفاع الطلب الناجم عن زيادة السكان والنمو الاقتصادي

  • - زيادة بنسبة 40% في قدرات المنطقة على تحلية المياه خلال السنوات الخمس المقبلة

    -  أكثر من 50% من إجمالي طاقة العالم لتحلية المياه هي في دول الخليج العربي

     

    كتب  : نهله مقلد

    أشار تقرير "أورينت بلانيت للأبحاث"، الوحدة المستقلة التابعة لـ "مجموعة أورينت بلانيت"، الصادر مؤخراً تحت عنوان "إدارة المياه والاستدامة في دول مجلس التعاون الخليجي: معالجة شح المياه والاستهلاك في المنطقة"، إلى أن دول الخليج العربي تعد من بين المناطق الأعلى استهلاكاً للمياه في العالم، حيث تشهد ارتفاعاً متواصلاً في الطلب على المياه، في ظل الزيادة في عدد السكان والنمو الاقتصادي والاجتماعي المطرد في هذه الدول. 

     

    واستعرض التقرير العوامل الأساسية المؤثرة في صناعة المياه على المستوى الإقليمي، في ضوء التحديات المحيطة بتزايد الفجوة بين العرض والطلب على المياه في دول الخليج العربي. وبحسب التقرير، فإن البحث في مصادر مختلفة كشف عن أن نقصاً في إمدادات المياه العذبة قد يلوح في الأفق في حال استمرت معدلات استهلاك المياه الحالية في دول المنطقة.     

    وقال نضال أبوزكي، مدير عام "مجموعة أورينت بلانيت": "يقدر عدد سكان دول مجلس التعاون الخليجي بحوالي 50 مليون نسمة، وهذا الرقم مرشح للزيادة بحوالي 14 مليون نسمة بحلول العام 2050. وبالنظر إلى هذه المؤشرات، فإنه من المتوقع أن يكون هناك ارتفاع في الطلب على المياه في المنطقة. كما أن نمط الحياة السائد والقائم على الاستهلاك الكثيف للمياه، إضافة إلى النمو الاقتصادي المطرد، سيزيد من الفجوة بين العرض والطلب على المياه مستقبلاً." 

    وأشار تقرير "أورينت بلانيت للأبحاث" إلى دراسة متخصصة تنبأت بوصول متوسط استهلاك دول مجلس التعاون الخليجي إلى 33.733 مليون متر مكعب من المياه بحلول العام 2050. ومع المخزون المستقبلي المتوقع للمنطقة، والبالغ 25.855 مليون متر مكعب فقط، فإن دول الخليج العربي ستحتاج إلى ما نسبته 77% إضافية من المياه لتلبية احتياجات سكانها بعد 30 عاماً من الآن بحسب نفس الدراسة. 

    وتكشف تقديرات أخرى متخصصة عن رقم أعلى يشير إلى أن الطلب السنوي على المياه في دول المجلس سيصل إلى أكثر من 50 مليون متر مكعب بحلول العام 2030. ولحساب هذا الرقم المتوقع، تم أخذ معدلات النمو السكاني الحالية وطرق إدارة وممارسات استخدام المياه وأنماط الاستهلاك في المنطقة في الحسبان. 

    كما لفت التقرير إلى أن انخفاض معدلات إعادة استخدام وتدوير المياه يضع ضغطاً كبيراً على صناعة المياه في المنطقة بصرف النظر عن النمو السكاني والاقتصادي في المنطقة.

    ولمواجهة مشكلة شح المياه العذبة، التي تتفاقم بسبب عدم الهطول المنتظم للأمطار وارتفاع معدل التبخر وتأثيرات تغير المناخ، يعتمد سكان دول مجلس التعاون الخليجي على المياه الجوفية لسد احتياجاتهم من مياه الشرب وغيرها من الاحتياجات اليومية. كما تعتبر عمليات تحلية المياه ومعالجة المياه العادمة من بين المصادر الرئيسة للمياه في الدول الخليجية، التي استثمرت خلال العقد الماضي 76 مليار دولار في العديد من مشاريع المياه، وفقاً لدراسة أعدتها "ميد بروجيكتس". وبالمقابل، تم إنشاء عدد من محطات معالجة المياه العادمة لري الحدائق والمنتزهات والمسطحات الخضراء كما تشير الدراسة.    

    وفيما يتعلق بتحلية المياه، يشير تقرير متخصص صادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية إلى أن أكثر من 50% من إجمالي طاقة العالم لتحلية المياه هي في دول مجلس التعاون الخليجي، ما يجعلها من بين دول العالم الرائدة في مجال تحلية مياه البحر. كما يشير التقرير إلى أن حوالي 57% من محطات تحلية المياه في العالم توجد في دول مجلس التعاون الخليجي بالمقارنة مع 3% في مناطق الشرق الأوسط الأخرى، و40% في بقية دول العالم.

    أما بالنسبة لقدرة دول مجلس التعاون الخليجي المشتركة على إنتاج المياه المحلاة، فمن المتوقع أن ترتفع بشكل كبير، وبنسبة 40% صعوداً من 18.18 مليون متر مكعب حالياً في اليوم إلى أكثر من 25 مليون متر مكعب في اليوم خلال السنوات الخمس المقبلة.

    وفي حين أن تحلية المياه توفر الإمدادات اللازمة من المياه، إلا أن تقرير "أورينت بلانيت للأبحاث" يشير إلى أن هذه العملية مكلفة وتستهلك الكثير من الطاقة وتسهم كذلك في التدهور البيئي. وأورد التقرير أن تكلفة تشغيل وصيانة محطات تحلية المياه تتراوح من 1.000 إلى 2.000 دولار للمتر المكعب الواحد من المياه. كما أن التنوع البيولوجي البحري معرض للخطر أيضاً جراء الآثار البيئية المترتبة على عمل هذه المحطات.  

    وإدراكاً منها لهذه المخاطر، تسعى حكومات دول مجلس التعاون الخليجي إلى البحث عن مصادر بديلة أكثر استدامة للمياه من أجل تقليل اعتمادها الكبير على محطات تحلية المياه المعروفة بتكاليفها المالية الباهظة وتأثيراتها البيئية المضرة.

    وأضاف أبوزكي: "تنطوي عمليات تحلية المياه، شأنها شأن العمليات الصناعية الأخرى، على مخاطر بيئية ينبغي فهمها وتقليل أثرها. وتدرك دول مجلس التعاون الخليجي هذا الواقع جيداً، حيث تبحث عن حلول أخرى أكثر استدامة، بما في ذلك تحلية المياه عن طريق استخدام الطاقة الشمسية وغيرها من مشاريع الطاقة الصديقة للبيئة. ونتوقع أن تضاعف الحكومات الخليجية من جهودها في هذا السياق، من أجل مواكبة الاحتياجات المتنامية لسكان المنطقة من المياه." 

    وتمتلك كافة حكومات المنطقة خططاً مستقبلية لمشاريع المياه، حيث تقوم باستثمار مليارات الدولارات في قطاعات المياه، وتحديداً في مجالات تحسين تقنيات تحلية المياه أو محطات التحلية العاملة بالطاقة الشمسية وغيرها. كما تشمل المبادرات الأخرى لهذه الدول مشاريع معالجة المياه الجوفية، وعمليات التحلية الموفرة للطاقة، ونقل وتوزيع مياه الشرب والمياه الصناعية، وجمع المياه العادمة ومعالجتها وإعادة استخدامها.

    وأصبح استخدام تقنيات المياه المتقدمة عاملاً حيوياً في دول مجلس التعاون الخليجي، هذا فضلاً عن اعتماد القطاع الحكومي على استراتيجيات وبرامج أخرى من شأنها أن تساعد على حل المشكلة الملحة المتمثلة في شح المياه. ومن بين البرامج التي اعتمدتها دولة الإمارات في هذا الإطار، استراتيجية الأمن المائي 2036 واستراتيجية دبي المتكاملة لإدارة الموارد المائية 2030 واستراتيجية إدارة الطلب على الطاقة.

    وفي دبي على وجه التحديد، تستهدف هيئة كهرباء ومياه دبي "ديوا"، تلبية الطلب المحلي على المياه من خلال إنتاج المياه المحلاة باستخدام مصادر الطاقة النظيفة. ووفقاً لإحصائيات الهيئة، تبلغ طاقة دبي 11.400 ميغا واط من الكهرباء و470 مليون جالون من المياه المحلاة يومياً. كما تسعى الهيئة إلى زيادة الطاقة الإنتاجية الإجمالية للإمارة من المياه المحلاة إلى 750 مليون جالون بحلول العام 2030.   

    وحدد التقرير مجموعة من المبادرات الأخرى التي تساعد على تسريع رحلة المنطقة نحو الاستدامة، بما في ذلك تعزيز الوعي العام وتقديم الدعم للابتكارات والاختراعات وتنفيذ السياسات الحكومية وإطلاق برامج فعالة لإدارة المياه.

    ومن المرجح أن ينجم عن الدعم المقدم للابتكارات والاختراعات حلولاً ذكية لمعالجة شح المياه، إذ يجب تطوير التقنيات الحالية بشكل أكبر مع التركيز على تقليل الآثار الضارة وتحسين المزايا الحالية، حيث ستحمي التكنولوجيا المتقدمة الموارد المائية لسنوات قادمة.

    وأشار تقرير "أورينت بلانيت للأبحاث" أيضاً إلى أن نمط الحياة المتبع في بعض الدول العربية، خاصة دول الخليج، يتسم بالإفراط في استهلاك المياه، ويرجع ذلك في جزء منه إلى الدعم الحكومي المقدم لقطاع المياه. ولتلافي الهدر في استهلاك المياه، تعمل دول الخليج العربي على تكثيف جهودها لإعادة استخدام كافة المياه العادمة، التي تعد مصدر ماء عذب أرخص وأكثر ملاءمة للبيئة. وفي مجال صيانة الحدائق، يمكن الاستفادة من أنظمة الري الموفرة للمياه لتقليل استخدام المياه، كما يمكن للأسر الاستفادة من مياه الأمطار وكذلك معالجة تسرب المياه في الأنابيب لمنع الهدر.  

    وأكد تقرير "أورينت بلانيت للأبحاث" أن باستطاعة دول مجلس التعاون الخليجي معالجة شح المياه بكفاءة، إذا ما تم تنفيذ السياسات التي تشجع على إدارة المياه بفعالية. ويرى التقرير أنه من خلال اتباع السياسات الصحيحة والتنفيذ الفعال لبرامج ترشيد المياه، فإنه سيتم على الأرجح التوصل إلى حلول فعالة لمعالجة مشكلة نقص المياه في هذه الدول. وأورد التقرير أن هذه الحلول يمكن أن تأخذ شكل تقنيات تحلية المياه عن طريق استخدام الطاقة المتجددة، وتدابير الترشيد، وتركيب واستخدام حلول الطاقة المتجددة في قطاعات أو نشاطات أخرى.



    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن