بقلم:إيمان غريب

مدير التسويق والاتصالات-أﭬايا العالميه

لم يسبق أن خاض خبراء التسويق والاتصالات حول العالم التحديات التي وجدوا أنفسهم في خضمّها مع انتشار وباء كوفيد-19 (كورونا) وتفاقم انعكاساته يوما بعد يوم. الأزمات والكوارث ليست أمرا جديدا، وهي تحصل كل فترة حول العالم، ويتفاعل معها عادة قطاع التسويق والاتصالات بشكل سريع كونه مصمّم للتعامل مع ملفات إدارة الأزمات.

لكن حجم ما يحصل يفوق أي وصف، وثمة دول عُظمى تكافح للخروج من دوامة الأزمة. لكن المسؤولية المهنية والأخلاقية تقتضي من المتخصّصين في مجال التسويق والاتصالات، الارتقاء الى مستوى المرحلة، وتنفيذ خطط أعمال واضحة وديناميكية تتضمن أدوات إدارة الأزمات والمحافظة على المعنويات وبثّ روح القوّة والتفاؤل والصمود.

وخطة التسويق والاتصالات في هذه الحالة يمكن أن ترتفع فوق ثلاثة ركائز أساسية: داخلية تشمل موظّفي الشركة، خارجية تضم العملاء والشركاء والمؤسسات العامة، ومهنية تأخذ بالاعتبار المحافظة على نشاط الشركة ونجاحها وتحقيق أهدافها والتفاعل مع المتغيّرات الحاصلة.

ومع أن هذه الخطة قد تشكل تحدٍ قاس لقدرات وخبرات مدراء أقسام التسويق والاتصالات، إلا أنها فرصة لعبور شركاتهم الأزمة بقوة ونجاح، وتخطّي الانعكاسات. هكذا ننظر في أﭬايا كشركة تكنولوجية عالمية إلى الأزمة والمسؤوليات المرتبطة بها. وليس هناك من أدنى شك أن المسؤولية المُلقاة اليوم على عاتق مدراء قطاع التسويق والاتصالات ثقيلة، لأن المرحلة تتطلّب منهم المحافظة على سمعة الشركات في الأسواق. كما عليهم إيصال رسالة التعاطف والصمود والأمل بشكل واقعي ومن دون المبالغة إلى موظفي الشركة داخليا والعملاء والشركاء والرأي العام في المجتمعات الواقعة ضمن الأسواق التي تنشط شركاتهم فيها،  والأهم هو تحقيق استمرارية أعمال شركاتهم بشكل فعّال وتحقيق الأهداف الموضوعة.

الموظّف أولا

فرق عمل الشركة حول العالم تعاني ما يعانيه الجميع في البلدان التي انتشر فيها الوباء، ولذلك الأولوية في خطط التسويق والاتصالات هي الانسان، وتوفير كل أسباب الصمود له ولعائلته ضمن محيطه المضطرب. ومن البديهي أن يقوم مدراء التسويق والاتصالات في هذه الحالة، بمراعاة المتطلبات الناشئة، لإيجاد قنوات اتصال جديدة مع الموظفين تراعي ظروفهم وأوضاعهم. وبذات الوقت وضع خطط جديدة للمحافظة على حُسن انتظام الاعمال داخليا. ولا بد أيضا من إيلاء الجانب العائلي والنفسي لدى الموظف اهتماما خاصا في هذه الاوقات العصيبة، لتمتين العلاقات الداخلية في الشركة والتأكد من أن فعّالية الأداء الوظيفي هي في أعلى مستوياتها. كذلك من الضروري المحافظة على تقدير وثقة الموظفين بأداء وطريقة تعامل إدارة الشركة معهم، وتوفير وقت خاص بشكل دوري للاطمئنان على فرق العمل وعلى عائلاتهم من خلال الاتصالات الفيديوية، والتأكد من قدرتهم على مواكبة متطلبات العمل الجديدة في ظل ظروف الحياة اليومية. وبهذه الطريقة نحرص على تكليف الموظفين بأعمال تتلاءم مع ظروفهم، وتأخذ بعين الاعتبار بذات الوقت خطط عمل الشركة وأهدافها.

الشركاء والعملاء  وديمومة الأعمال

صحيح أن الأزمة كبيرة، لكنها ستُصبح أكبر وأكثر إيلاما إذ لم تسير أعمال الشركات. ولا ننسى أنه علينا التعامل مع متطلبات أعمال شركاتنا التي لم تتغير كثيرا بظل الأزمة، لا بل زاد حجمها ووتيرتها ما يتطلّب بذل جهود مضاعفة تتناسب وظروف الأسواق. كما علينا تحقيق الاهداف الموضوعة وتنفيذ الحملات الاعلامية والتسويقية التي جرى جدولتها مسبقا، وبذات الوقت ايلاء الاعمال والحلول التكنولوجية التي تساعد على تخطي ازمة كورونا الاهتمام المطلوب. ومن بعدها الشروع مجددا بإجراء حملات الاتصالات الإعلامية لإيصال الرسائل المناسبة للشركاء والعملاء والمؤسسات الحكومية والرأي العام.

كذلك علينا الاستماع الى هموم الشركات والمؤسسات الواقعة في خضم الازمة، وتقديم افضل الحلول التكنولوجية التي تتناسب فعلا مع حاجاتهم ومتطلباتهم. ولا ننسى أن دورنا كفريق تسويق واتصالات في أﭬايا مركزي وأساسي جدا في التعاطي مع الاسواق من جهة والتأكد من أن كل خطواتنا تتوافق مع قناعاتنا. كذلك علينا أن نكوّن صورة واضحة عن حقيقة الأوضاع التي نشأت بسبب الوباء والحاجات الفعلية لكل بلد يتعرض لانتشار الفيروس، وبالتالي تقديم حلول وتبرعات تلبي الحاجات وتوفر حلولا فعّالة، لمساعدة المجتمعات وتخفيف اثر الازمة قدر الامكان. ومن الواجب هنا إخبار الاسواق ما فعلناه وكيف فعلناه، وما هو الأثر الذي حققته جهودنا.

المرونة والنجاح

ثمة تغيرات ملفتة فرضتها الأزمة على نماذج عمل صناعة التسويق والاتصالات، وقد أثّرت على الشركات وأسلوب مقاربتها للتحديات، كما دفعت الجميع لإيجاد وسائل اتصال وتواصل جديدة لتعويض النقص الذي حصل بعد إلغاء المناسبات التجارية والمؤتمرات والمعارض وغيرها من منصات اللقاء مع العملاء والشركاء. ومن هنا تنشأ أهمية تحلّي خبراء التسويق والاتصالات بالمرونة، والقدرة على التكيّف مع المتغيرات بشكل سريع وفعّال واستبدال الخطط الموجودة بخطط تتجاوب مع متطلبات المرحلة، وتعديل الأولويات والمحتوى الاعلامي وإبقاء الجميع على إطلاع بمجريات التطورات من دون التسبّب بالهلع، سواء كانوا زملاء أو عملاء، والتمسّك بالإيجابيات تحت أي ظرف كان. وهذا ربما الوقت لإبراز القيم التي تقوم عليها العلامة التجارية. 

لقد وضع هذا الوباء الاقتصاد العالمي أمام خيارات وجودية غير مسبوقة تاريخيا، شبهّها بعض القادة بالخيارات التي تُتخذ عادة في الحروب الكُبرى ما أعاد إلى الأذهان الحرب العالمية الثانية وويلاتها. نحن إذا أمام تحد تاريخي، ومن الطبيعي أن تكون الإجراءات التي ستتخذها شتى القطاعات، تاريخية. ولكن الأهم هو الجانب الأخلاقي في كل ما نفعله، أي قرار يُتخذ في هذه المرحلة يجب أن يرتكز إلى الأخلاق والمسؤولية الاجتماعية والوطنية والتضامن الدولي من أجل الانسان أولا وأخيرا. لأن الأزمة ستمرّ وما سيتذكره الناس عنّا سواء كانوا موظفي شركات أو مواطنين، هو ماذا فعلنا وكيف تصرفنا وما هي المعايير الأخلاقية التي انتهجناها في كل مراحل الأزمة.