عالم بلا نقود .. بين الحوافز والمخاوف

  •        بقلم : خالد حسن

    في  المستقبل القريب ، سيتمكن المستهلكون من دفع مقابل المنتجات والخدمات بكل سهولة من خلال  الهاتف المحمول، بما سيشكل قفزة نوعية في آليات الدفع الإلكتروني بما يتسق مع مفهوم الشمول المالي الرقمي الذي تتجه إليه حاليا وبقوة الحكومة المصرية، وهو ما يتجلى في إتاحة البنية الأساسية اللازمة لتعزيز الدفع الإلكتروني دون أن يتم تحميل المواطن لأي أعباء مالية أو تكاليف إضافية.

    ولطالما أشارت توقعات رواد الأعمال إلى حدوث تحوّل اجتماعي يستمر لعدة أعوام، نحو المجتمع اللا نقدي وتشجيع المعاملات الإلكترونية والتجارة الإلكترونية ، والتي يتوقع أن تتخطى قيمتها الـ 2.7 مليار دولار بحلول عام 2020 ، حيث نشهد الانتقال نحو استخدام العملات الرقمية، وحلول الدفع عبر الهواتف المحمولة، وذلك بالتزامن مع سعي الحكومات نحو توسيع نطاق هذا التحول حيث تشهد حلول الدفع والتحويلات المالية غير النقدية تنامياً ملحوظاً نتيجةً لسعي الشركات نحو زيادة الكفاءة وتعزيز مستويات الراحة لدى العملاء

    وكشف الدكتور محمد معيط ـ وزير المالية ـ أن اللائحة التنفيذية لقانون "تنظيم استخدام وسائل الدفع غير النقدي" التي وافق عليها مجلس الوزراء مؤخرًا، تُمهد الطريق لانطلاقة قوية نحو إرساء دعائم "مصر الرقمية"، حيث تتضمن آليات جديدة لتوسيع قاعدة الشمول المالي، والتحول للاقتصاد غير النقدي، على النحو الذي يتسق مع جهود الدولة في إطلاق حزم الخدمات المميكنة بما يُسهم في التيسير على المواطنين دون تحميلهم أي أعباء إضافية.

    وفقًا للائحة التنفيذية، يجوز لأجهزة الدولة والأشخاص الاعتبارية العامة التي تتعامل مع الجمهور أن تمنح المتعاملين معها حوافز إيجابية للسداد بوسائل الدفع غير النقدي، ومنها تخفيض المبالغ المستحقة بنسبة لا تُجاوز 5٪ من قيمتها، ورد جزء من المبالغ المدفوعة بهذه الوسائل بنسبة لا تُجاوز 4٪ من قيمتها، ووضع برامج النقاط، أو المكافآت التي تتضمن مزايا مالية أو عينية بما لا يُجاوز 5٪ من قيمة المبالغ المدفوعة بهذه الوسائل.

    وتتوقع الدراسات المتخصصة أن 41% من العملاء سوف يمكنهم إمكانية إجراء جميع المعاملات المالية عن طريق المحافظ النقديّة عبر الهاتف خلال الأعوام الخمس المقبلة. وتأتي التجارة الرقمية وأساليب الدفع غير النقدية في مقدمة أولويات " رؤية مصر 2030 " حيث يشجع الاندفاع النشط نحو تحقيق التحوّل الرقمي في الخدمات الحكومية، بما في ذلك إجراء المعاملات المالية غير النقدية؛ على قبول واعتياد استخدام قنوات الدفع الرقمية من قبل العملاء.

    وفيما يمكن وصفه بالإنجاز الكبير في تنظيم وسائل الدفع الإلكتروني وتشجيع الأفراد ومؤسسات الاعمال في الاعتماد على النقود الإلكترونية  فإن صدور اللائحة التنفيذية لقانون "تنظيم استخدام وسائل الدفع غير النقدي " حيث ستساعد علي تحقيق المزيد من الشمول المالي في مصر ويتفق مع التوجهات العالمية في تبني السياسيات التي تقلل التعامل النقدي "الكاش" وتشجع على استخدام الأدوات المالية المصرفية وغيرها من وسائل ونظم الدفع بما يؤدي إلى توفيرً الوقت والجهد والنقود بالنسبة للمواطنين في دفع كل الالتزامات "كهرباء، الغاز، المياه، مصاريف المدرسة، تحويل الأموال لأفراد الأسرة"، مع تشجيع المواطنين على التحول إلى المعاملات الرقمية وفتح حسابات مصرفية دون تكاليف أو رسوم، مع استفادة الاقتصاد القومي من تحقيق الشمول المالي وتيسير انتقال الأموال. 

    ولعله من المهم الإشارة إلى مجموعة من الفوائد لأنظمة الدفع غير النقدية أولها "السرعة " حيث تمتاز المعاملات غير النقدية بسرعة إنجازها، حيث يستغرق إجراء التعاملات غير النقدية مدة وسطية تتراوح بين ثانية واحدة إلى عدة ثوان بالمقارنة مع معاملات الدفع المالي التي تستغرق فترة 6-7 ثوان.

    وتمثل الميزة الثانية في "الأمان " إذ يمكن للتاجر الذي يستخدم أساليب الدفع غير النقدية حماية رأس ماله العامل من خلال تفاديه لمخاطر تعريض أمواله النقدية للضياع أو السرقة، بينما يستفيد العملاء من الحماية التي توفرها المزايا الأمنية على أجهزتهم، إلى جانب الحماية التي تتيحها بوابة الدفع المستخدمة.

    في حين تتمثل الميزة الثالثة هى" الراحة" فلن يكون العملاء بحاجة للعثور على أجهزة الصراف الآلي أو حمل الكثير من المال في محافظهم، ولن يتعين عليهم الانتظار في طوابير طويلة ضمن البنوك أو نقاط البيع، فضلاً عن توافر باقة واسعة من قنوات الدفع المتاحة لهم.

    أما بالنسبة للتجار، فيتم استبدال الأعباء التشغيلية للمعاملات النقدية والاستعاضة عنها بالتدفقات النقدية السلسة خلال الوقت الحقيقي.

    وتشمل الفوائد التي تتيحها المعاملات غير النقدية مجموعة واسعة من القطاعات المختلفة، كما تنعكس التطورات التقنية التي نشهدها حالياً في هذا المجال إيجاباً على اقتصاد البلاد. ففي قطاع التعليم على سبيل المثال، من الممكن لأساليب الدفع أن تصبح مشكلة حقيقية بالنسبة لدافعي الرسوم أما بالنسبة للمدارس، فإن الانتقال نحو المعاملات غير النقدية لن يسهم في خفض مدة العمليات الإدارية التي يتطلبها إجراء المعاملات النقدية فحسب، وإنما يتيح قنوات دفع مريحة بالنسبة لدافعي الرسوم، فضلاً عن إنجاز معاملات الرسوم المدفوعة والمستحقة خلال الوقت الحقيقي. ويفضي ذلك في نهاية المطاف إلى تخفيض المدة التي يقضيها موظفو المدرسة في متابعة المدفوعات المتأخرة لأولياء الأمور.

    وتشير الدراسات التي أجريت في مجال تجارة التجزئة إلى زيادة نسبة المبيعات عند إفساح المجال أمام العملاء للدفع باستخدام بطاقة القيمة المخزنة. ويرجع ذلك لتخلي الناس عن المشتريات الصغيرة عندما لا يحملون معهم الكثير من المال. وبالمقابل، يتيح حمل بطاقة القيمة المخزنة إمكانية شراء الوجبات الخفيفة وغيرها من المشتريات الصغيرة الأخرى.

    وتشكل راحة المستهلكين الموضوع الجوهري للمعاملات غير النقدية. ومع تنامي اعتماد المستهلكين على قنوات الدفع غير النقدية كخيار أفضل وأكثر أمناً، فإن هناك فرصة مهمة تلوح أمام الشركات لتعزيز عروض خدماتها من خلال تزويد العملاء بالمرونة التي توفرها أساليب الدفع غير النقدية.

    ولعلنا جميعا نتفق على ان التكنولوجيا يمكنها تقديم حلول ابتكارية لتحسين مستوى أداء كل الأجهزة والهيئات والشركات التابعة للحكومة خاصة التي تعامل مع المواطن بصورة مباشرة مثل شركات المرافق ، الكهرباء والمياه والغاز والجمارك والضرائب والمحليات ، وبما يشعره بأن هناك حكومة تسعى لمواكبة التطور العالمي في تقديم وتحصيل قيمة هذه الخدمات الأساسية ، وبصرف النظر عن الارتفاعات المتتالية في أسعار هذه الخدمات والتي يتحملها المواطن عن رضاء نفس تقديرا منه للظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها الوطن وعجز الحكومة عن معالجتها ، إلا أن من أهم مزايا الاعتماد على وسائل الدفع الإلكتروني أنه سيكون لها تأثير إيجابي على غلق الباب أمام الكثير من صور الفساد وأشكال البيروقراطية التي يمكن أن يتعرض لها المواطنون عند تعاملهم مع الجهات الحكومية .

     

    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن