بقلم : د. ياسر بهاء
متى آخر مرة توقفت بإرادتك عن تصفح صفحتك على الفيس بوك قبل أن يدفعك شيء ما للتوقف مثل انتهاء البطارية أو مكالمة هاتفية أو البدء في عمل آخر؟
متى آخر مرة توقفت بإرادتك عن مشاهدة مسلسل أو مباراة قبل أن يدفعك إلى ذلك زيارة أحد الأقارب أو الانتهاء من إعداد طعام الغداء أو غير ذلك من الأمور التي يجب – للأسف – القيام بها في نفس الوقت؟
متى آخر مرة تحدث إليك أحد أبنائك ولكن لم تعره أي انتباه نتيجة انشغالك بمكالمة أحد أصدقائك أو مشاهدة فيديو أو مسلسل أو تصفح الإنستجرام؟
قد نؤجل الصلاة أحياناً حتى الانتهاء من المباراة أو المسلسل أو مشاهدة فيديو على اليوتيوب ولكن لا نؤجل تصفح مواقع التواصل الاجتماعي لكي نذهب إلى الصلاة مع العلم بأننا نستطيع العودة لنفس الخبر أو الفيديو بعد الصلاة.
متى آخر مرة تخليت عن أحد أصدقائك نتيجة ما يسببه لك من أذى نفسي سواء من عاداته السيئة أو أخلاقه التي لا تتناسب مع قيمك وأهدافك وعاداتك؟
متى آخر مرة قررت التخلي عن أسلوبك الفظ في التعامل مع الزملاء أو العملاء بعد العديد من النصائح التي قدمها لك المقربون والأصدقاء؟
متى آخر مرة قررت التوقف عن قراءة كتاب لشعورك أنه غير مناسب لك بالرغم من رغبتك في استكماله فقط لتخبر العالم أنك أنهيت قراءة كتاب في فترة وجيزة لتحصل على إعجاب الآخرين؟
متى آخر مرة تخليت عما تستمتع به نتيجة اقتناعك بأن المتعة اللحظية التي تحظى بها ما هي إلا خطوات بطيئة لنهاية سيئة اجتماعياً أو دينياً أو صحياً أو غيرها؟
متى آخر مرة توقفت عن شيء جميل سعياً لشيء أروع أو وصلت لدرجة من الوعي لتغيير خطتك أو أهدافك بما يتناسب مع مستجدات أوضاع الحياة المتغيرة؟
إذا كان لديك التحكم والقدرة والوعي بمعرفة ما تقم بفعله خلال يومك وتستطيع تغييره في أي لحظة دون التعلق به بالرغم من عدم تحقيق أي فائدة من الاستمرار بل قد يكون سبباً لإلحاق الضرر بك فاعلم أنك من الفئة القليلة جداً ممن هم على قيد الحياة ولديهم تلك القدرة الرائعة على التخلي.
وأما إن كانت إجابتك على معظم الأسئلة السابقة بالنفي، فلا تبتئس فما زالت هناك فرصة رائعة لأن تمتلك زمام أمور حياتك مرة أخرى وتكون أنت من يخطو بنفسه خطوات رحلة حياته ولا تستمر في أن تسير في هذه الحياة معصوب العينين واليدين ويقودك كل ما ومن حولك للوصول إلى ما قد تتوهم أنه الصواب. الأخبار الجيدة أن البداية بيدك متى وكيف أردت أن تبدأها.
ومن هنا فاعلم أن أول خطوات التخلي هو الوعي بأنك في احتياج لذلك ولن تأتي تلك المشاعر إلا بعد أن تتأكد أولاً أن ما أنت عليه الآن – إذا استمر كما هو – فلن تكون النتائج المحققة بمرور الوقت هي ما تهدف الوصول إليه، وبكل سهولة يمكن أن تستشعر ذلك إذا ما كان السؤال المطروح هو "أين سأكون بعد سنة واحدة إذا ما كان كل ما أقوم به الآن هو فقط ما سأقوم به طوال تلك المدة؟" ماذا لو استبدلت السنة بخمس أو عشر سنوات؟ أنت فقط من سيحكم على رضاك عن النتائج المستقبلية لما تفعله الآن وهنا فقط ستعلم إن كانت صورتك الذهنية عن نفسك بعد تلك المدة هي فعلاً الصورة التي تجعلك راضياً وفخوراً بنفسك أم لا وحينها أستطيع أن أخبرك أنه قد حان الوقت لاتخاذ القرار الصائب فيما ستقوم به بدءاً من الغد.
الوعي بما نحن عليه ما هو إلا خطوة من عدة خطوات لحياة أفضل ولكنه الخطوة التي لا بديل لنا عنها إذا ما كانت الرغبة في إحداث فارق فيما نسعى لتحقيقه هي رغبة حقيقية وليست مؤقتة نتيجة تحفيز لحظي أو تغيير لمجرد التغيير.
وأخيراً لا تنس أن إجابتك على ما تم طرحه في بداية المقال هي فقط دقات بسيطة على باب حياتك فإن استجبت لها قد ترى وراء ذلك الباب حياة تختلف كلياً عما تراه الآن ولكن إن تجاهلت تلك الأصوات فاعلم أن الفرصة ما زالت قائمة في وقت لاحق ولكن هل تضمن متى وكيف وأين؟ أنت فقط من يستطع الإجابة والفعل فلا تبدأ في الجديد حتى تتخلى عن القديم حتى تحقق ما هو رائع وعظيم.