بقلم : ياسر بهاء
غالباً ما تكون الحياة سهلة عند اتخاذ الطريق الصعب الذي يحتاج إلى وقت ومجهود وتخلي عن الكثير من الملذات والشهوات والمتع اللحظية في حين تكون الحياة صعبة إذا ما كان الطريق الأسهل هو المسار الذي نسلكه وبالتالي فإن الفرق الجوهري بين من يحيا حياة المتميزين والحياة العادية المتوسطة وأيضاً حياة الفاشلين هو القرارات التي يتخذها كل فرد والاختيارات الدائمة بين ما هو صعب ومفيد وبين ما هو سهل ومُضِر.
فقد تختار الوجبات السريعة بدلاً من الوجبات الصحية وقد تختار تصفح مواقع التواصل الاجتماعي بلا هدف على تعليم نفسك عن طريق القراءة أو مشاهدة أي مادة تعليمية تثقيفية مفيدة. قد تختار السعي بقوة وراء تحقيقك حلمك وقد تختار الراحة وانتظار الحظ يطرق بابك تسليماً منك بأن هذا هو الطريق الأوحد لتحقيق ما تحلم به. قد تختار الاستسلام لما هو حولك من ظروف بالرغم من وجود أمل في محاولة أخرى في حين يختار آخرون عدم التوقف عن المحاولة في أحلك الظروف السيئة والتي يمكن أن تكون عذراً وسبباً كافياً يدعو للاستسلام، ولكن الاختيار مختلف لأن الهدف والرغبة والشغف تماماً مختلف.
قمت شخصياً بأشياء أكثر من قدراتي مثل السهر لفترات طويلة أو الصيام لوقت أكثر مما اعتدت عليه عندما سافرت للمملكة المتحدة في صيف 2012 لمدة 10 أيام وكانت ساعات الصيام تصل إلى 19 ساعة في اليوم وفي مرحلة أخرى من حياتي قررت تعلم حل المكعب السحري Rubik’s Cube في ليلة واحدة وأيضاً الاستحمام بماء بارد وهو خارج طبيعتي تماماً وغيرها من الأوقات التي خرجت فيها عن المألوف فقط لاختبار حدودي وما هي الطاقة التي أمتلكها للتحكم الذاتي وخاصة فيما لم أعتد عليه وحتى الآن لم ولن أتوقف عن تلك الاختبارات.
في اعتقادي واعتقاد الكثير ممن بحثوا في معايير وقوانين النجاح أن الانضباط الذاتي هو المهارة الأهم التي لا يجب فقط أن يتعلمها كل من يرغب في تحقيق إنجازات مميزة ولكن يجب أن يكون إتقان تلك المهارة أولوية في قائمة المهارات التي لا بديل عنها في الحياة للتطور يوماً بعد يوم.
هل حدث معك يوماً ما أن كنت رافضاُ للقيام بعمل شيء ما ولكن قمت به نتيجة ظروف معينة وبعدها استمتعت بذلك الشيء وقمت بعمله مراراً وتكراراً؟ هذا النوع من التجارب ساعدني كثيراً في فهم نفسي أكثر وأعمق واستكشاف مناطق لم أكن يوماً أتصور أنها في مجال إمكانياتي وقدراتي وتعلمت مهارات جديدة لتقوية ما أمتلكه من الانضباط الذاتي والتي يمكن لأي شخص أن يتبناها ويطبقها بغض النظر عما قمت به من أفعال قد تبدو مجنونة للبعض.
ما تحتاجه أنت هو الرغبة في فهم كيفية تطوير تلك المهارة وتطبيقها لإحداث التغيير الإيجابي في حياتك والتي قد تبدأ من أشياء بسيطة كتغيير العادات الغذائية وتصل إلى التحول الكامل في حياتك وأهدافك وهذا ما سأقوم بشرحه فيما يلي بتفاصيل ممتعة وبسيطة والتي اثبتت صحتها علمياً وعملياً حيث سيتم التركيز على الأدوات التي تساعد في تلك الرحلة نحو حياة أفضل مليئة بالإنجازات المستدامة.
أولاً: كيفية بناء العادات
في البداية كنت أعتقد أن الانضباط الذاتي صعب جداً في ظل الكثير من المشتتات والمغريات التي نتعرض لها جميعاً وكأنها تتحدانا لعدم تحقيق ما نسعى إليه ولكن بعد العديد من القراءات والخبرات والاطلاع على أهم صفات الناجحين وجدت أن من أهم خطوات بناء مهارة الانضباط الذاتي هو بناء العادات الجيدة والتخلص من العادات السلبية والمعرقلة وبالتالي الإتيان بالسلوكيات الصحيحة والصحية بطريقة تلقائية دون المرور بمرحلة التفكير والتحليل والتي غالباً ما يسيطر فيها العقل الباطن الذي يسعى بشكل مستمر لإراحتنا وإبعادنا عن المخاطر وكل ما هو جديد وبالتالي إذا ما استطعنا تشكيل بعض العادات الإيجابية فستكون نسبة تحقيق النتائج المرغوبة مضمونة بنسبة كبيرة.
وبالتالي لن نحتاج إلى انضباك أكثر مما نمتلكه حالياً إذا ما استطعنا بناء تلك العادات الجيدة والتي ستساعدنا على الاستمرار في الأفعال الصحيحة حتى عندما لا نتذكر أو نبتعد عن التفكير في نتائجنا وأهدافنا المستقبلية طويلة المدى.
لك أن تتخيل أن أحد الأصدقاء يدعوك بإلحاح لتناول وجبة الغداء في أحد مطاعم الوجبات السريعة والتي غالباً ما يسيل لها اللعاب لما تحمله من نكهات طيبة يصعب مقاومتها ولكنك تتذكر أنك أخذت عهداً على نفسك بألا تأكل وجبات سريعة مرة أخرى ولكن بمجرد إلحاح الصديق وكلامه بأن وجبة واحدة لن تضر قد تقتنع بالفكرة مع أخذ عهد جديد بأن تلك المرة ستكون الأخيرة! ولكن بمرور الأيام قد تضعف مرة ثانية وثالثة وعندها سيكون الحديث الداخلي بأن الحياة صعبة جداً بدون الاستمتاع بتلك الأكلات اللذيذة وستجد بديل آخر مثل القيام ببعض التمارين الرياضية كتعويض لتأثير تلك الوجبات السريعة والتي غالباً لن تكون في نطاق الالتزام أيضاً كمثيلاتها من القرارات الأخرى التي تبدأ بقمة الرغبة في الالتزام وتتلاشى تلك الرغبة مع ضغوط تلك العوامل الخارجية من ناحية والضعف الداخلي الناتج عن عدم كسر تلك الرغبة في الوقت المناسب وبالطريقة الصحيحة من ناحية أخرى.
دعنا نتخيل الآن أن ردة فعلك عند دعوة الصديق مرتبطة بعادة قوية قد تم بناءها بشكل سليم، كيف سيكون الموقف حينذاك؟ عندما تكون على دراية بتلك المواقف وقد تمكنت بشكل ما من السيطرة على تلك المشاعر ووضع خطة مسبقة للتعامل معها بدون تفكير، سيكون رد الفعل تلقائي وحاسم وبكل سهولة وبدون أي تردد أو ندم وستقرر عدم الموافقة بحزم نتيجة أضرار الوجبات السريعة على النظام الغذائي الذي تتبعه حالياً لإنقاص وزنك مهما كان الضغط الذي يمارسه صديقك في إثنائك عن ذلك الرفض المبالغ فيه (من وجهة نظره) وستجد الطريق البديل الذي يساعدك على تحقيق ما تسعى للوصول إليه بدون عناء أو تفكير فقد يكون ردة فعلك هو تذكر أضرار تلك الوجبة الواحدة على صحتك وتدمير ما تم بناءه في الأيام السابقة وتخيل مدى تأثيرها على صحتك في المستقبل وما قد تحمله تلك الوجبة البسيطة من أضرار وأمراض أنت في غنى عنها وقد تتوجه مباشرة إلى أي وجبة صحية وتحصل على نفس النتيجة وهي الشبع ولكن بدون معاناة الحرب الداخلية مع رغباتك والخارجية مع أصدقائك أو انتشار تلك المطاعم في كل مكان.
في المقال القادم سنتعرض إلى كيفية بناء العادات السليمة وأيضاً التخلص من السيء منها....