ربما اقترب العلم أخيرًا من تفسير للمادة المضادة المفقودة في الكون، ففي دراسة رائدة من إعداد المنظمة الأوروبية للأبحاث النووي سيرن، ضرب العلماء بروتونات ببعضها عند سرعات فائقة لدراسة آثار الاصطدام، وسجلوا اكتشافات مذهلة لطبيعة كوننا.
لا ريب أن مصطلح المادة مألوف لديك؛ فأنت وكل ما حولك مكون منها، لكن هل سمعت بمصطلح المادة المضادة؟ إذ يوجد نسخة مضادة من جميع الإلكترونات والبروتونات والنيوترونات وغيرها من الجسيمات تحت الذرية، وهي تقريبًا نسخة طبقة الأصل عنها، تمامًا كالشحنات الكهربائية المتعاكسة.
اكتشف المادة المضادة الفيزيائي كارل أندرسون في العام 1932، عندما كان يدرس الأشعة الكونية القادمة من الفضاء، وبعدها بعقود، اكتشف العديد من الفيزيائيين أن جميع جسيمات المادة العادية تمتلك ما يكافئها من المادة المضادة.
عندما تلتقي المادة بنظيرتها المضادة، تفنى كلتاهما في وميض من الطاقة، ويرى الفيزيائيون أن الانفجار العظيم شكل كميتين متساويتين من المادة ومضادتها، لأنهما نسختان طبق الأصل عن بعضهما.
إن صح ذلك، فمن المفترض أن تفنى المادة ومضادتها بعد فترة وجيزة من تكونهما. لكن حدثًا مجهولًا آنذاك أدى إلى تلاشي أكثرية المادة المضادة، وبقاء فائض كبير من المادة العادية. ويشكل هذا الفائض جميع المادة التي نراها في كوننا حاليًا.
وبالإمكان رصد ما تبقى من المادة المضادة في الاضمحلالات الإشعاعية الموجودة في نسبة ضئيلة من الأشعة الكونية.
حير غياب المادة المضادة من كوننا الفيزيائيين لأعوام كثيرة، غير أن فريقًا من سيرن اكتشفوا تفسيرًا محتملًا لذلك.
تشكل الكواركات العلوية والسفلية البروتونات والنيوترونات في نواة الذرة، وتنتج الكواركات الأخرى من العمليات ذات الطاقة العالية، مثل تصادم الأجسام ببعضها عند سرعات فائقة في مصادم الهدرونات الكبير في سيرن.
وتنتج بعض الجسيمات من دمج الكواركات مع الكواركات المضادة، من الأمثلة عليها الميزونات، وتظهر أربعة أنواع من الميزونات سلوكيات استثنائية، لذلك سميت بالميزونات المحايدة وهي «B0S, B0, D0،K0» ، إذ تتحول هذه الجسيمات الغريبة إلى نظيرتها المضادة تلقائيًا، ثم تعود إلى حالتها الأصلية خلال ثوان.
شوهد هذا السلوك للمرة الأولى في العام 1960.
وتتكون تلك الجسيمات من المادة العادية والمادة المضادة، ما يجعلها غير مستقرة وذات نزعة للاضمحلال إلى جسيمات أثر استقرارًا، ويحدث ذلك بسرعة شديدة عند لحظة زمنية محددة خلال دورة التذبذب بين المادة ومضادتها.
لكن اضمحلال الميزونات يختلف اختلافًا طفيفًا عن اضمحلال الميزونات المضادة. هذا السلوك موصوف بشكل جيدة في مصفوفة كابيو-كوباياشي-ماسكاوا.
ووفقًا للمصفوفة، على الرغم من الاختلاف بين كيفية تصرف المادة ومضادتها، فإن ذلك الاختلاف أصغر من أن يؤدي إلى توليد فائض المادة العادية خلال أيام الكون المبكرة.
إذن لا بد أن الفيزيائيين غافلون عن نقطة جوهرية وراء اختفاء المادة المضادة.