بقلم: دكتور هشام الشيشيني
خبير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ((helshishiny134@gmail.com
التوائم الرقمية للمدن هي نماذج رقمية للمدن تربط بين العالم المادي الحقيقي لمدينة مع عالم مماثل رقمي افتراضي بغرض زيادة كفاءة التخطيط المتكامل للمدينة وتعظيم الاستفادة من مواردها المختلفة ومرافقها وحل مشاكلها الطارئة في الوقت المناسب، فالمدن الذكية تولد ومعها توائمها الرقمية.
وفوائد التوائم الرقمية عديدة منها التوفير في نفقات تشغيل مرافق المدينة عن طريق البحث عن واختبار أفضل الطرق للتشغيل افتراضيا قبل التنفيذ الفعلي، وكفاءة استخدام الطاقة مع الاستدامة وتحقيق المرونة في مواجهة الصدمات ودعم النمو الاقتصادي للمدينة، بالاضافة الى التخطيط السليم للامتداد العمراني للمدينة ومرافقها في المستقبل.
والتوأم الرقمي لمدينة ليس نموذج رقمي واحد بل هو تجميع ودمج لعدة نماذج رقمية لنظم ومجالات محددة مثل المباني والبنية التحتية للمواصلات والاتصالات وشبكات الطاقة والمياه والصرف الصحي وذلك في شكل طبقات رقمية متعددة من البيانات. ويمكن أن يبدأ بناء التوأم الرقمي بطريقة مبسطة عن طريف بناء تمثيل رقمي للبنية التحتية الرئيسية للمدينة، ثم ينمو تدريجيا ليشمل نظم المدينة كلها.
لقد مكن التقدم التكنولوجي من امكانية تطوير التوائم الرقمية في وقت اقصر وبتكلفة اقل فاصبحت وسائل الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والتحليلات الرياضية المتقدمة هي حجر الأساس في بنائها فالمئات من نظم إنترنت الأشياء وقواعد البيانات العامة المتصلة ببعضها يتم تجميعها في منصة رقمية واحدة للمدينة. ويتم جمع البيانات المطلوبة لعمل التوأم الرقمي عن طريق مستشعرات يتم زرعها في كل مرافق المدينة وبنيتها التحتية ويتم ربطها بنظم إنترنت الأشياء ثم يتم إجراء التحليلات الرياضية والإحصائية على هذه البيانات وتطبيق تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الالي عليها، حتى يمكن الحصول على تصور واضح في الوقت الحقيقي عن عمل وكفاءة مرافق المدينة وحالة بنيتها التحتية خاصة في ظروف طارئة استثنائية نتيجة الأحوال الجوية السيئة على سبيل المثال، حتى يمكن اتخاذ الإجراءات الوقائية في الوقت الملائم.
ويمكن عن طريق التوائم الرقمية اجراء محاكاة لسيناريوهات متعددة للظروف التي يمكن أن تتعرض لها مرافق المدينة وبنيتها التحتية لاختبار اساليب وحلول مقترحة ومرونة هذه الحلول للصدمات الطارئة وذلك في مجالات مثل المواصلات والصحة والبيئة.
هناك العديد من التوائم الرقمية للمدن في العالم في بلاد مثل الولايات المنحدة والمملكة المتحدة وفرنسا والصين والهند وسنغفورة والامارات، ومع تنامي حركة بناء المدن الذكية من الجيل الرابع في مصر (وعلى رأسها العاصمة الإدارية الجديدة) وزيادة الاهتمام بالتحول الرقمي، فلقد أصبح من االضروري أن تولد كل مدينة ذكية في مصر مع توأمها الرقمي حتى يمكن التنسيق بين نظمها المختلفة لتفادي مشاكلها والحفاظ على مخططاتها وتصميماتها من الضياع نتيجة الكوارث الطبيعية أو الحروب، فيمكن مثلا إجراء محاكاة مسبقة للظروف الاستثنائية التي قد تنشأ مثل الهطول الزائد للأمطار وغرق شوارع ومنازل المدينة وكيفية التعامل معها في الوقت المناسب، كما تتيح التوائم الرقمية إمكانية ضبط وتحسين حركة المرورفي الشوارع بالمدينة والتعرف المسبق على أماكن الاختناقات المحتملة لشبكات مياه الشرب والصرف الصحي والكهرباء والاتصالات، حتى تصبح هذه المدن ذكية بحق.
لذلك فنحن ندعو لإنشاء مركز قومي لتطوير التوائم الرقمية للمدن الذكية وليكن في هيئة المجتمعات العمرانية بالتعاون مع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وجامعات الجيل الرابع مع ادخال مقررات دراسية بها تخدم هذا المجال خاصة في الدراسات العليا، كما يجب تزويد هذا المركز بأحدث الأدوات اللازمة لتطوير التوائم الرقمية للمدن وتوفير التدريب المناسب لأعضائه وتزويده بالبيانات والمعلومات اللازمة وإعطائه الصلاحيات المطلوبة، فالتوائم الرقمية للمدن الذكية أصبحت ضرورة وليست رفاهية.