بقلم : إسلام محفوظ
كانت هذه العبارة " مافيش فلوس " هى إجابة أحد المتقدمين لشغل وظيفة مدير عام إدارة تعليمية باحدى المحافظات عندما سأله أحد أعضاء لجنة اختيار وتقييم المرشحين لهذا المنصب قائلا: لخص لى مشكلات التعليم فى مصر فى كلمتين ؟ فرد هذا المتقدم : مافيش فلوس .
بمعنى أن مشكلات التعليم في مصر بسبب ضعف الإنفاق على التعليم ، ولم يكن قصد الممتحن المعنى الحرفي للسؤال اى الالتزام بكلمتين فقط تلخص مشكلات التعليم في مصر ، ولكن كان يريد من المتقدم أن يحدد فى نقاط محددة مشكلات التعليم ، وبالتالى كان سوف يعرض عليه سؤالا آخر عن رؤيته لحل هذه المشكلات ، ولذلك لم يتم قبول هذا المتقدم لوظيفة مديرعام إدارة تعليمية لأن اللجنة أدركت أن هذا المتقدم لا يرى من مشكلات التعليم إلا النواحي المادية فقط .
وبالتالي لن يقدم أي حلول للمشكلات أو رؤى للتطوير طالما يرى أن الإمكانيات والموارد المخصصة للتعليم ضعيفة بل سوف يتقاعس عن مواجهة بعض المشكلات بحجة أن حلها ليس فى يده فهي تحتاج إلى إمكانيات وموارد ليس فى استطاعته توفيرها .
وعلى الرغم من اتفاقي مع اللجنة في أن اختصار كل مشكلات التعليم في مصر في النواحي المادية وعدم كفاية الجزء المخصص للتعليم فى الموازنة العامة للدولة لاحتياجات التعليم ، حيث هناك العديد من المشكلات التي يعانى منها النظام التعليمي في مصر والتي قد لا يتسع المقام لذكرها ولكن نعرض أمثلة لبعضها مثل المشكلات المتعلقة بالروتين والبيروقراطية وجمود القوانين واللوائح التى تقف فى وجه أي تطوير حقيقي للتعليم ، ناهيك عن الفساد ، بالإضافة إلى ضعف ثقة المجتمع فى المؤسسات التعليمية وعلى رأسها المدرسة ، علاوة على تشوهات النظام التعليمي وعلى رأس هذه التشوهات انتشار ظاهرة الدروس الخصوصية ، وغيرها كثير من المشكلات التي يعانى منها التعليم .
ولكن رغم كل ذلك أنا أحيى هذا المتقدم على هذه الإجابة الواقعية والمباشرة ، ففعلا إن أحد أهم مشكلات التعليم في مصر هى نقص الأموال المخصصة لقطاع التعليم فى مصر ، والتي إذا تم التغلب عليها وتوفير قدر كاف من الأموال للتعليم فسوف يتم التغلب على الكثير من المشكلات التي تواجه هذا القطاع ، فعلى سبيل المثال إذا ألقينا نظرة على مرتبات المعلمين فى مصر نجد أن هذه المرتبات يندى لها الجبين خجلا .
فهل يعقل أن معلما له خبرة عشرون سنة فى التعليم تخرج من تحت يديه أجيال مرتبه ثلاثة آلاف جنيه ؟
هذا المعلم له أسرة وأولاد فى مراحل تعليمية مختلفة ، فإذا افترضنا انه أسرته مكونة من أربعة أولاد هو وزوجته وولدين ، فهل يكفى هذا المرتب لسد احتياجات هذه الأسرة من مأكل ومشرب وملبس وإيجار منزل وعلاج وكهرباء وتعليم واتصالات وغيرها من متطلبات الحياة ؟
إن خبيرا من البنك الدولي في الاقتصاد لن يستطيع عمل ميزانية لهذه الاسرة بحيث تستطيع تلبية احتياجاتها بهذا الدخل ، فمإذا يفعل هذا المعلم المسكين ؟
الواقع يقول أن المعلمين لحل هذه المشكلة (ضعف المرتبات) ينقسمون إلى قسمين كلاهما يسبب دمارا للعملية التعليمية ويزيد من مشكلاتها ،نوع يسعى لسد العجز فى دخله من خارج التعليم ونوع يسعى لسد هذا العجز من داخل التعليم .
فالنوع الأول فيه المعلمون يقومون بممارسة أعمال ومهن أخرى غير التدريس بعد انتهاء عملهم اليومي ، ويصبح هذا العمل الإضافى هو الأهم لهم والأكثر دخلا والأكثر إمتاعا وتحقيقا للذات وينتج عن هذا إهمالهم لعملهم كمعلمين ، وعدم بذل أىمجهود داخل الفصول بحجة أن مايحصلون عليه من دخل هو دخل غير عادل ولا يسأوى قيمة المجهود الذى يبذلونه ، والحجة الاخرى أن الطلاب يحصلون على دروس خصوصية فى كل المواد وليسوا فى حاجة إلى الشرح داخل الفصول ، ولذلك نجد مثل هؤلاء يكتفون بكتابة الدرس على السبورة ويطلبون من التلاميذ نقله فى كراساتهم ثم يقومون بتصحيحه بلا مبالاة ، وهذا ما يضطر الكثير من الطلاب إلى الدروس الخصوصية بالإضافة إلى ضعف ثقة المجتمع والطلاب فى المدرسة .
هذا بالإضافة إلى عزوف مثل هؤلاء المعلمين عن المشاركة فى الكثير من الأنشطة التعليمية داخل المدرسة وعدم إهتمامهم بحل ما يواجه المدرسة من مشكلات مختلفة ، مما يزيد من سمعة المدارس سوءً بين أفراد المجتمع .
أما النوع الاخر من المعلمين فهم الذين يقومون بسد العجز من دخولهم عن طريق التعليم من خلال اعطاء دروس خصوصية للطلاب سواء بطريقة اختيارية أو بطريقة اجبارية ، وسواء كان هكذا أو ذاك فكلا الطريقتين تؤدى فى النهاية إلى نشوء ظاهرة الدروس الخصوصية كواحدة من أكثر الظواهر سلبية سواء على المجتمع أو على العملية التعليمية فالدروس الخصوصية نشأت فى الأساس نتيجة لضعف دخول المعلمين ومحاولتهم تعويض هذا النقص ، ثم تحولت لظاهرة عامة فى المجتمع من خلال عزوف المعلمين عن القيام بدورهم فى توصيل المعلومة إلى الطلاب داخل الفصول الدراسية وتقاعسهم عن ذلك ، وابلاغهم الطلاب بضرورة وحتمية حصولهم على دروس خصوصية بحجج كثيرة منها طول المناهج وقصر العام الدراسي وضياع الكثير من الوقت بسبب ازدحام الفصول وأن الطالب إذا لم يحصل على دروس خصوصية لن يستطيع التفوق وربما لم يستطع النجاح نظرا لضيق الوقت وعدم المراجعة الكافية للمنهج ، ولأن خطة الوزارة تقتضى أن تنتهى المناهج قبل الامتحانات بوقت قصير اسبوع أو اسبوعين على الأكثر وبالتالى هذا الوقت غير كاف للمراجعة .
وينتج عن الدروس الخصوصية أيضا عدم حضور المعلمين للمدارس وتأخرهم عن العمل والخروج المبكر قبل انتهاء اليوم الدراسى ، بل إن هناك مدارس تعمل بنظام اليوم الكامل ينتهى اليوم الدراسي فيها قبل ميعاده بساعة ونصف وذلك نظرا لوجود أباطرة للدروس الخصوصية بالمدرسة قاموا بعمل جدول دراسى بمواعيد خاصة حتى يبدأوافى عملهم بالدروس الخصوصية مبكرا ، كما أن بعض المعلمين ممن يمارسون الدروس الخصوصية يطلبون من الطلاب عدم الذهاب إلى المدارس وأن الحضور إلى المدرسة ليس له أى قيمة كما أن الغياب ليس فيه ضرر على الطالب وبالتالى هذا ما يفسر لنا وجود طلاب فى الشارع من الساعة التاسعة أو العاشرة صباحا ، ناهيك عن استنزاف أموال أولياء الأمور رغم الظروف الاقتصادية الصعبة التى نحياها ،هذه بعض الآثار السلبية لظاهرة سلبية وهى ظاهرة الدروس الخصوصية ، والتى تستطيع الدولة القضاء على جزء كبير منها من خلال توفير مرتبات عادلة تكفى احتياجات المعلمين وتحقق لهم الرضا والأمان الوظيفى وتجعلهم يؤدون أعمالهم على أكمل وجه .
فإذا انتقلنا إلى مشكلة الكثافة الطلابية والتى تؤدى إلى انخفاض جودة العملية التعليمية ، فسنجد أن أغلب المدارس فى مصر تعمل بنظام الفترتين بالإضافة إلى كثافة الفصول والتى لا تقل فى أحسن الأحوال عن 50 طالب فى الفصل الواحد وقد تصل إلى مائة طالب فى الفصل ، فهل يستطيع معلم مهما كان لديه من طاقة وخبرة أن يتعامل مع كل هؤلاء الطلاب فى هذا الحيز الضيق ؟
إن حل مشكلة الكثافة الوحيد هو بناء المزيد من المدارس وهذه مشكلة مادية بالأساس تتطلب توافر مليارات الجنيهات لبناء عدة آلاف من المدارس ، وبالتالى سوف يتطلب ذلك تعيين عشرات الآلاف من المعلمين مما يتطلب مزيد من الإعتمادات لتوفير مرتبات لهؤلاء المعلمين وهكذا نجد أن حل هذه المشكلة هى مشكلة مادية تحتاج إلى توافر أموال.
ومن أهم المشكلات التعليمية ايضا عدم توافر المتطلبات اللازمة لقيام العملية التعليمية فى العديد من المدارس مثل نقص الأثاث ونقص الأجهزة الضرورية كأجهزة الحاسب والوسائل التعليمية ومتطلبات ومستلزمات معامل العلوم ، وغيرها من الأجهزة مما يجعل العملية التعليمية تعتمد على التلقين فقط وعدم ممارسة الأنشطة المختلفة مما يؤدى فى النهاية إلى عزوف ونفور الطلاب من المدارس لعدم توافر عوامل جذب وتشويق للطلاب .
وطبعا توفير كل هذه الوسائل والمستلزمات يتطلب توافر الاعتمادات المالية الكافية . ما سبق قطرة من بحر المشكلات التى يعانى منها النظام التعليمى والعملية التعليمية والتى يعتمد حل والقضاء على هذه المشكلات على توافر الأموال اللازمة .
فى مقال قادم سوف نقدم بعض الحلول غير التقليدية لتوفير موارد لحل مشكلات التعليم فى مصر فانتظرونا ، دمتم بخير