بقلم: سعيد محمد الطاير
العضو المنتدب الرئيس التنفيذي لهيئة كهرباء ومياه دبي
شهدنا في 19 من شهر مايو الماضي ، تدشين سمو الشيخ أحمد بن سعيد آل مكتوم، رئيس المجلس الأعلى للطاقة في دبي، مشروع "الهيدروجين الأخضر" في مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية في دبي، في خطوة جديدة تؤكد بها الإمارة ريادتها في مجال الطاقة النظيفة والمتجددة. ويعد هذا المشروع التجريبي الأول من نوعه في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لإنتاج الهيدروجين الأخضر، الذي يعد مصدراً واعداً للطاقة ومن بين المصادر الصديقة للبيئة، ويتم إنتاجه بشكل أساسي عن طريق التحليل الكهربائي للمياه من الطاقة المتجددة، يمثل أحد ركائز مستقبل مستدام يعتمد على تسريع الانتقال إلى الحياد الكربوني والوصول إلى الاقتصاد الأخضر، حيث تتمثل أهدافه في تطوير قطاع التنقل الأخضر، والحد من الانبعاثات الكربونية في مختلف الصناعات ، والمواصلات كتسيير الشاحنات ، والقطارات، والسفن والطائرات؛ وإنتاج الطاقة الكهربائية، وبذلك نستطيع أن نساهم في تخفيض الانبعاثات من ثاني أكسيد الكربون على مستوى العالم.
وفي حال نجح مسار الهيدروجين الأخضر في خفض تكاليف إنتاج الطاقة النظيفة مقارنة بسعره الحالي الذي يتراوح سعره بين 3 و6.5 دولارات للكيلوجرام الواحد، فمن المرجح أن يتمكن من منافسة الهيدروجين الذي يتم انتاجه بواسطة الوقود الأحفوري وتصاحبه انبعاثات كربونية، والذي لا تتجاوز تكلفته دولاراً واحداً.
الأمل معقود على أن إنتاج الهيدروجين الأخضر، وبفضل جهود مركز البحوث والتطوير، سيتخذ المسار نفسه الذي تتبعه الطاقة الشمسية الكهروضوئية وطاقة الرياح والبطاريات. وهذا الأمر اختبرناه عندما بدأنا بأولى مشروعات مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية في دبي، وفق تقنية الألواح الشمسية الكهروضوئية بقدرة 13 ميجاوات، وكان مشروعاً تجريبياً استخدمنا فيه الجيل الأول من الألواح الكهروضوئية المزودة بأغشية رقيقة بكفاءة تصل إلى 11.8% فقط ، فيما وصلت تكلفة انتاج الكيلووات ساعة من الطاقة الكهربائية إلى 11 سنت أمريكي. واليوم نجحنا بالوصول بالكفاءة إلى ما يقارب 22%. وبعد استخدامنا لتكنولوجيا الخلايا الشمسية الثنائية الأسطح، وتقنيات التنظيف الذاتي والنظام المتقدم لتتبع حركة الشمس، حيث نجحنا زيادة كفاءة إنتاج الطاقة إلى أكثر من 24% ، وتخفيض تكلفة إنتاج الكيلووات ساعة من الطاقة الكهربائية إلى 1.69 سنت فقط، وما زالت الأسعار في تراجع.
يشهد العالم اليوم اهتماماً متزايداً بالاستثمار في مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة، التي ستغير مشهد الطاقة العالمي في السنوات العشر القادمة، لا سيما بالنسبة للدول التي تتطلع إلى تسريع وتيرة التعافي الاقتصادي في أعقاب جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، من خلال التحول من الاعتماد على الوقود الأحفوري إلى مصادر للطاقة صديقة للبيئة ومنخفضة التكلفة نسبياً. وبالتزامن مع هذا التوجه العالمي، تتزايد في الآونة الأخيرة آفاق استخدام الهيدروجين الأخضر في توليد الطاقة ودفع عجلة التنمية للعديد من القطاعات الحيوية، وهو ما يفسر إطلاق 320 مشروعاً تجريبياً مؤخراً لإنتاج الهيدروجين الأخضر في عددٍ من الدول، كما أشار آخر تقرير لشركة الأبحاث "فروست أند سوليفان" إلى أن إنتاج الهيدروجين الأخضر السنوي سيرتفع بنسبة 57٪ سنويا بين عامي 2019 و 2030، أي من 40 ألف طن إلى 5.7 مليون طن.
وتعد دولة الإمارات العربية المتحدة أول دولة على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، التي حققت قفزات نوعية في إنتاج الطاقة الهيدروجينية باستخدام الطاقة النظيفة، ضمن استراتيجيتها لبناء اقتصاد قائم على مصادر الطاقة المتجددة، التي تسهم في زيادة تدفق الاستثمارات الأجنبية وزيادة الشراكات النوعية، وذلك في ظل الطلب المتنامي على الطاقة النظيفة في الأسواق المحلية، وهو ما يعزز دور الدولة الرائد عالمياً في قيادة جهود إزالة الكربون من مختلف الصناعات الحيوية.
إن إنتاج الهيدروجين الأخضر هو جزء من استراتيجية هيئة كهرباء ومياه دبي في الاستثمار في الطاقة النظيفة، التي تتماشى مع استراتيجية دبي للطاقة النظيفة 2050 لتوفير 75% من القدرة الإنتاجية للطاقة من مصادر الطاقة النظيفة بحلول العام 2050. ويدعم هذا المشروع جهودنا لتنويع مصادر الطاقة وزيادة حجم الاستثمار بها، من خلال دعم الابتكار والبحوث والتطوير في مجالات تخزين الطاقة، بما يمهد الطريق لبناء اقتصاد قائم على الطاقات النظيفة من بينها الهيدروجين الأخضر، الذي يلعب دوراً مهماً ليس فقط في مزيج الطاقة العالمي ولكن أيضاً في التخفيف من آثار الاحتباس الحراري، بما يسهم في تحقيق الاستراتيجيات ذات العلاقة، وكذلك مبادرة دبي للتنقل الأخضر 2030 التي تهدف إلى تحفيز استخدام وسائل النقل المستدامة، إضافة إلى النظام الوطني للمركبات الهيدروجينية (الذي تم اعتماده مؤخرا من قبل مجلس الوزراء برئاسة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله) ويهدف إلى تطوير اقتصاد الهيدروجين في دولة الإمارات العربية المتحدة وفتح الأسواق المحلية أمام المركبات الهيدروجينية والتشجيع على زيادة أعداد المركبات الصديقة للبيئة؛ ويمثل النظام حجر الأساس لتشجيع استخدام وترخيص المركبات والمرافق والتجهيزات المتعلقة بوقود الهيدروجين بما يساهم في تحقيق نمو مستدام يوازن بين التأثيرات البيئية والاقتصادية والاجتماعية.
لقد أثمرت الشراكات الاستراتيجية والنوعية التي جمعت الهيئة مع مؤسسات القطاع الخاص في بناء مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية، هذا الصرح العالمي الرائد في إنتاج وابتكار تقنيات الطاقات المتجددة والنظيفة، وما مشروع "الهيدروجين الأخضر" إلا محطة من محطات هذا النجاح الذي يرسم ملامح مستقبل أكثر إشراقاً واستدامةً لنا ولأجيالنا القادمة، ويدعم مسيرة التحول العالمية نحو الاقتصاد الأخضر التي تقودها دولة الإمارات العربية المتحدة عن جدارة واستحقاق.