الأزهر .. ومقاطعة الألعاب الإلكترونية

  •  كلمات ومعاني

     

           بقلم : فريد شوقي

     

    نتفق على أن القفزات في العلوم والتكنولوجيا، أصبحت عاملا رئيسيا في المنافسة الضارية، في القوة الوطنية الشاملة بين دول العالم، ومن ثمة فإنه لا يكفي أن يكون لدينا مستخدمون محترفون للتكنولوجيا، وإنما يجب أن تكون لدينا قاعدة كبيرة من مطوري حلول التقنية، وابتكار أفكار قادرة على دفع مسيرة التنمية الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع .

    ويلاحظ ولع الجيل الجديد، وصغار السن ، وميلهم كثيرا إلى الألعاب، والرسوم، والطرق التي تكتب بها وهم يستوعبون بسرعة المناهج التي تقدم لهم، وهو ما يمكن أن نسميه أنظمة تعليم جديدة، كي تتناسب مع العصر الذي نعيشه ..  ومن هنا تأتي أهمية دعم وتوطين صناعة الألعاب الإلكترونية، وبناء قاعدة من الكوادر البشرية المتخصصة في هذه الصناعة، لاسيما أن هذه الصناعة باتت تشكل مصدرا مهما لتصدير البرمجيات، والتواجد في السوق العالمية للتكنولوجيا، على غرار ما نجح فيه مؤخرا العديد من دول العالم، ويكفي هنا أن نشير إلى نجاح نيجيريا في تصدير العديد من الألعاب الإلكترونية إلى الدول الأفريقية، وبعض الدول الأوروبية .

     

    ومن المهم هنا الإشارة إلى  حجم صناعة الألعاب الإلكترونية العالمية ، كما  قدرها الدكتور عمرو طلعت ـ وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ، خلال عام 2020  تجاوز نحو  200 مليار دولار مقابل 130 مليار دولار في 2019 و 120 مليار دولار خلال عام 2018 حيث أن حجم الإنفاق على سوق الألعاب الإلكترونية في منطقة الشرق الأوسط يتجاوز 3.5 مليار دولار كلها عبارة عن ألعاب مستوردة من الخارج  سواء ألعاب الفيديو او ألعاب الكمبيوتر أو ألعاب عبر الهاتف المحمول مع الأخذ في الاعتبار أن منطقة الشرق الأوسط هي الأسرع نمواً لقطاع الألعاب على الإنترنت في العالم وأن قيمة قطاع ألعاب الهواتف المحمولة  في منطقة الشرق الأوسط يُتوقع أن تصل إلى 4.4 مليار دولار بحلول العام 2022 وفقا لدراسة أعدتها " أورينت بلانيت للأبحاث "  بالتعاون مع "جلال وكراوي للاستشارات الإدارية"  .

    وفى ظل جائحة فيروس كورونا شهدت سوق الألعاب الإلكترونية انتعاشا كبيرا مع تزايد الدعاوى  من جانب عدد المنظمات الإنسانية والخيرية لمنع الانتحار حملة "ضد العيش البائس" لتشجيع استخدام الألعاب الإلكترونية كوسيلة لتخفيف العزلة والتواصل مع الآخرين وبالتالي فان كثير ممن يقبع في بيوتهم ، الأطفال أو الشباب أو الكبار ، يلعبون تلك الألعاب مع آخرين عبر الإنترنت، وبالتالي يخفف ذلك من العزلة الاجتماعية.

    ومؤخرا أصدر مركز الأزهر للفتوى في مصر،  بياناً ، حذر فيه من بعض الألعاب الإلكترونية التي وصفها بأنها ” تخطف عقول الشباب”، مسميا خاصة لعبة “فورتنايت وأرجع المركز تحذيره “لما احتوت عليه لعبة فورتنايت من تجسيد لهدم الكعبة الشريفة أو العبث بها، الأمرُ الذي يؤثر بشكل مباشر على عقيدة أبنائنا سلبا، ويشوش مفاهيمهم وهويتهم، ويهون في أنفسهم من شأن مقدساتهم”.

    وكشفت تغريدات رواد مواقع التواصل الاجتماعي بأن شركة “إيبيك غيمز” المطورة للعبة أقدمت على تضمين تحديث يجبر اللاعبين على دخول الحرم المكي وقتل المصلين ثم هدم الكعبة للتزود بالأسلحة من داخلها، بعد ضرب حوائطها بفأس أو مطرقة حديدية لاستكمال اللعب والدخول في مراحل متقدمة بعد تنفيذ المطلوب.

    من جهة اخرى، أصدر الفريق القائم على إدارة لعبة “فورتنايت” توضيحا يتعلق بالتقارير التي تحدثت عن تضمينها تحديثا يجبر اللاعبين على دخول الحرم المكي وقتل المصلين ثم هدم الكعبة وقال الفريق في تدوينة على صفحته المخصصة للشرق الأوسط في فيسبوك، إن “المحتوى المشار إليه كان عبارة عن جزيرة من صنع لاعب في الوضع الإبداعي “Creative”، حيث لا يمكنك في الجزيرة تدمير الكعبة المشرفة”.

    وهذا التحذير من اللعبة، المثيرة للجدل والتى تجنى ايرادات بقيمة تتجاوز 1.8 مليار دولا سنويا ، ، ليس الأول من نوعه، حيث قرر مجلس النواب العراقي في أبريل 2019، حظر الألعاب الإلكترونية “المحرضة على العنف” ومن بينها ألعاب بوبجي وفورتنايت والحوت الأزرق، “لما تشكله بعض الألعاب الإلكترونية من آثار سلبية على صحة وثقافة وأمن المجتمع العراقي”.

    ومؤخرا كشفت شركة " ميدي إيه " للبحوث، إن إجراءات الوقاية والحد من انتشار فيروس كورونا (كوفيد-19) التي أدت إلى بقاء الملايين في بيوتهم، وفرت وقتاً إضافياً لكثيرين، غالباً ما يقضونه أمام الألعاب الإلكترونية إن القدر الأكبر من وقت الفراغ الإضافي هذا يستخدم غالباً في استخدام ألعاب الكمبيوتر وحتى قبل أزمة وباء كورونا، فإن من يمتلكون أجهزة ألعاب إلكترونية كانوا يمضون 6 ساعات أسبوعياً في المتوسط يلعبون. وغير أجهزة الألعاب الإلكترونية مثل بلاي ستيشن وغيرها، هناك 44 % يلعبون على أجهزة كمبيوتر و38 % على الهواتف الذكية.

    وبالطبع إذا ما نظرنا إلى التركيبة السكانية في المنطقة، فسنجد أن الألعاب الإلكترونية  تلقى رواجاً كبيراً لدى من هم بين 15 و24 عاماً وأكبر من 35 عاماً. ولأن الشباب يشكلون 60% من التعداد السكاني البالغ 400 مليون نسمة في العالم العربي، فهم العنصر الدافع والمحفز للاقتصاد الرقمي. ولأنه يتوقع أن تنمو الإيرادات 40% من عام إلى عام، لتصبح المنطقة العربية الأسرع نمواً في العالم بالنسبة للقطاع الرقمي وقطاع الألعاب على الإنترنت.

     

    ولعله من المهم هنا أن يكون لدينا ، وأعني هنا وزارة التربية والتعليم، والتعليم العالى ، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والكيانات و الجمعيات المجتمعية المعنية بصناعة تكنولوجيا المعلومات ، رؤية واضحة ونحن نتحدث عن أهمية الأفكار الخلاقة، وضرورة الابتكارية في تطوير الألعاب الإلكترونية تكنولوجيا، بما يتناسب مع احتياجات مختلف فئات المستخدمين ، بداية بالأطفال، مرورا بالشباب ووصولا للكبار ، أن نسعى لضمان انتشار أكبر لمفهوم الألعاب الإلكترونية الجادة والتى تتناسب مع ثقافتنا وتقاليدنا فى المنطقة لكي تكون مدمجة في الكثير من المناهج والبرامج التعليمية ليكون لدينا طالب قادر على التفاعل والإبداع، وليس متلقيا فقط للمعلومات ليحفظها دون فهم فالمقاطعة للالعاب الالكترونية ليست الحل الامثل ولكن تكثيف الجهود لإعداد قاعدة بشرية واسعة من المطورين العرب في مجال الألعاب الإلكترونية هو الذى يمكن ان يجعلنا ننتقل من مستهلكين للالعاب المستوردة ، من الخارج،  إلى دولة مصدرة للألعاب الإلكترونية ونشر ثقافتنا وحضاراتنا .

     



    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن