لمنافسة أمازون : 2.3 تريليون دولار تغري "جوجل" للعودة للتجارة الإلكترونية مجدداً

  • كتب : سماح سعيد

     

    واجه براباكار راغافان وهو مسؤول تنفيذي لدى " جوجل "  مشكلة في شجيرات ورد بمنزله، فصورتها زوجته بهاتفها وحمّلتها على "غوغل" وحددت سبب المشكلة وتبعت رابطاً دلّها على مبيد للفطريات واشترته.

    كان الأمر بسيطاً ولم يتطلب كتابة أي حرف في شريط البحث. كانت اختباراً واقعياً لما تتضمن رؤية راغافان الإستراتيجية. يُصرّ نائب الرئيس الأول، البالغ عمره 61 عاماً والمسؤول عن معظم خدمات "جوجل" الرئيسية من البحث إلى الخرائط والإعلان وغيرها، على اقتحام سوق التجارة الالكترونية  ، المتوقع بلوغه 2.27 تريليون دولار في 2025، وحاولت تابعة شركة "ألفابيت" دخوله عدة مرات لكنها لم تبرز.

     

    حاولت "جوجل " سابقاً محاكاة خدمات بيع التجزئة والتسليم الإلكتروني لدى " أمازون دوت كوم  "أ" لكن لم يُحالفها سوى قليل من الحظ. تتموضع عملاقة البحث بقيادة راغافان الآن لتصبح نقيض "أمازون" نوعاً ما لتكون سوقاً مجانية للتجار ومنافسي "أمازون" مصممة ليتسوق فيها المستهلكون براحة أكبر.

     

    كشف راغافان ونوابه في مؤتمر برنامج "أي/أو" (I/O)، الذي نظّمته "جوجل" في مايو، عن مزايا جديدة تُمكّنهم من تحقيق ذلك، بما فيها ميّزة تُتيح للزوار استخدام الصور للبحث عن منتجات التجزئة القريبة أو العثور على أي مادة في العالم الحقيقي بلقطة كاميرا.

    أعلنت الشركة عن خاصية أخرى تسمح بالانتقال من قوائم التجار على بحث "جوجل" إلى صفحات الدفع لديهم بنقرة واحدة. يأمل راغافان بأن تُقنِع مجموعة المبادرات ملايين الأشخاص بالشراء، ما يدفع البائعين لمزيد من إلإعلان لدى "جوجل".

     

    حصة سوق "أمازون"

     

    يكمن الخطر على "أمازون، التي أسّست نشاطاً تجارياً مزدهراً من خلال إتاحة أصولها الرقمية تأجيراً للبائعين الصغار، فيما تستطيع "جوجل" أن توفّر لتلك العلامات التجارية طريقاً للنمو خارج سوقها، ما يجبر الشركة، ومقرها سياتل، على خطب ود البائعين عبر خصومات على الرسوم أو الإعلانات أو الخدمات اللوجستية.

     

    لكن تظل "أمازون" منافساً ضخماً وتواجه "جوجل" تحديات هائلة. يتزامن الاندفاع المُتجدّد للشركة نحو التجارة الإلكترونية مع تباطؤ التسوق الإلكتروني نتيجة لعودة المستهلكين إلى عادات ما قبل الوباء.

     

    أعلنت كل من "أمازون" و"إي باي" أخيراً بعد تباطؤ النمو توقعات أرباح أدنى فيما سعت "جوجل" دوماً لإبقاء تقنيتها في الظل فقد يُخاطر تحويل الموقع إلى وجهة تسوق بتقويض تجربة المستخدمين وإقصائهم.

     قبل العرض التقديمي في مؤتمر برنامج "أي/أو"، قال عانى راغافان إن التسوق على "جوجل" سيُصبح "سلساً للغاية"، وإذا نجح مفهومه المُعلن، لن يُضطر المتسوقون للتساؤل: "هل أبحث؟ هل أنا في موقع (أمازون) أم (غوغل)؟".

    يُعتبر راغافان أول مسؤول تنفيذي لدى "جوجل" يشرف على العمليات التقنية التي يقوم عليها قسما البحث والإعلانات منذ أن فعل ذلك سوندار بيتشاي في 2014 قبيل توليه منصب الرئيس التنفيذي.

     

    كما أن راغافان هو أكبر مسؤوليها التنفيذيين أجراً فقد تقاضى 28.6 مليون دولار العام الماضي على شكل رواتب وأسهم.

     

    لذلك فلديه القدرة على رسم إستراتيجية طموحة للتجارة الإلكترونية، وعلى الأقل نظرياً، يستطيع جعل العاملين الذين كانوا يعملون بمعزل عن بعضهم بعضاً يتعاونون.

     

    يشير العاملون مع راغافان لجمعه مزيجاً استثنائياً من حرفية تقنية وبراعة بالتشغيل في شركة غالباً ما اعتمدت على اختراعاتها وأرباحها.

     

     بيّن سام رامجي، وهو مسؤول تنفيذي سابق عمل مع راغافان على منتجات "غوغل" السحابية: "لدى (جوجل) حساسية شديدة تجاه التفكير الإستراتيجي. هو الرجل الذي جلب الإستراتيجية إلى (جوجل)." قالت تضيف مارثا ويلش، مديرة إستراتيجية التجارة لدى غوغل": "إنه حقاً يمتلك نظرة شاملة للأعمال".

     

    إصلاحات راغافان

     

    قلب راغافان سياسات التجارة الإلكترونية لدى "جوجل" منذ ترقيته في منتصف 2020 وألغى الرسوم التي تفرضها على الشراء الإلكتروني وأغلق خدمة التوصيل.

    حاول اقتناص التجار الحانقين من "أمازون" وأعاد تنظيم المناصب القيادية وأصلح عمليات مدفوعات "جوجل" عبر التخلي عن خططها المصرفية وتضييق نطاق تركيزها. كلّف كذلك قسم البحث التابع له بتلبية احتياجات أصحاب القرارات التجارية القوية مثل شراء منزل أو اختيار كلية للدراسة.

     

    من جهته قال بيل ريدي، رئيس التجارة الذي انضم إلى "جوجل" كأحد كبار نواب راغافان في 2020: "إنه مستعد لاتخاذ خطوات جريئة".

     

    الجرأة مطلوبة بالتأكيد. فيما تُدرّ الإعلانات في "جوجل" المال، يخضع نموذج الشركة لحصار الجهات التنظيمية ولتشديد القيود على الخصوصية، بما يشمل حظر "أبل" للرسائل التسويقية المستهدفة.

     

    تستند توقعات تباطؤ معدل نمو النشاط التجاري الإعلاني جزئياً لتلك المعوّقات، ليست "جوجل" الشركة الوحيدة التي تتجه سريعاً نحو التجارة الإلكترونية للتربح، فإن "ميتا بلاتفورمز" و"تيك توك" تسعيان لذلك.

    أتت "أمازون" بعكس محاولة "جوجل" لإنشاء وجهة تسوق إلكترونية تكميلاً لأعمالها الإعلانية بأن أسّست عمليات إعلانية قوية كإضافة إلى سوقها الإلكترونية الهائلة. يصعب قياس نجاح "غوغل" لأنها لا تُعلِن مبيعات التجارة الإلكترونية أو إعلانات بيع بالتجزئة، لكن يسهل مراقبة هذا في "أمازون" التي سجّلت أعمالها الإعلانية نمواً قدره 23% في الربع الأول. قال مايك رايان، محلل المحافظ الإستراتيجي لدى "سمارتر إي كوميرس" (Smarter Ecommerce):"تبدو مفاعيل هذا أفضل لدى (أمازون) من (جوجل)".

     

    ربط راغافان بين محرّكات الإيرادات والعائدات الرئيسية في "غوغل"، أي قسمي البحث والإعلانات، بجهود التجارة الإلكترونية بشكل أكبر من أي وقت مضى، وكل هذا يضغط عليه كثيراً لإظهار نجاحات إستراتيجيته.

    انطلاقة ضعيفة

    كان آخر مبادرات "جوجل" الأخيرة الكبيرة في التجارة الإلكترونية مجابهة مباشرة مع "أمازون". بدأت الشركة خدمة توصيل "جوجل شوبيننغ إكسبرس" في 2013 عبر تطبيق أنيق ووعد بشحن كثير من المنتجات في يوم طلبها. شملت قائمة شركاء "جوجل" في قطاع التجزئة حينها أسماء كبيرة مثل "تارجيت" و"وول جرينز" (Walgreens)، وخططت لوضع نموذج اشتراك سنوي يضاهي "أمازون برايم". كان التسليم السريع في التجارة الإلكترونية حينها جديداً وبدت خدمة "غوغل" كمنافس طبيعي لـ"أمازون".

    لكنها لم تكن كذلك. لم تتوسع "شوبينغ إكسبرس" سوى في عدد قليل من المدن خارج منطقة خليج سان فرانسيسكو ولم تحظَ بجاذبية كبيرة بين المستهلكين. جمّعت خدمة "شوبينغ" من "جوجل"، التي سهلت الوصول إليه عبر علامة تبويب على صفحتها الرئيسية، قوائم من تجار التجزئة الإلكترونيين وحقّق إعلانات مدفوعة في أعلى الصفحة، لكنها جذبت عدداً قليلاً نسبياً من الزوّار مقارنة بصفحة البحث الرئيسية.

    يقول موظفون سابقون لدى "جوجل" إن الإستراتيجية قُوِّضت بسبب التردد الإداري وعدم الرغبة بالاستثمار بكثافة في أعمال ذات هامش ضئيل. وجّهت أوروبا لطمة قاسية لـ "جوجل" في 2015 عبر قضية مكافحة الاحتكار الضخمة قالت إن محرك البحث روّج بشكل غير عادل لخدمة التسوق لديه على حساب آخرين. أجبر ذلك الشركة على فصل الأعمال التجارية الأوروبية والتحرك بحذر أكبر.

     

    عيّنت "جوجل" مستشارين من "بي سي جي" (BCG) لتقييم إستراتيجية محدّدة في التجارة الإلكترونية، لكنها لم تتبع تلك التوصيات. اختصرت الشركة بعدئذ اسم خدمة التوصيل إلى "إكسبرس" فقط وحدّثته ليتمحور حول خدمة المساعدة الرقمية الصوتية "غوغل أسيستنت"، منافسة خدمة أخرى لدى "أمازون"، لكن فشل هذا المسعى كذلك. قال ريك واتسون، رئيس "أر إم دبليو كوميرس كونسالتينغ" (RMW Commerce Consulting): "حاولت (جوجل) استكشاف التجارة الإلكترونية خلال 15 عاماً مضت ولم تُنفّذها حقاً أبداً".

     

    نفس جديد

     

    عدّلت "جوجل" سياستها في أوائل 2020، وعيّنت الإدارة بيل ريدي، المسؤول السابق لدى "باي بال" (Pay Pal)، ليقود الوحدة التجارية وأعادت تنظيم أقسام البحث والمدفوعات والخرائط للعمل بشكل أوثق معه. كما اختارت "جوجل" راغافان لتشغيل هذه الإدارة بأكملها، وهو أحد العاملين المخضرمين لديها في قسم المؤسسات وتولى مسؤولية الإعلانات في 2018.

     

    عمل راغافان، قبل انضمامه لـ"جوجل" في 2012، لدى مختبرات الأبحاث التقنية والأوساط الأكاديمية لعدة سنوات حتى صار خبيراً في تقنيات البحث على الشبكة العنكبوتية عند انطلاقها. يتقن خمس لغات وما يزال يتصرف كبروفيسور أكثر من كونه مسؤولاً تنفيذياً كبيراً.

     

    وكان اختياره للألفاظ لدى مناقشته قرار "جوجل" محاكاة الميّزات المرئية السريعة لدى "تيك توك" يشير على ذلك، فقد قال: "تُملي تلك الأنماط البدء بالتفكير بها." كما طلب راغافان مرة أن يعتلي المسرح في أحد النشاطات على أنغام الموسيقا الكلاسيكية قبل تدخل أحد الموظفين لمنع ذلك.

     

    قال صديقه القديم جاي شري أولال، الذي يُدير "أريتسا نتووركس" (Arista Networks): "إنه يتفاجأ دائماً عندما يتحمل مزيداً من المسؤولية... لا يمكنك أن تعرف أنه المسؤول التنفيذي الثاني لدى (غوغل)".

    تحدث راغافان عن طموحاته في مجال التجارة الإلكترونية بوضوح خلال العام الأول من توليه مهامه الجديدة، وأخبر زملاءه أنه يتعيّن على "غوغل" التفكير في المستخدمين وكأنهم في "رحلة" وأنهم لا يدخلون "غوغل دوت كوم" سعياً لمعلومات فقط بل للبحث وعسى أن يشتروا شيئاً ما.

    قرّر هو وريدي سريعاً إنهاء "إكسبرس" وإسقاط عمولة "جوجل" على المبيعات عبر أصولها والرسوم المفروضة على التجار لإدراج المنتجات على موقع التسوق، في إشارة إلى الصناعة بأنها ترغب بأن تكون سوقاً مفتوحة وليست منافسةً.

    أوضح ريدي: "لا نسعى لوضع صناديق على عتبات الأبواب... نحن نحاول حل الجزء الخاص بالمعلومات من المشكلة".

    قصد ريدي بكلماته الرغبة بتسهيل عثور المستهلكين على منتجات أو صفقات أو علامات تجارية يريدونها حتى تلك التي لم تشتر إعلاناً.

    تتعرف نتائج البحث حالياً على برامج الخصومات والولاء فيما تُدرج أدوات جانبية تكاليف الشحن والرسوم الخفية على مشتريات معينة. عقدت "جوجل" صفقات مع "شوبيفاي" و"بلوك" (Block) وشركات تجارة أخرى لجعلها أكثر إقناعاً للشركات وحثها على البيع عبر "جوجل".

     



    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن