هل يمكن أن تكسب عيشك من صناعة المحتوى؟

  •  

     

    بقلم : إيرين لوري

    إيرين لوري مؤلفة كتاب "Broke Millennial"

    اقتصاد صناعة المحتوى يمر بتطور خطير. فمع شبكات التواصل الاجتماعي  وظهور نظم الدخول بالاشتراك على مواقع الإنترنت  أو ترويج إنتاج شخصي صار بإمكان أي شخص أن يصبح صانعاً للمحتوى.

    من الصعب أن نفهم جيداً كم تساوي قيمة هذا القطاع، غير أن البعض يقدرونها بحوالي 20 مليار دولار، مع نموه بوتيرة سريعة. ومع ذلك، ففي ضوء كمية العمل المطلوبة لبناء مجتمع على شبكة الإنترنت وتحويله إلى نقود، يجدر بنا أن نسأل: هل يمكن كسب العيش بطريقة مستدامة في اقتصاد صناعة المحتوى؟

    قبل أن نسترسل، من الضروري أن نميز بين صانع المحتوى والشخصية المؤثرة. طبعا هناك جوانب مشتركة بين الاثنين – فكلاهما ينشر محتوى على "يوتيوب"، و "تيك توك"، و "إنستغرام"، ومنصات أخرى. لكن صانعي المحتوي عادة يندرجون ضمن الاهتمامات الفنية. وهم بالأساس يصنعون سلعة أو خدمة أو محتوى من أجل جمهورهم. من جهة أخرى، يهدف المؤثرون إلى التأثير على جمهورهم من خلال المحتوى، ذلك أنهم في الأغلب يربحون المال من خلال شراكة مع علامة تجارية، أو عبر توجيه متابعيهم إلى منتجات معينة.

    في العقد الأخير، أصبح أسهل كثيراً على صناع المحتوى – أصحاب الفنون المرئية، والكتاب، والموسيقيون، وفنانو الكوميديا، وأصحاب الفنون الحرفية – الاتصال مباشرة مع المستهلكين الذين يرغبون في دعم أعمالهم. (بصراحة كاملة، لقد لعبت هذا الدور المركب من الشخصية المؤثرة وصانعة المحتوى على الإنترنت لمدة عشر سنوات تقريبا، وقد بدأ الأمر بمدونة، ترتب عليها عقود نشر أربعة كتب، وإلقاء كلمات، ودورات تدريبية ونشرة أخبارية)

    تأسيس شركة "إتسي" (Etsy) يبدو مثل تغيير مبكر في هذا التيار حيث أصبح فجأة أي شخص يتمتع بمهارة فنية قادرا على أن يبيع منتجات مباشرة إلى المستهلكين. فلم تعد محاصرا في موقع جغرافي بعينه أو سوق متنقلة للأشياء المستعملة أو معرض محدد. وتستطيع أن تحدد أسعارك بنفسك. من المؤكد أن "إتسي" تقتطع جزءا، لكنها أطلقت العنان للشعور بأنك رائد أعمال بطريقة قابلة للتصنيف والتدرج.

    اليوم ، توجد بدائل وفيرة أمام المرء حتى يكسب المال من مهارته دون حاجة إلى دعم من شركة كبيرة. فيمكن توزيع النشرات الإخبارية عبر نماذج تفتح باشتراك مالي من خلال منصة مثل "صبستاك" (Substack) أو تطبيق "جوست" (Ghost) أو حتى "كونفيرت كيت" (ConvertKit).

    ناشرو المحتوى الإذاعي أو المرئي والموسيقيون وفنانو الكوميديا وناشرو محتوى "يوتيوب" وغيرهم يستطيعون أن ينشئوا حساباً على منصة "باتريون" (Patreon) أو منصة "اشتر لي قهوة" (Buy Me a Coffee) بهدف حث وتشجيع مجتمع المتابعين لهم على تقديم دعم مالي لأعمالهم.

    غير أنه من الناحية الفعلية يعتبر كسب العيش من خلال هذه المنصات معضلة بالنسبة إلى معظم صانعي المحتوى.

    منصة "صبتساك" مثلا تقول إنها تتوقع عادة أن تشهد من 5% إلى 10% من أصحاب الاشتراكات المجانية الذين يتحولون إلى اشتراكات مدفوعة. وصانعو المحتوى يتحكمون في عملية التسعير، غير أن تحصيل من 5 إلى 7 دولارات شهرياً عن النشرة الإخبارية الشهرية يبدو كأنه قاعدة. وضع في اعتبارك أن تحصيل 5 دولارات من مشترك في النشرة ينتهي إلى 4.05 دولار بعد اقتطاع 10% لصالح "صبستاك" و 2.9% + 0.30 دولار لصالح نظم سداد المدفوعات.

    على السطح، يبدو كأن ذلك يدر عائداً كبيراً وسخياً. فعند 500 شخص يصبحون مشتركين بمقابل مادي، تستطيع أن تحصل على 2025 دولار شهرياً بعد الرسوم وقبل الضرائب. وبحسب الإنتاج الذي يقوم به صانع المحتوى، فإن هذه القيمة قد تصل إلى مبلغ جيد من المال مقابل كمية محدودة جدا من العمل.

    لكن تجربتي الشخصية تختلف عن ذلك. فرغم أن متوسط معدل فتح رسائل البريد الإلكتروني تجاوز 50% بالنسبة للنشرة الإخبارية المجانية ومع انخفاض معدل إلغاء الاشتراك، فإن معدل التحويل من الاشتراك المجاني إلى المدفوع لم يقترب حتى من 5%. وصحيح أن هذه التجربة لم تبلغ مدتها الشهرين بعد، ولكن حتى الآن أنا أبذل كثيرا من العمل (أنشر رسالتين إخباريتين أسبوعياً) مقابل عائد نقدي ضئيل. وأنا لست الوحيدة التي تشكك في مزاعم أن نسبة التحويل من الاشتراك المجاني إلى الاشتراك المدفوع تبلغ 10%. وحقيقي أيضا أن هناك نجوم بارزة على منصة "صبستاك" يستطيعون أن يحصلوا على آلاف الدولارات شهريا من الاشتراكات المدفوعة.

    يعرف معظم صانعي المحتوى أن الأمر سيحتاج إلى أكثر من قناة واحدة للدخل حتى تحقق دخلا كافيا ومستداما. وقد يعني ذلك فتح العديد من قنوات الدخل في اقتصاد صناعة المحتوى أو أن تحصل على عمل يومي أكثر استقرارا لدعم المشاريع الأخرى.

    نشرت منصة "باتريون" تقرير إحصاء صانعي المحتوى لعام 2022 متضمنا ردودا من 13 ألفا من صانعي المحتوى. قال المشاركون إنهم في المتوسط يحصلون على 41% من دخلهم من خلال منصة "باتريون". تتوزع نسبة الـ59% الأخرى على التدريس أو التدريب، والجولات وشراكات العلامات التجارية ومبيعات الكتب والبضائع وإيرادات الإعلانات والاشتراكات من منصات أخرى والتنزيلات الرقمية والعمولات و "وظيفة مرتبطة باهتماماتي الإبداعية".

    يجب على صانعي المحتوى أن يفهموا أن كمية هائلة من العمل في مشروع إبداعي قد لا تدر دخلا يكفيهم، ناهيك عن أن تجعلهم من الأغنياء. ويبدو أن أكثر ما يساعد في كسب ما يكفي من أجل الصعود إلى القمة هو وجود منتج مرتفع الجودة، والاتساق وأن يكونوا من أوائل من يطرحه بالإضافة إلى بعض الحظ. وربما أن تلك الساعات الطويلة التي يمضونها في صناعة المحتوى سينتج عنها فرص أخرى. ولكن في اقتصاد صناعة المحتوى الحالي، ينبغي على المرء أن يكون مستعدا لما يحدث إذا لم تظهر هذه الفرص.



    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن