الطاقة بين الكفاءة والأزمة

  •  

    بقلم : جافين ماجواير

    محلل متخصص فى النفط

    تسببت صدمة أسواق الطاقة العالمية التي أدت إلى ارتفاع التكاليف بحدوث الكثير من الألم والمعاناة داخل المجتمعات، من ارتفاع فواتير المرافق المنزلية، إلى الإجازات القسرية للمصانع، وعمليات الإنقاذ الحكومية الضخمة.

    لكن في المقابل، قدمت أزمة الطاقة التي عصفت بالاقتصادات والصناعات الكبرى هذا العام فرصة أيضاً لتعزيز مستويات كفاءة أنظمة الطاقة التي تباطأت معدلاتها في السنوات الأخيرة. فقد أغفلت عقود من أسعار الطاقة المنخفضة والمستقرة نسبياً للمنازل والشركات حقيقة مهمة مرتبطة بالتكاليف اليومية لاستجرار الطاقة، وفي كثير من الحالات أدت إلى إساءة استخدام الطاقة، وتأخير ترقيات نظام التوفير.

    لكن الزيادة المتزامنة في تكاليف الغاز الطبيعي والفحم والنفط خلال العام الماضي أجبرت كل مستهلك على إعادة تقييم القيمة الحقيقية للطاقة التي يستهلكها في المنزل وفي العمل، ما حفز حملة جماعية لتقليل استهلاك الطاقة في كل جانب من جوانب حياتهم.

    إن التأثير التراكمي المحتمل لعمليات خفض الطلب على الطاقة بطرق متزامنة وواسعة النطاق كبير جداً، مع عواقب حميدة ليس فقط على أحجام الإمدادات التي تتطلبها البلدان حالياً، ولكن أيضاً على انبعاثاتها من استخدام الوقود الأحفوري لتوليد هذه الطاقة. وإلى جانب التوسعات العالمية المخطط لها لإمدادات الطاقة المتجددة، يمكن للخفض الجماعي المستدام لإجمالي الطلب على الطاقة أن يساعد في تحقيق هدف عكس الاتجاه في الانبعاثات التي تضر بالمناخ.

    وفي السياق، طورت شركة الأبحاث والاستشارات «إنيرداتا» (Enerdata) مقياساً رئيسياً لكفاءة الطاقة يتتبع إجمالي كمية الطاقة التي يستهلكها كل بلد لتوليد وحدة واحدة من الناتج المحلي الإجمالي. ويسمح ما يسمى ب «كثافة الطاقة للناتج المحلي الإجمالي» بمقارنة الاقتصادات المختلفة وتصنيفها، ويكشف أنه بينما انخفضت كثافة الطاقة بشكل مطرد على المستوى العالمي وبمرور الوقت، لا تزال العديد من البلدان تكافح لخفض كثافتها للطاقة إلى مستويات واضحة بالتزامن مع تضخم السكان وتوسع قطاعات التصنيع كثيفة الاستهلاك للطاقة لديها.

    وفي الواقع، خالف العديد من الاقتصادات الرئيسية سريعة النمو، بما في ذلك نيجيريا وإيران والبرازيل، الاتجاه الهبوطي في كثافة الطاقة وزادت كمية الطاقة المستهلكة لكل وحدة من الناتج المحلي الإجمالي منذ عام 2015. أما الاقتصادات الأخرى التي لديها طموحات لتطوير قطاعي الصناعة والتصنيع، بما في ذلك الهند وفيتنام، فهي معرضة لخطر فعل الشيء نفسه، حيث تتماشى اتجاهات الإنفاق الديموغرافي والرأسمالي لديها مع خلق المزيد من فرص العمل وتشييد المصانع.

    ومع ذلك، نجح العديد من الاقتصادات الكبرى أيضاً في خفض كثافة الطاقة مع توسيع الإنتاج الاقتصادي في الوقت نفسه، وبالتالي يمكن أن تكون نماذج حقيقية محتملة للدول الأخرى التي تتطلع إلى استيعاب أهداف طموحة على كل من الجبهات الاقتصادية وخفض الانبعاثات.

    ومن قصص النجاح البارزة التي تستحق الإشارة إليها فيما يتعلق بخفض كثافة الطاقة ونمو الإنتاج، تأتي الصين في الطليعة، وهي التي خفضت كثافة طاقتها بنسبة 15% منذ عام 2015، في حين وسّعت الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 60%، بحسب بيانات «إنيرداتا» والبنك الدولي، وحتى بعد هذا الانخفاض الكبير في كثافة الطاقة، فإن الصين لديها مجال لتخفيضات إضافية قبل الانضمام إلى مصاف الدول الصناعية المتطورة بالكامل، مثل ألمانيا واليابان، اللتين تفاخرتا بمعدلات كثافة طاقة منخفضة بمقدار نصف مثيلاتها في الصين عام 2021.

    وعليه، استهدفت بكين خفضاً إضافياً بنسبة 13.5% في استهلاك الطاقة الصناعية لكل وحدة إنتاج خلال الفترة من 2021 إلى 2025، وهو ما تنوي تحقيقه من خلال التخلص التدريجي من محطات المداخن القديمة وإطلاق المزيد من أنظمة توليد وتوزيع الطاقة الحديثة. وتطمح الصين كذلك لكي تصبح رائدة في تقنيات الطاقة النظيفة، وبالتالي من المرجح أن تتطلع إلى تصدير قدراتها في توفير الطاقة للعالم على مدار العقود المقبلة، تماماً كما تتهيأ المنازل والشركات والحكومات هناك لتبني هذا النهج على نطاق واسع. ويبدو أن منتجات وعمليات مماثلة لخفض استهلاك الطلاقة ستظهر في أوروبا والولايات المتحدة وأماكن أخرى نتيجة للاستثمارات المكثفة في المجال، واستجابة مباشرة لارتفاع أسعار الوقود الأحفوري هذا العام.

    ومنذ بداية أزمة الطاقة، تقدمت المفوضية الأوروبية بالعديد من المبادرات التي تهدف إلى دعم، ليس فقط الأسر، ولكن أيضاً الشركات الصغيرة. وفي أكتوبر من العام الماضي، نشرت المفوضية مجموعة من التدابير التي تُعين دول الاتحاد الأوروبي على مساعدة شركاتها، مثل دعم الدخل، وقسائم الطاقة، والخصومات على الفواتير أو الدعم المالي لكفاءة الطاقة وتدابير الطاقة المتجددة. وفي الآونة الأخيرة، تم الاتفاق على أداة طارئة قد تحدد سعراً مؤقتاً لتزويد الشركات الصغيرة والمتوسطة داخل الكتلة بالكهرباء لتعزيز مساهمتها في التحول إلى الطاقة النظيفة، وزيادة دعم أولئك الذين يعانون ارتفاع أسعار الطاقة، وتطبيق أهداف الحد من الانبعاثات، وتحديد التقنيات والأساليب وآليات التمويل التي يمكن للشركات استخدامها لتحقيق أهدافها ذات الصلة.



    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن