بقلم : أشرف جمعة
مدير في شركة «آرثر دي ليتل» الشرق الأوسط
مع التوجهات المتزايدة نحو اعتماد التنقل بالمركبات الذاتية القيادة والمركبات الكهربائية، تعزز دول مجلس التعاون الخليجي مكانتها التنافسية عالمياً في هذا المجال الذي بات يكتسب زخماً متزايداً خلال السنوات القليلة الماضية، حيث تلعب دولة الإمارات والسعودية دوراً مؤثراً في رسم ملامح مستقبل التنقل من خلال تنفيذ استراتيجيات فعالة وبوتيرة متسارعة لتطوير هذا القطاع.
منذ وقت ليس ببعيد كانت المركبات ذاتية القيادة، وتسليم الطلبات من خلال الروبوتات، والمركبات الكهربائية مجرد خيال من أفلام هوليوود أو من أحلام الطفولة، ولم تشكل محوراً لتركيز الخبراء المتخصصين في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. لكن الأمور تغيرت، وفي عالم التكنولوجيا يحدث التغيير بسرعة كبيرة، ففي السنوات الأخيرة أدت التطورات الهائلة في العلوم والتكنولوجيا والطموحات الحكومية الكبيرة إلى نقلات نوعية نحو التنقل بالمركبات ذاتية القيادة والمركبات الكهربائية، وأطلقت العنان لرحلة يمكن أن تغير الطريقة التي نتنقل بها بشكل جذري.
رغم مرور تطوير تكنولوجيا النقل بالمركبات ذاتية القيادة بسنوات صعبة في الآونة الأخيرة، وتأثرها بالظروف القاسية الناجمة عن جائحة «كوفيد-19»، والبطء في تبني التقنيات ذات الصلة، ونقص أشباه الموصلات، فإن التوقعات المالية المتفائلة والعديد من التنبؤات تشير إلى أن القيمة السوقية العالمية لهذا القطاع ستصل إلى تريليونات الدولارات بحلول العقد القادم. علاوة على ذلك، فإن المركبات الذاتية القيادة أصبحت قيد الاستخدام على الطرقات اليوم، لدرجة أن المصنعين الرئيسيين يتوقعون طرح الخدمة تجارياً بحلول عام 2024، مع تشخيصات تشير إلى أتمتة شبه كاملة (أي المستوى 5) بحلول عام 2035، وفقاً لشركة «آرثر دي ليتل».
وبناءً على دراسة حديثة أجرتها الشركة تتقدم الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي والصين وسنغافورة للصدارة من ناحية جاهزية أسواقها للمركبات ذاتية القيادة، إلا أن دول مجلس التعاون الخليجي تثبت نفسها مؤخراً كوجهات رائدة في السباق المحتدم عالمياً نحو تبني المركبات ذاتية القيادة. وإذا تميزت منطقة الخليج بخاصية ما فهي الارتقاء للتحدي، ففي غضون عقود من الزمن حققت دول مجلس التعاون الخليجي تحولاً اقتصادياً مذهلاً، وأنشأت بنية تحتية وخدمات رائدة وعالية المستوى. ومع ظهور مجموعة كبيرة من حالات استخدام المركبات ذاتية القيادة في المنطقة، هناك فرصة كبيرة لأن ينطبق الأمر نفسه على النقل بالمركبات ذاتية القيادة.
فمثلاً، دولة الإمارات سباقة في هذا المجال على صعيد المنطقة، حيث تهدف استراتيجية دبي للتنقل الذكي إلى تحويل 25% من إجمالي وسائل النقل في المدينة إلى مركبات ذاتية القيادة بحلول عام 2030. وتم إطلاق ثلاث نسخ من تحدي دبي العالمي للنقل بالمركبات الذاتية القيادة، كما تخطط الإمارة لإطلاق مركبات أجرة ذاتية القيادة في ديسمبر من هذا العام، تليها مركبات الأجرة الطائرة في أوائل عام 2026.
كما تحرز السعودية تقدماً كبيراً في مسارها المستقبلي في هذا المجال، وهو ما يمكّنها من لعب دور رائد على الساحة العالمية من خلال التطلعات المتميزة بالطموح لقطاع النقل البري والمبادرات الاستراتيجية ذات الصلة، وقد تم تصميم المدن السعودية المستقبلية مع وضع متطلبات التنقل الذكي في الاعتبار، مثل استخدام المروحيات المدنية الخفيفة ذاتية القيادة (فولوكوبتر)، وسيارات الأجرة الآلية، والكبسولات ذاتية القيادة.
إلى جانب المركبات الذاتية القيادة، تعد المركبات الكهربائية عنصراً أساسياً في تطور قطاع النقل. وفي سياق الالتزامات العالمية بالحد من الانبعاثات الكربونية ومكافحة تغير المناخ، يرتقي التنقل بالطاقة النظيفة إلى قمة جداول أعمال الحكومات والشركات في جميع أنحاء العالم.
وبناءً على المعطيات، أظهر «مؤشر الجاهزية العالمية للتنقل الكهربائي» GEMRIX 2023 الصادر عن شركة «آرثر دي ليتل» الذي يقيس جاهزية قطاع النقل بالمركبات الكهربائية في 35 دولة، أن الإمارات والسعودية تحتلان المرتبتين السابعة والثالثة والعشرين على التوالي، في قائمة الدول التي تضم معظم دول مجموعة العشرين، مثل الولايات المتحدة الأمريكية والصين والنرويج واستراليا وغيرها من الدول. ويسلط هذا المؤشر الضوء أيضاً على اعتبار دولة الإمارات والسعودية ضمن الأسواق الرئيسية الناشئة للمركبات الكهربائية.
ويعكس إدراج دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب شرق آسيا في مؤشر الجاهزية العالمية للتنقل الكهربائي لعام 2023 التحول على مستوى المنطقة والعالم نحو تبني المركبات الكهربائية من أجل التنويع الاقتصادي، والتركيز على النقل المستدام، وتعزيز ثقة الجمهور في تكنولوجيا المركبات الكهربائية وفوائدها البيئية.
كما يحدد تحليل «آرثر دي ليتل» العديد من العوامل التي يمكن أن تؤثر على وتيرة اعتماد المركبات الكهربائية. تشمل هذه العوامل تاريخ بدء تنفيذ استراتيجية النقل، ومتوسط دخل الفرد، والمحفزات الحكومية، وتطوير البنية التحتية للشحن الكهربائي. وتعد البنية التحتية المتينة والحوافز المالية أمراً أساسياً في الدول ذات الدخل المرتفع، فضلاً عن أن الفوائد البيئية للمركبات الكهربائية، خاصة عندما تقترن بالطاقة المتجددة، تساهم في التأثير على خيارات المستهلك. أما البلدان ذات الدخل المنخفض فتحتاج بدورها إلى دعم وإعانات في البداية لجعل المركبات الكهربائية ميسورة التكلفة، إضافة إلى أن تكلفة المركبات الكهربائية ستصبح أكثر تنافسية مع تقدم التكنولوجيا، ما سيسهم في اعتمادها سنة بعد سنة.
الأمر واضح، السباق العالمي محتدم وبقوة في عصر التنقل بالمركبات ذاتية القيادة والمركبات الكهربائية. لم يعد هذا العصر مجرد أفكار وأوهام، بل انتقل ليصبح حقيقة ملموسة نراها على الطرق والشوارع في جميع أنحاء العالم. ومع وجود التكنولوجيا والرؤية الراسخة، تعمل دول مجلس التعاون الخليجي الآن على بناء الزخم وتطوير الشراكات والبنية التحتية واللوائح التي ستسمح بتسويق المركبات الذاتية القيادة والمركبات الكهربائية على نطاق واسع ورسم مستقبل التنقل للأجيال القادمة.
&