كتب : ساره نور الدين
أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، عددًا جديدًا من مجلة "آفاق اقتصادية معاصرة"، بعنوان "مستقبل سلاسل الإمداد العالمية" تضمن مقدمة بواسطة الذكاء الاصطناعي "شات جي بي تي"، أوضحت أن العدد يتناول التحديات العالمية التي تواجه الملاحة البحرية وأثرها على إعادة تشكيل خريطة سلاسل الإمداد ودمج المشروعات الصغيرة والمتوسطة في سلاسل العرض العالمية، والتنافس الدولي في مجال سلاسل إمداد الرقائق الاليكترونية، -وهو قطاع حيوي يؤثر على العديد من الصناعات التكنولوجية-، كما يقدم مجموعة من مقالات الرأي لنخبة من الخبراء في مجال سلاسل الإمداد، فضلاً عن إطارًا نظريًا، إلى جانب استعراض توجهات الصحف الأجنبية بشأن مستقبل سلاسل الإمدادات، مع إلقاء نظرة على توقعات تلك الصحف بشأن مستقبل سلاسل الإمداد العالمية والكيفية التي يرى بها العالم الخارجي هذه التحولات، والتوقعات المستقبلية لهذه السلاسل، مع تقديم رؤى متعمقة في نهاية العدد حول سلاسل الإمدادات العالمية.
من مقالات الرأي مقالًا للدكتورة منى صبحي نور الدين أستاذ الجغرافيا الاقتصادية والنقل ووكيلة كلية الدراسات الإنسانية للدراسات العليا والبحوث بجامعة الأزهر بعنوان "التحديات العالمية للملاحة البحرية وأثرها على إعادة تشكيل خريطة سلاسل الإمداد العالمية"، حيث تناولت خلال المقال تعريف سلاسل الإمداد بأنها علم إدارة تدفق البضائع والخدمات حيث تشمل إدارة حركة نقل وتخزين المواد الخام والسلع نصف المصنعة والسلع التامة الصنع والمخزون من نقطة البداية (نقطة المنشأ) إلى نقطة النهاية (المصدر) أي وصول المنتج أو الخدمة إلى المستهلك النهائي، كما تعرف أيضًا بأنها إدارة العلاقة بين المورد والعميل وما بينهما من مشاركين في تلك السلسلة (مثل: الموزع وتاجر الجملة وتاجر التجزئة)، وعرفها البعض بأنها عبارة عن شبكة متصلة من الأفراد والمنظمات والموارد والأنشطة والتقنيات المشاركة في تصنيع وبيع منتج أو خدمة، وتبدأ سلسلة التوريد بتسليم المواد الخام من المورد إلى الشركة المصنعة وتنتهي بتسليم المنتج النهائي أو الخدمة إلى المستهلك النهائي؛ أي أنها الخطوات التي تتخذها المنظمات لتوصيل المنتج أو الخدمة من حالتها الأصلية وصولًا إلى العميل النهائي، وبلغة الجغرافيا الاقتصادية هي عبارة عن شبكة متصلة بين المنتجين والموردين والناقلين والمستهلكين عبر جميع محاور النشاط الاقتصادي (الإنتاج والتبادل والاستهلاك).
وتناول المقال أهم التحديات التي أثرت على سلاسل الإمداد العالمية والتي جاء من أبرزها:
-أولًا: آثر جائحة (كوفيد 19) على حركة سلاسل الإمداد والتجارة العالمية: والتي تركت أثرًا كبيرًا على اقتصاديات الدول والشعوب وساهمت في إعادة رسم خرائط حركة الطيران والهجرة والتجارة وحركة الإعانات والمساعدات الدولية، حيث تتابعت الخسائر الاقتصادية وأثرت على العالم أجمع، خاصًة بعد حالة الإغلاق الاقتصادي في الربع الثاني من عام 2020، وبعد إعادة الفتح الاقتصادي في الربع الثالث من العام نفسه تحسنت الأوضاع الاقتصادية في العالم ولكن اتضحت الخسائر الفادحة التي لحقت بقطاعات متعددة والتي نتج عنها موجات متتابعة من التضخم، حيث انخفض معدل نمو التجارة العالمي إلى أدنى مستوى له خلال عشر سنوات، كما كلفت التوترات التجارية الأمريكية النمو الاقتصادي العالمي نحو 700 مليار دولار عام 2020 وهو ما يمثل 0.8% من الناتج الإجمالي العالمي، ونتج عن ذلك الصراعات الاقتصادية وتغير التجارة الأمريكية الصينية إلى شركاء آخرين مما أثر على سلاسل القيمة العالمية، وانخفض معدل نمو حركة التجارة العالمية بنسبة 27% في الربع الثاني من 2020 وانخفضت تجارة الحاويات بمقدار 8.6%، كما تأثرت حركة السفن الكروز السياحية وانخفض عدد السائحين في العالم من 1 مليار و461 مليون سائح في 2019 إلى 38 مليون سائح فقط في عام 2020.
-ثانيًا الحرب الروسية الأوكرانية: حيث أثرت على الوضع الجغرافي والجيوبوليتيكي والاقتصادي لدول كثيرة وظهرت تداعياتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ونتج عنها أزمتا الطاقة والغذاء، وقد أثرت تطورات الحرب على إعادة تشكيل خريطة سلاسل الإمداد للخروج من الأزمة والبحث عن بدائل للطاقة وخاصًة الغاز سواء عن طريق تغيير وجهات خطوط الأنابيب لوجهات جديدة، أو فتح أسواق جديدة للطاقة عبر سفن الغاز المسال البحرية، وتغيير مسارات الطرق وزيادة المسافات عبر الطرق البرية والبحرية، وبالتالي زيادة التكاليف اللوجستية وكذلك بالنسبة لأزمة الغذاء العالمية مما انعكس على حركة التجارة العالمية.
-ثالثًا أزمة جفاف قناة بنما والتغيرات المناخية: وتسبب ذلك في تغيير مسار السفن الضخمة لتقوم بالالتفاف حول قارة أمريكا الجنوبية مما يؤدي إلى زيادة المسافات تكاليف النقل البحري.
-رابعًا أزمة الملاحة في مضيق باب المندب: فعقب سيطرة الحوثيين على اليمن واستهدافهم لحركة السفن عند مضيق باب المندب حدثت قلاقل عديدة وضرر كبير لكثير من الدول، وزادت تكاليف الوقود وتكاليف التشغيل مما أدى لزيادة تكاليف الشحن والخدمات وتكاليف سلاسل الإمداد العالمية وهو ما يشكل تحدياً كبيراً في الجنوب على غرار مشكلة روسيا وأوكرانيا، وقد اهتمت الدولة المصرية بعد هذه الأزمة مباشرًة بتفعيل النقل الدولي متعدد الوسائط مع كل من الأردن والسعودية وتشغيل خط الجسر العربي وكذلك قامت بتشغيل خطوط بحرية قصيرة مثل خط الرورو في الربط بين مينائي دمياط وتريستا الإيطالي.
كما تضمن العدد مقالًا بعنوان "محددات دمج المشروعات الصغيرة والمتوسطة في سلاسل العرض العالمية" للأستاذ الدكتور محمد عبد الحميد شهاب وكيل كلية التجارة لشؤون التعليم والطلاب بجامعة دمياط، وقد أوضح خلال المقال أن فهم محددات المشاركة في سلاسل العرض العالمية تعتبر خطوة أولى في الكشف عن الكيفية التي يمكن بها للحكومات استهداف سياساتها من أجل نشر مكاسب المشاركة على نطاق أوسع، وتتمثل أهم هذه المحددات في "الابتكار واعتماد التكنولوجيا"، "والمهارات الإدارية وقدرات القوى العاملة"، "والوصول إلى مصادر التمويل الخارجية"، "والبنية الأساسية"، "والخدمات اللوجستية للتجارة"، "وتسهيل التجارة"، "والسياسة التجارية"، "والامتثال للمعايير الدولية".
واحتوى العدد كذلك على مقال للدكتور مدحت نافع مساعد وزير التموين السابق ورئيس الشركة القابضة للصناعات المعدنية سابقًا وعضو مجلس إدارة المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بعنوان "سلاسل التوريد في عالم متغير: اتجاهات ومخاطر مستقبلية"، والذي أشار خلال المقال إلى الاتجاهات الحديثة للتحول إلى سلاسل التوريد الذكية حيث تحتاج المؤسسات إلى التعرف على التقنيات الناشئة والمتطورة مثل تقنيات الذكاء الاصطناعي وكهربة أساطيل النقل، وسيتعين أن يتبع ذلك إدارة الانتقال إلى بنية رقمية جديدة وتنفيذها بشكل مناسب وستحتاج المؤسسات إلى التركيز بشكل مكثف على استخراج البيانات ذات الصلة والمدارة بشكل جيد إذا أرادت تحقيق أقصى استفادة من استثماراتها التكنولوجية الجديدة وستعمل تلك الاتجاهات الهيكلية على تشكيل نماذج تشغيل جديدة وتحسين العمليات الواسعة لسلاسل التوريد ولكي تتمكن المؤسسات من إنشاء سلسلة توريد أكثر مرونة واستجابة للمتغيرات وحتى تتمكن من خلق قيمة مضافة وخفض التكاليف وتحسين قيمة حقوق الملكية للمساهمين فمن الأهمية بمكان أن تفهم المؤسسات تلك الاتجاهات الجديدة وتطبق إجراءات محددة لبدء التحول بشكل عاجل.
وتتمثل هذه الاتجاهات في "الذكاء الاصطناعي التوليدي في العمليات، تمكين الذكاء الاصطناعي بأقل تدخل بشري، الدور الحاسم للبيانات، الشفافية والرؤية خارج المستويين الأول والثاني لسلاسل التوريد، المنصات ذات التعليمات البرمجية المنخفضة، الانبعاثات البيئية والنطاق 3 (أي الانبعاثات الناتجة عبر سلسلة القيمة بأكملها)، السيارات الكهربائية والنقل والخدمات اللوجستية".
وأوضح في ختام مقاله أن نشر التكنولوجيا لتمكين مرونة سلسلة التوريد يتطلب اهتمامًا وثيقًا بالعائد على الاستثمار في حين أن بعض الشركات الكبيرة لديها الموارد اللازمة للرهان على التقنيات الناشئة، فإن معظم اللاعبين في مجال سلسلة التوريد لن ينفقوا على التحول الرقمي دون شبه يقين من ارتداد العائد على استثماراتها خلال فترة زمنية معقولة، خاصًة وأن بناء سلسلة توريد قوية يعد عملية طويلة الأجل سواء من خلال تكييف سياسة المخزون واعتماد تقنيات جديدة أو إعادة تجهيز المصادر بشكل أساسي من خللا اختيار الموردين أو التنويع الدولي، وستكون مرونة سلسلة التوريد في عام 2024 بالقدر نفسه من الأهمية كما كانت في السنوات الثلاث الماضية ومع ذلك فإن رغبة الشركات وقدرتها على الاستثمار في إدارة المخزون والمصادر المتعددة قد تكون محدودة بسبب انخفاض الأرباح وارتفاع تكاليف التمويل.
كما استعرض العدد مقالًا للدكتور أحمد الشامي مستشار وخبير اقتصاديات النقل ودراسات الجدوى وعضو الجمعية العامة للشركة القابضة للنقل البحري والبري، والذي أوضح أن الأزمات المتلاحقة المتسارعة كانت حافزًا لزيادة معدلات السعي لتحقيق التنمية والاستدامة لتوفير مناخ استثماري يشجع الشركات والمؤسسات المالية الكبرى والمستثمرين لنقل سلاسل الإمداد والتموين والتوريدات إلى مناطق ودول يكثر بها المواد الأولية، وتتمتع بموقع جغرافي متميز، مع زيادة نسب توطين الصناعات بهذه المناطق والدول، ومصر لديها العديد من الفرص لجذب استثمارات أجنبية جديدة لما تمتلكه من نقاط متعددة تتمثل في:
-موقع جغرافي في الشمال الإفريقي على البحر المتوسط بالإضافة إلى وجود شبه جزيرة سيناء.
-وجود قناة السويس الرابطة بين البحرين المتوسط والأحمر وتمثل رابطًا جغرافيًا بين أهم ثلاث قارات في العالم آسيا وأوروبا وإفريقيا.
-الاستمرار في تطوير مينائي السخنة وشرق بورسعيد كمحوري للتجارة الدولية وتعظيم الاستفادة من موقعهم الجغرافي على مدخلي قناة السويس الجنوبي والشمالي.
-تعتبر مصر دولة عابرة للقارات فحدودها الشمالية البحر المتوسط بساحل يبلغ طوله 995 كم ويحدها شرقًا البحر الأحمر بساحل يبلغ طوله 1941 كم ويحدها في الشمال الشرقي (فلسطين) وقطاع غزة بطول 265 كم ويحدها من الغرب ليبيا على امتداد خط بطول 1115 كم كما يحدها جنوبًا السودان بطول 1280 كم، وتتمتع مصر بالعديد من التضاريس والمناطق الجغرافية المختلفة.
-اهتمام القيادة السياسية بتطوير البنية التحتية من طرق وكباري ومحاور مرورية وتطوير شبكات الكهرباء والغاز والمياه والصرف الصحي والقيام بإجراءات مثل، "تعديلات مستمرة في التشريعات"، "تطوير واستغلال الصحراء الشرقية والغربية بالزراعات والمدن العمرانية الجديدة والصناعة"، "تطوير البحيرات وتطهيرها لزيادة حجم الثروة السمكية بها"، "توسيع الدولة لقاعدة الملكية للاستثمارات الخاصة المحلية والأجنبية بإصدار وثيقة سياسة ملكية الدولة وتخفيض حصة الدولة من أسهم بعض الشركات التابعة لها؛ مما يؤهل مصر للانضمام للاقتصادات الناشئة الكبرى واستمرار النمو لتحل في موقعها الاقتصادي المستهدف الوصول إليه من ضمن دول العشرين".
وتضمن العدد أيضًا مقالًا للمهندس مصطفى متولي مدير مشروعات واستشاري تحول رقمي ومدرب معتمد من مايكروسوفت، والذي أوضح أن إدراك مصر لأهمية صناعة أشباه الموصلات وصناعة الرقائق الإليكترونية جعلها تتخذ خطوات أكثر سرعة وجدية نحو هذا المجال، فقد عززت من الشراكات والاستثمارات لشركة "سامسونج" و"إل جي" للتصنيع الرقمي والأجهزة الذكية، وفي 2021 تعاقدت شركة سامسونج مع الحكومة المصرية لبناء خط إنتاج للتابلت التعليمي المستهلك محليًا باستثمارات قُدرت بـ 30 مليون دولار، وكانت المرحلة الثانية بعد ضمان وجود السوق المحلية المعتمدة على الرقائق الإليكترونية هو البدء في تجهيز بعض المواد الخام اللازمة لإنتاج الرقائق الالكترونية والتي شملت فصل وتجهيز الرمال السوداء في مصنع الرمال السوداء بكفر الشيخ في عام 2022، وكذلك رملة السليكا البيضاء في شمال سيناء حيث بدأت إجراءات وقف تصديرها كرمال خام لتشجيع معالجتها محليًا لتصبح ملائمة لإنتاج الرقائق الالكترونية، ويبلغ احتياطي مصر من الرمال البيضاء حوالي نصف مليار طن موزعة في مناطق سيناء فضلًا عن بحر الرمال العظيم في الصحراء الغربية وهي أحد المكونات الرئيسة في إنتاج الرقائق الإليكترونية وكابلات الألياف الضوئية.
كما أشار المقال إلى نشر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار في 2022 ورقة بحثية بعنوان (عناقيد الرقائق الالكترونية في مصر: "توطين- تشجيع- تشريع")، والتي قدمت رؤية رسمية نحو توطين الصناعة المعقدة وخلصت إلى "ضرورة صياغة برنامج وطني لتصنيع الرقائق الإلكترونية، وتوفير إطار مؤسسي داعم للشركات المحلية وجذب الشركات العالمية، وإطار تشريعي ملائم للنهوض بالصناعات التكنولوجية عمومًا". وقد بدأت مصر خطوات حثيثة في هذا الصدد استكمالًا للمجهودات السابقة فقامت بتأسيس التحالف المصري لصناعة أشباه الموصلات بمشاركة مسؤولي وممثلي أكثر من 60 شركة محلية وعالمية متخصصة في مجال تصميم الالكترونيات والأنظمة المدمجة في صناعة أشباه الموصلات وعدد من الخبراء والأكاديميين المتخصصين في هذه الصناعة.
وتناول المقال مصر والاستفادة من تجمع البريكس، مشيراً إلى أنه من الممكن إنشاء تحالف اقتصادي وتكنولوجي ما بين الدول الأعضاء في تحالف البريكس لتصميم وإنتاج أشباه الموصلات والرقائق الالكترونية لضمان توافر التمويل والسوق الاستهلاكية وكذلك الخبراء اللازمين لتحقيق المستهدف، فتحالف البريكس يضم الهند والصين وكلتيهما لديها قفزات تكنولوجية واعدة في العالم الرقمي والبرمجيات، ويضم روسيا والسعودية والإمارات ولديهم سابق تعاون في مؤسسة أوبك بلس في وضع سياسات الإنتاج والتوزيع لسوق النفط لخلق توازن السوق المطلوب، وكذلك يضم مصر التي تمتلك وضعًا جيوسياسيًا متميزًا حيث لديها علاقات اقتصادية وسياسية متوازنة مع كافة دول العالم ولديها العديد من الخبراء والأيدي العاملة الماهرة والقابلة للتدريب.